بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود
حديث رقم – 261-
( ضعيف ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا عيسى بن يونس عن بن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه )
من الفوائد :
هذا الحديث اختلف العلماء في ثبوته ، فمن مضعف ومن مصحح ، ولذا يذهب شيخ الإسلام رحمه الله كما هو ظاهر رأيه أن هذا الحديث له طرق متعددة يتقوى بها ، ومن ثم فإن هذا القول منه يجعلنا نستخرج بعض الفوائد من هذا الحديث بناء على ما ذهب إليه رحمه الله من تقوية هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن الصلاة ليس فيها سكوت ، ولذا لو أن الإنسان سكت في صلاته وأطال السكوت من غير عذر فقد بطلت صلاته ، أما إذا كان قليلا أو كان لعذر فإن صلاته صحيحة .
ومن الفوائد :
أن ذكر الركوع هو قول ( سبحان ربي العظيم ) كما أن ذكر السجود هو ذكر ( سبحان ربي الأعلى ) ومناسبة ذكر قول ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع لأن هذه الهيئة وهي هيئة الركوع هي هيئة تعظيم لله سبحانه وتعالى ، ولذا جاء في صحيح مسلم ( وأما الركوع فعظموا فيه الرب )
وأما ذكر السجود وهو قول ( سبحان ربي الأعلى ) لأن السجود حالة ذل وانكسار وانطراح ، وهذه لا تليق إلا بالعبد ، فنُزه الله سبحانه وتعالى عنها .
ومن الفوائد :
أن ظاهره يدل على أن من أنقص دون الثلاث من التسبيحات فإن ركوعه غير صحيح ، وهذه المسألة مسألة خلافية ، هل قول ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع وقول ( سبحان ربي الأعلى ) في السجود ، هل هي سنة أم واجب ؟
قولان لأهل العلم ، فبعضهم يرى أن هذا الذكر سنة لو تركه لا شيء عليه ، بناء على أن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة
بينما يرى آخرون – وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد – أن قول ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع وقول ( سبحان ربي الأعلى ) في السجود واجب ، فمن تركه متعمدا بطلت صلاته ، ومن تركه نسيانا يلزمه أن يجبره بسجود السهو ، ومن ثم فإن الثلاث هي أدنى الكمال ، فالواجب مرة واحدة وأدنى الكمال ثلاث ، وأكثره مختلف فيه ، هل هو خمس تسبيحات أو عشر تسبيحات أو أنه لا حد له وإنما يبنى على مقدار قيامه ، فبمقدار ما مكث في القيام يمكث في الركوع دون تحديد عدد ؟
هذه أقوال ، والصواب أنه لا يحدد بعدد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء ( كان قيامه فركوعه فاعتداله فسجوده فجلسته بين السجدتين فجلوسه قبل التسليم قريبا من السواء ) فكان يقوم طويلا ، إذاً يلزم من ذلك أن يكون الركوع طويلا ، وإذا طال وقت الركوع كثر التسبيح ، وهذا هو الصواب ، أما ما عدا ذلك فهناك آثار ضعيفة وبعضها لا دليل عليها ، ولعلها تأتي معنا ونشير إليها .
حديث رقم – 262-
( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة عن الأعمش قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة : أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ )
حديث رقم – 263-
( صحيح ) قال وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة : نحوه وقد روي عن حذيفة هذا الحديث من غير هذا الوجه أنه صلى بالليل مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث .
من الفوائد :
أن قول ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع ، وقول ( سبحان ربي الأعلى ) في السجود ، أمر مشروع فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولعله يؤكد ما ذهب إليه الإمام أحمد من وجوب قول هذا الذكر مع ما ورد من أدلة أخرى في هذا المقام ، بينما العلماء الآخرون يقولون هذا فعل منه عليه الصلاة والسلام ولا يلزم من ذلك أن يكون واجبا فهو سنة ، ولكن الصواب أنه واجب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله ومعلوم أن السكوت في الأركان لا يشرع ، ولذلك اقتصر عليه في بعض صلواته ، فاقتصاره عليه مع وجوب عدم السكوت في الركن يدل على وجوبه .
ومن الفوائد :
أنه ينبغي للمصلي إذا كان متنفلا في صلاة نهار أو في صلاة ليل ومر بآية فيها سؤال أن يسأل الله عز وجل أو مر بآية فيها عذاب أن يستعيذ بالله ، لأن هذه الوقفات تعطي العبد خشوعا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى ، بينما لو أسرع في القراءة وهذَّها هذَّاً لم يحصل لقلبه انتفاع ، فاللسان آلة يتوصل بها إلى نفع القلب أو إلى أذية القلب ، فإن تكلم بخير وتأمل معناه انتفع القلب وإن تكلم بشر انعكس ذلك على القلب ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ( إن الأعضاء إذا أصبحن تكفر اللسان تقول له اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ) لم ؟ لأن اللسان له ارتباط بالقلب ، قد يقول قال إن القلب هو الملك ، لكن هذا القلب له ارتباط باللسان ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله إن اللسان مغراف ما في القلب .
باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود
حديث رقم – 264-
( صحيح ) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع )
من الفوائد :
أن هذه الألبسة المذكورة محرمة على الرجال دون النساء ، فإن القَسِّي هي ثياب منسوبة لقرية في مصر تسمى ” القسِّي ” إذاً هذه اللباس المنسوجة بالحرير منسوبة إلى قرية على أحد سواحل مصر .
ومن الفوائد :
أن المعصفر وهي الثوب الذي صبغ بالمعصفر لا يجوز في حق الرجال ، وتأتي إن شاء الله أدلة توضح ذلك .
وكذلك يحرم لبس الذهب على الرجال إلا إذا كانت هناك ضرورة فإن كانت هناك ضرورة لا محال من لبس الذهب فلا بأس بذلك ، لأن الضرورة تبيح المحرم كما هي القاعدة الشرعية .
ومن الفوائد :
أن قراءة القرآن في الركوع أو في السجود محرم ، ولكن هل يبطل الصلاة أم لا ؟
فعل المحرم في الصلاة عمدا يبطلها ، فلو أن إنسانا قرأ عمدا في ركوعه أو في سجوده شيئا من القرآن أتبطل صلاته ؟ الجمهور على أنها لا تبطل ، وأما الظاهرية فيقولون إنها تبطل باعتبار أنه أتى بشيء محرم في الصلاة ، كأنه تكلم أو كأنه أكل أو شرب .
ولكن الصواب هو رأي الجمهور ، مع الاتفاق أنه آثم ، لكن الصواب قول الجمهور ،لم ؟ لأن القراءة ليست مما نهي عنها في الصلاة مطلقا فإن القراءة في الصلاة مطلوب فعلها ، بل لو لم يقرأ سورة الفاتحة أو ما تيسر من القرآن على قول بعض العلماء فإن صلاته غير صحيحة ، فإذاً قراءة القرآن تختلف عن الأكل والشرب ، لأن الأكل والشرب منهي عنه في جميع أحوال الصلاة ، بينما قراءة القرآن منهي عنها في حال الركوع والسجود ، إذاً هو آثم ولكن صلاته صحيحة .
ولو قال قائل : لماذا نهي عن قراءة القرآن في الركوع وفي السجود ؟
يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” لأن حالتي الركوع والسجود حالتا ذل ،وهاتان الحالتان لا تتناسبان مع قراءة القرآن العظيم ، فمن باب تعظيم القرآن ألا يقرأ في هاتين الحالتين اللتين هما حالتا ذل وانكسار .
ومن الفوائد :
أن النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود يدل على أنه لابد أن تكون قراءة في هاتين الحالتين ، إذاً مما لابد منه ما ورد معنا آنفا وهو قول ( سبحان ربي العظيم في الركوع ) وقول ( سبحان ربي الأعلى في السجود )
باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود
حديث رقم – 265-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل يعني صلبه في الركوع والسجود )
من الفوائد :
أن فيه دليلا للجمهور الذين قالوا بأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة في جميع الأركان ، وإنما نص على الركوع والسجود لفضلهما ، وإلا فجميع الأركان يجب أن يؤتى بالطمأنينة فيها ، خلافا للحنفية الذين يقولون إن مجرد الانحناء يسمى ركوعا ومجرد وضع الجبهة على الأرض يسمى سجودا ولا يلزم أن يطمئن ، ولذا نرى بعض الوافدين في بعض الأركان ، من حين ما يرفع من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده يسجد مباشرة ، وكذلك في السجود – وهذا خطأ – ولذلك نص على عبارة ( لا تجزئ ) مما يدل على أن الصلاة إذا خلت من الطمأنينة فإن الصلاة غير صحيحة ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته ” خلّاد بن رافع رضي الله عنه لما كان يسرع في صلاته قال ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) ثم بين له ما يجب عليه ، من بين ما قال ( ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تطمئن قائما ) إلى أن قال ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ، دل على أن الطمأنينة واجبة في جميع الأركان .
ولو قال قائل : ما مقدار الطمأنينة ؟
قال بعض العلماء : هو السكون وإن قلّ ، بمجرد أن يسكن ثم يرفع يكفي .
وقال بعض العلماء : بمقدار ما يقول سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة وبمقدار ما يقول سبحان ربي الأعلى في السجود مرة ، لأنه إذا قال هذا القول رجع كل عضو إلى موضعه .
إذاً الطمأنينة هي أن يعود كل عضو إلى موضعه ، وتحصل بالإتيان بأقل الذكر الواجب وهو مرة واحدة .
باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع
حديث رقم – 266-
( صحيح ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون حدثني عمي عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملءَ السماوات وملءَ الأرض وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيء بعد )
من الفوائد :
أن قول ( سمع الله لمن حمده ) يجب عند بعض العلماء أن يتوافق مع الرفع ، فمن حين ما يرفع يقول ( سمع الله لمن حمده ) وقولهم هذا له وجه قوي ولاسيما الإمام ، فإن الإمام لو أخر قول ( سمع الله لمن حمده ) حتى اعتدل قائما ربما ظن المسبوق أن إمامه لا زال في الركوع وهو في الحقيقة قد فاتته الركعة – وهذا خطأ – فيمكن أن يتوجه الوجوب في حق الإمام .
ومن الفوائد :
أن معنى قول ( سمع الله لمن حمده ) أي أجاب الله من حمده ومن الفوائد :
أن الإمام والمنفرد يقول مع ( سمع الله لمن حمده ) يقول ( ربنا ولك الحمد إلى آخر ما ذكر ، خلافا لمن قال إن الإمام يقتصر على قول ( سمع الله لمن حمده )
ومن الفوائد :
أن معنى ( ربنا ولك الحمد ) أي ربنا استجب لنا ولك الحمد ، فتكون الواو عاطفة .
وقال بعض العلماء : إنها زائدة ، لورود رواية ( ربنا لك الحمد)
وقال بعض العلماء : هي واو حالية ، أي ربنا استجب لنا حالة كون الحمد لك .
والصواب أنها ليست زائدة ، لأن هذه رواية وتلك رواية ، ولأن الأصل عدم الزيادة .
ومن الفوائد :
أن فيه تعظيما لله سبحانه وتعالى إذ لو كان الحمد أجساما لملأ السموات والأرض وما بينهما وملأ ما يشاء من عرش وكرسي ونحو ذلك .
وقال بعض العلماء : فيه دليل على كثرة الأجر .
ومن الفوائد :
أنه يصح لك أن تقول ( ملءُ ) بالرفع بناء على أنه صفة الحمد ، ويصح أن تقول ( ملءَ ) منصوبا على الحال أي حالة كون هذا الحمد ملء السموات والأرض .
وهل يقول المأموم سمع الله لمن حمده أو لا ؟
سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في بعض الأحاديث ونبين ذلك .