تعليقات على سنن الترمذي ( 11 ) من الحديث (220- 232)

تعليقات على سنن الترمذي ( 11 ) من الحديث (220- 232)

مشاهدات: 506

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس الحادي عشر

من حديث 220- 232

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صُلِّي فيه مرة

حديث رقم -220-

( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن سليمان الناجي البصري عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :  أيكم يتجر على هذا ؟ فقام رجل فصلى معه )

من الفوائد :

أن إقامة الجماعة في مسجد قد سبق وأن أقيمت فيه جماعة جائز ، وهذا على ما ذهب إليه بعض العلماء .

بينما يرى آخرون أن المسجد الذي صليت فيه جماعة لا يجوز أن تعاد فيه صلاة جماعة أخرى ، بل إذا أتوا يصلونها فرادى ، وقد استدلوا ببعض الأدلة التي منها صحيح والتي منها ضعيف ، وما كان منها صحيحا فإنه ليس بصريح في هذه المسألة ، ومن ثم فإن القول الراجح بناء على هذا الدليل أن إقامة صلاة جماعة أخرى في مسجد قد أقيمت فيه صلاة سابقة لا بأس بذلك ، فإنه ثبت في صحيح البخاري أن أنس رضي الله عنه ( أتى إلى مسجد قد صلي فيه فأذن وأقام وصلى بمن معه )

ولتعلم أنه يخرج من هذا المصليات التي تكون على الطرق مما لا إمام راتب لها ، فإن إعادة الجماعة فيها مرة تلو الأخرى لا تدخل ضمن هذه المسألة لأنه لا يكون هناك افتيات على الإمام ، فهو مصلى ومسجد ليس له إمام راتب.

وكذلك من اعتادت جماعة معينة أن تأتي متأخرة وتصلي بعد صلاة الجماعة ، فهذا محرم ، لم ؟ لأن في ذلك تفريقا للأمة ، ويكون في ذلك افتيات على الإمام الراتب ، فالكلام كما قلت محصور في جماعة معينة تأتي بعد فراغ الصلاة الأولى ثم تقيم الصلاة جماعة في المسجد ، هذا لا يجوز .

أما الجماعة الطارئة فهو هو محل كلامنا في هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن الاتجار المذكور هنا هو طلب الثواب بالصدقة على هذا الرجل الذي تعذر مجيئه إلى صلاة الجماعة ، لرواية أخرى ( من يتصدق على هذا ؟ )

ومن الفوائد :

أن الرجل الذي قام فتصدق على هذا الرجل كما جاء في بعض الروايات هو أبو بكر رضي الله عنه .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن أي صلاة ، ومن ثم لو أتى رجل بعد صلاة العصر مثلا وقد تخلف عن صلاة الجماعة ، فقام رجل وسبق وأن صلى مع الجماعة فصلى معه ، فلا بأس بذلك ، لأن الحديث مطلق ولم يخصص عليه الصلاة والسلام مع وجود الحاجة إلى التبيين لو كان هذا الأمر محرما  .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث يخصص عموم قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تصلى الصلاة في يوم مرتين ) فإعادة الصلاة مرة أخرى لا بأس بذلك إذا وجد السبب ، فهنا وجد السبب ، أما ما يفعله بعض الناس من كونه يصلي الفرض مع الإمام ثم يقوم فيصلي صلاة الفرض مرة أخرى بحجة أن الصلاة الثانية ترقع الخلل الموجود في الصلاة الأولى ، فهذا لا يجوز ، بل من البدع، لأن ترقيع الفرض يكون بكثرة النوافل .

فالمسألة السابقة يمكن ان تصنف ثلاثة أقسام :

اولا : المسجد الذي لا إمام راتب فيه كما يكون في الطرق ، هذا جائز أن تعاد فيه الجماعة .

ثانيا : الجماعة التي يتكرر مجيئها بأعيانها بعد صلاة الناس  الصلاة الأولى ، هذا محرم .

ثالثا : الصلاة الطارئة التي تؤدى  بعد صلاة الناس في المسجد ، هذا فيه خلاف لهذا الحديث .

باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في جماعة

حديث رقم – 221-

( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة )

من الفوائد :

بيان فضل صلاتي العشاء والفجر ، ويتضح فضلها بأدائها جماعة ، فإذا تخلف عنها جماعة فيفوته هذا الأجر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا )

ومن الفوائد :

أنه ثبت عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ) فكأنه في ظاهره يتعارض مع ما ذكر ، لكن رواية مسلم يزاد عليها ما جاء هنا من أنه يكتب له قيام ليلة إذا أدى صلاة العشاء والفجر جماعة ، فلو أدى صلاة الفجر جماعة فإنه لا يحصل له بمفردها هذا الفضل بل لا بد أن يضيف إليها صلاة العشاء .

ومن الفوائد :

بيان فضل الله عز وجل على خلقه ، إذ بهذا العمل القليل يحصل الإنسان على هذا الأجر الكبير ، تصور لو أن إنسانا صلى من بعد غروب الشمس إلى نصف الليل وتطوع وتنفل كم يكون له من الأجر ؟ أو صلى من بعد غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر الثاني كم يكون له من الأجر ؟ أجر كبير ، يمكن ن يظفر على هذا الأجر في الصورة الأولى بأدائه لصلاة العشاء جماعة ، وعلى الصورة الثانية بأدائه لصلاة العشاء مع الفجر جماعة .

ومن الفوائد :

أن التمثيل بالشيء لا يدل على جواز هذا الشيء فذكر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ( أن من صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل ، فلا يعني أن قيام الليل كله يكون جائزا ، فقيام الليل كله منهي عنه ، وإنما من باب أن هذا الأجر يظفر به من أدى هذه الصلوات ، وقول عائشة رضي الله عنها ( كان يحي ليله كله ) إحياء الليل ليس بالصلاة فقط ، بالذكر والسحور ، لكن صلاة الليل قياما في جميع ساعات الليل هذا منهي عنه ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص .

حديث رقم -222-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود بن أبي هند عن الحسن عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ” من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفروا الله في ذمته ” )

من الفوائد :

بيان فضل صلاة الفجر وأن من صلاها فهو في ذمة الله عز وجل أي في حفظه ورعايته ، وحفظ الله شامل لما في الدنيا ولما في الآخرة ، ولذا رهَّب النبي صلى الله عليه وسلم من أن يعتدى على شخص في هذه الدنيا وقد صلى صلاة الفجر ، لأنه إذا تعدى عليه فقد نقض عهد الله الذي جعله أمانا لهذا الرجل .

حديث رقم -223-

( صحيح ) حدثنا عباس العنبري حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان العنبري عن إسماعيل الكحال عن عبد الله بن أوس الخزاعي عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )

من الفوائد :

أن الجزاء من جنس العمل ، فإن هؤلاء الذين أكثروا من المشي إلى المساجد في هذه الظلم يكافئون بنور يوم القيامة يستنيرون به من ظلمات يوم القيامة ، وهذا مذكور في سورة الحديد { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }الحديد12، بينما لما ذكر المنافقين الذين يتخلفون عن الصلوات التي فيها أوقات الظلمة قال {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً }الحديد13.

ومن الفوائد :

أن المشي هنا جاء على صيغة مبالغة ( مشَّاء ) على وزن فعَّال ، فدل على أن هؤلاء كانوا مستمرين على حضور هذه الصلوات التي تكون في الظلم .

ومن الفوائد :

بيان فضل صلاة العشاء والفجر والتروايح والكسوف إذا وقع بالليل ، فإن هذا داخل ضمن هذا الحديث لأنهم يمشون في هذه الأوقات المظلمة إلى المساجد .

باب ما جاء في فضل الصف الأول

حديث رقم – 224

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )

من الفوائد :

بيان فضل الصفوف الأول بالنسبة إلى الرجال ، وبالنسبة أيضا إلى النساء إذا كن في معزلٍ عن الرجال كأن يكن في مصلى منعزل – كما ذكر ذلك النووي رحمه الله – لأن المقصود من تحريض النساء على مؤخرة الصفوف ألا يقتربن من الرجال ، وتحريض الرجال على الصفوف الأول من أجل القرب من الإمام والبعد عن النساء .

ومن الفوائد :

أن الخيرية تكون في كمال الثواب ، والشر يكون في نقص الثواب ، فإن من صلى من الرجال في الصفوف المتأخرة يصدق على صفه أنه شر باعتبار أنه ناقص للثواب ، وكذلك بالنسبة إلى حال المرأة إذا تقدمت في الصفوف الأول .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله وسلم لم يتعرض للصلاة ببطلان ، ولذلك لو أن صف النساء تقدم على صف الرجال وهذا يجري كثيرا في الحرم ، قد يكون هناك صفوف للرجال وفي مقدمة هذه الصفوف صف للنساء ، وهذا كثير ، فإن الصلاة لا تبطل ، لكن قضية التأثيم من عدمها ، فهذا أمر آخر ، فعلى المرأة أن تبحث عن مكان تكون فيه بعيدة عن الرجال ، فلا تتقدم على الرجال ولا تصافف الرجال وإنما يكون صفها في المؤخرة .

خلافا لما ذهب إليه بعض العلماء من أنها لو صفت مع الرجل فإن صلاتها باطلة ، لكن يقال النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للصلاة ببطلان .

حديث رقم -225-

( صحيح ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :   لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )

حديث رقم -226-

وحدثنا قتيبة عن مالك :   نحوه 

من الفوائد :

بيان فضل الصف الأول والنداء يعني الأذان ، إلى درجة أنه ينبغي لو وقع للإنسان مع أخيه المسلم مصادفة في وقت يؤذن فيه فتشاحا يعني اختلفا ، كان ينبغي لهما أن يقترعا لفضل هذا العمل ،وكذلك لو أنهما قدما إلى المسجد فوجدا فرجة في الصف الأول لا تسع إلا لواحد ، كان من الأولى بهما أن يقترعا إذا أتيا جميعا لينالا ثواب هذا المكان .

ومن الفوائد :

أن القرعة جائزة في الشرع بدلالة هذا الحديث ، لأن الاستهام هو الاقتراع .

ومن الفوائد  :

أنه ذكَّر الضمير قال ( لاستهموا عليه ) فإلى أيهما يعود إلى النداء أم إلى الصف الأول ؟

ذكَّر الضمير باعتبار أنه يعود على ما ذُكر ( عليه ) يعني على ما ذكر فيشمل الأذان والصف الأول ، وهناك رواية أتت ( لاستهموا عليهما )

ومن الفوائد :

بيان فضل الأذان على الإمامة ، وقد سبقت هذه المسألة وتوضيحها .

باب ما جاء في إقامة الصفوف

حديث رقم -227-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا فخرج يوما فرأى رجلا خارجا صدره عن القوم فقال لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )

من الفوائد :

أن تسوية الصف واجبة بحيث لا يتقدم أحد على أحد خلافا لما ذهبت إليه الحنابلة في المشهور عنهم من أن هذا مستحب وليس بواجب ، والصواب أنه واجب وأن من خالف فقد وقع في الإثم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر وعيدا هنا .

ومن الفوائد :

بيان حرص الإسلام على الاتحاد ولم الشمل واجتماع الكلمة واجتماع حال المسلمين ، فإن هذه الصلاة وهي صلاة الجماعة من اسمها ما شرعت إلا لاجتماع المسلمين على الخير ، فكان مما لا يجوز لهم أن يتفرقوا حتى في الصورة فلا يكن أحدهم متقدما على أخيه بل يكونوا صفا واحدا ، وهذا يدل على فضل صلاة الجماعة وأنها بريد وسبب لاجتماع كلمة المسلمين إذ إن المصلين لا يتقدمون على إمامهم وإنما يركعون في وقت واحد بعد إمامهم ويرفعون في وقت واحد بعد إمامهم ، صفوفهم صفوف متساوية ، فكل هذا يدل على أن الإسلام كان حريصا على جمع الكلمة مهما أمكن .

ومن الفوائد :

أن المخالفة في الوجوه هنا قيل هو المسخ بأن يمسخ من خالف في هذا ، فهو قد عرض نفسه للعقاب العاجل في هذه الدنيا ، بأن يمسخه الله سبحانه وتعالى مسخا غير محمود ، قد يكون من بين هذا المسخ أن يجعل الله سبحانه وتعالى قفاه في المقدمة ومقدمته في مؤخرته .

وقال بعض العلماء إن المخالفة هنا ليست مخالفة حسية وإنما مخالفة في وجهات النظر ومخالفة في القلوب ، للرواية الأخرى ( أو ليخالفن الله بين قلوبكم )

ومن الفوائد :

أن الاختلاف في الظاهر يودي بالمسلين إلى أن يختلفوا في الباطن ، فإنهم لما لم يسووا صفوفهم ولم يتفقوا في تسوية الصف عوقبوا بأن يتعدى هذا الاختلاف إلى قلوبهم ، وإذا اختلفت القلوب فلا خير ولا فلاح ولا نجاح للأمة .

باب ما جاء ” ليليني منكم أولو الأحلام والنهى “

حديث رقم -228-

( صحيح ) حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق )

من الفوائد :

بيان فضل قرب المأموم من الإمام ، ومن ثم فإنه ينبغي للمسلم أن يحرص على هذا ولاسيما أولو الأحلام والنهى .

ومن الفوائد :

( أولو الأحلام والنهى ) قيل هم أصحاب العقول ، فيكون هذا العطف من باب عطف الشيء على نفسه ، فأولو الأحلام هم  أولو النهى ، عطف الشيء على نفسه من باب التأكيد على فضل هؤلاء وأن هؤلاء ينبغي لهم ألا يكونوا كغيرهم من المتأخرين بل يكونوا من السباقين ، وإلا فما فائدة هذا العقل وهذا العلم الذي أعطيته ، ولذلك ينبغي على طلاب العلم أن يكونوا من أحرص الناس على الحضور مبكرا ، لأن الله سبحانه وتعالى فضلكم بهذا العلم وبهذا الخير .

وقال بعض العلماء : ليس المقصود هنا عطف الشيء على نفسه ، بل هو عطف متغاير فـ ( أولو الأحلام ) هم البالغون ( والنهى ) هم العقلاء .

ولا بأس بهذا  ، ولكن ما بعده يمكن أنه يناقضه ، قال ( ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )

ولا شك أن العطف حينما يكون متغايرا يكون هو الأصل ، ويكون هناك فائدة أخرى ، ومن ثم فإن هذا الرأي وهو أن ( أولي الأحلام ) هم البالغون ( والنهى ) هم العقلاء ، أن على البالغين أن يحرصوا على التقدم .

( ثم الذين يلونهم ) أي الذين أقل منهم في السن ، بالنسبة إلى أولي الأحلام ، فكأن فيه إشارة إلى أن التقدم يكون للكبار ثم في الصفوف التي تليها يكون للمراهقين ، لأن المراهق في  اللغة ليس كما هو في تصنيفنا ، المراهق في اللغة هو ” من قارب على البلوغ “

( ثم الذين يلونهم ) أي من أقل منهم سنا وهم الصغار ، فأن في ذلك ترتيبا لمواقف الناس في الصفوف من حيث السن .

ومن الفوائد :

أن اختلاف الصورة سبب في اختلاف القلوب ، ومن ثم فإن الإنسان لو اختلف مع أخيه المسلم في قضية دنيوية أو قضية دينية ، فينظر إلى هذا الاختلاف إن كان يراد منه الوصول الحق فهو اختلاف محمود ، لكن إن كان هذا الاختلاف في وجهات النظر سيفسد المحبة والود بينه وبين أخيه ، فإنه اختلاف مذموم وعلى الإنسان أن يحرص مهما استطاع على جمع الكلمة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من ( هيشات الأسواق ) يعني رفع الصوت فيها ، ومعلوم أن الأسواق ترتفع فيها الأصوات ويكثر فيها اللغو واللغط ، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا  .

لكن لماذا أتى بهذه الجملة ضمن هذا الحديث ؟

قال بعض العلماء : إن على المسلمين أن يمتثلوا بهذا الحديث فيتقدم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، هذا ترتيب ، بخلاف ما يكون في الأسواق ، فإن في الأسواق يختلط الكبير بالصغير ، وأصحاب العقل بمن دونهم .

وقال بعض العلماء : إن في هذا تحذيرا للمسلم من الإنكباب على الدنيا في الأسواق فلربما أفضت به هذه الأسواق إلى أن يتخلف عن هذا الأمر وهو التقدم ، لأنه إذا اشتغل في الأسواق ربما يشتغل عن التقدم إلى هذه الأماكن الفاضلة التي تلي الإمام .

 

باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري

حديث رقم -229-

( صحيح ) حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن يحيى بن هانئ بن عروة المرادي عن عبد الحميد بن محمود قال :   صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين فلما صلينا قال أنس بن مالك كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

أن ( السواري ) المراد منها الأعمدة ، فهذه الأعمدة إذا كان بينها صفوف فينهى المسلم أن يصطف فيها ، لم ؟

لأن هذه السارية تقطع الصلاة ، بعض العلماء حددها بمقدار معين ، ولكن الصواب أنها لا تحدد بل إن الصلاة بين هذه السواري منهي عنها ، لكن قد تكون الصلاة بين السواري جائزة فيما لو ازدحم المكان وسيصلي الناس خارج المسجد ، فإن صلاتهم داخل المسجد بين هذه السواري أفضل من صلاتهم خارج المسجد ، وهذا يؤكد على أفضلية التحام صفوف المسلمين في الصلاة وألا تكون هناك فرج بينهم ، فإن الشيطان يتخلل ويتسلل من خلالها كما سيأتي معنا إن شاء الله .

 

باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده

حديث رقم -230-

( صحيح )  حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن حصين عن هلال بن يساف قال :   أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي علي شيخ يقال له وابصة بن معبد من بني أسد فقال زياد حدثني هذا الشيخ أن رجلا صلى خلف الصف وحده والشيخ يسمع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة )

حديث رقم – 231-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد :   أن رجلا صلى خلف الصف وحده فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة )

من الفوائد :

أن بعض العلماء أخذ منه أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة ، فلو صلى خلف الصف سواء كان هذا الصف الذي أمامه مكتملا أو لم يكن – لم يفرقوا في ذلك – فلو صلى خلف هذا الصف ولم يأت أحد ليزيل فذيته قبل أن يرفع الإمام من الركوع ، فإن صلاته باطلة وعليه أن يستأنفها من جديد ، إذاً ماذا يصنع ؟

قالوا ينتظر حتى يأتي شخص آخر فيصطف معه ، إن لم يأت أحد ؟

قالوا ينتظر ولو انتهت الصلاة ثم يصلي وحده ، أو يصلي مع جماعة إن أدرك جماعة أخرى .

وذهب بعض العلماء إلى جواز الصلاة خلف الصف منفردا سواء كان الصف مكتملا أو لم يكن ، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم (  صلى خلفه أنس واليتيم ، والعجوز من ورائهم ) فما ثبت في حق النساء يثبت في حق الرجال ، فإذا كانت المرأة يجوز لها أن تصلي منفردة خلف الصف فكذلك الرجل ، وضعفوا هذا الحديث .

وذهب آخرون – وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله – وهو الأقرب – أنه إذا لم يجد مكانا في الصف الأول ولم يتيسر له فإنه يصلي منفردا حتى لا يفوته فضل الجماعة كما فاته فضل المكان ، لأننا لو قلنا انتظر ربما يفوته فضل صلاة الجماعة ، إضافة إلى ما فاته من فضل المكان الذي هو الصف المتقدم .

ويستدلون بحديث المرأة العجوز التي صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم منفردة فإنها ما صلت منفردة إلا للعذر الشرعي ، لأن العذر الشرعي يمنعها أن تصطف مع الرجال ، فكذلك هنا ، فما الفرق ؟

لكن لو كان هناك مكان أو فرجة يمكن أن يقف فيها فصلى فإن صلاته باطلة ، ولعلها تأتي إن شاء الله أحاديث نربط هذه المسألة بها .

وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا الحديث من أن أمره عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل إما لكونه متهاونا ، فلربما تكون هناك فرجة أو مكان فأمره بإعادة الصلاة ، أو لأنه أعاد الصلاة لأمر آخر ، فيقولون إنها قضية عين .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على الاجتماع ، فكون الإنسان يأتي ويصلي منفردا خلف الصف مع وجود فرجة أو مكان هذا يحدث في الأمة خللا وفرقة وينافي مقتضى هذه الصلاة التي ما دعا إليها الشرع إلا لكونها تجمع ولا تفرق .

باب ما جاء في الرجل يصلي معه رجل

حديث رقم -232-

( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن كريب مولى بن عباس عن بن عباس قال :   صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه )

من الفوائد :

أن من قال بأن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة سواء كانت هناك فرجة أو لم يكن ، استدل بهذا الحديث ، قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ابن عباس رضي الله عنهما خلفه لما أداره من اليسار إلى اليمين .

ولكن يجاب عن هذا : بأن ابن عباس رضي الله عنهما لم يفته الركوع مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن هذا مرور عابر لفعل ما هو أكمل في الصلاة .

ومن الفوائد :

أن فقهاء الحنابلة قالوا من هذا الفعل يتبين لنا أن من صلى عن يسار الإمام مع خلو اليمين فإن صلاته باطلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أقر ابن عباس رضي الله عنه .

وأما جمهور العلماء فيقولون :” إن الصلاة صحيحة حتى لو صلى عن يساره مع خلو يمنيه ، لكنه ترك الأفضل والأكمل ، وأما الصلاة فصحيحة ، لم ؟

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لابن عباس استأنف من جديد ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر ابن عباس رضي الله عنهما على فعله الأول ، لأن ابن عباس رضي الله عنهما لما كبر تكبيرة الإحرام أين كان موقعه ؟ عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما لم يبطل أول الصلاة لا يبطل آخرها

ومن الفوائد :

أن تغيير المصلي نيته من إنفراد إلى إمامة أو من ائتمام إلى إمامة ، فلا بأس بذلك ، ولا يتناقض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) لا يتناقض فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما بدأ الصلاة بدأ وفي نيته أنه منفرد ثم لما دخل معه ابن عباس رضي الله عنهما تحولت نيته من الانفراد إلى الإمامة .

ومن الفوائد :

أن إقامة صلاة الليل جماعة في بعض الأحيان لا بأس بذلك ، لأن الاثنين جماعة .

ومن الفوائد :

أن الأفضل في تربية النشء أن يكون بالفعل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جرى من ابن عباس رضي الله عنهما ما جرى نقله وغير حاله ، فقد ترى إنسانا طفلا عليه بعض الأخطاء في الصلاة وأنت لست في صلاة يمكن أن تغير من هيئته أو من حالته فتنطبع هذه الحالة في نفسه ، فقد ترى طفلا مثلا وضع يده اليسرى على اليمنى على صدره ، فلو حولته وجعلت اليمنى على اليسرى أصبحت هذه الملحوظ وهذا التوجيه معه طيلة حياته .

ومن الفوائد :

أن تحمل الحديث لا يشترط فيه البلوغ ، إنما يشترط البلوغ في الأداء ، لأن ابن عباس رضي الله عنهما تحمل هذا الحديث وهو صغير ، لكنه لما بلغ بلغه وهو كبير ، وعند أهل الحديث في المصطلح ” أن الصغير المميز يجوز أن يتحمل الحديث لكن لو بلغه في الصغر ما يقبل ، متى يقبل منه ؟ إذا كبر ، ففرق بين الأداء الذي هو التبليغ وفرق بين التحمل .

ومن الفوائد:

أن الاثنين يكونان في مستوى واحد في الصف ،ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في إحدى الروايات ( فأوقفني حذاءه ) يعني محاذيا له ، وما ذهب إليه بعض العلماء من أن المأموم يتأخر قليلا حتى يتقدم الإمام بعض الخطوات هذا لا دليل عليه.

سؤال : لو زالت فذيته بعد الرفع من الركوع ؟

الجواب : إذا لم يأت أحد وقد رفع الإمام من الركوع فالصلاة باطلة ، حتى لو أتى شخص آخر بعد الركوع .

 

سؤال : ما حكم الحركة في الصلاة ؟

الجواب : الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام :

أولا “ واجبة ” كأن تخبر بأن القبلة عن يسارك ، فيجب عليك في مثل هذه الحال أن تتحرك ؟

ثانيا : ” مندوبة ” وهي الحركة مثلا إلى أن تكمل الصف الذي فيه فرجة ، أو كحركة النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس رضي الله عنهما لما أداره .

ثالثا “ محرمة ” وهي الحركة الكثيرة المتتابعة من غير ضرورة .

رابعا “ جائزة ” إذا كانت حركة يسيرة لا تؤثر شيئا .

خامسا ” مكروهة ” وهي ما عدا ذلك، ولذلك فيما لو كانت هناك حركة فيها شيء من الكثرة لكنها غير متتابعة .

وما ذكر عن بعض العلماء من أن الحركة إذا كانت أكثر من ثلاث حركات مبطلة للصلاة ، ليس  عليه دليل ، لأن حركة ابن عباس رضي الله عنهما أكثر من ثلاث ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامة بنت زينب في الصلاة ، وكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها ، وهذه أكثر من ثلاث حركات ، لكن قد تكون الحركة كثيرة متتابعة لوجود ضرورة ، فلا تبطل بها الصلاة ، قال تعالى { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }البقرة239  ، كأن يكون الإنسان في حالة حرب وحصلت الصلاة تكون هناك حركة كثيرة متتابعة ، فهذه لا تبطل بها الصلاة  ، ولذلك قيدها العلماء أن تكون الحركة ” كثيرة متتابعة من غير ضرورة “