تعليقات على سنن الترمذي ( 27 ) من حديث ( 314-316 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 27 ) من حديث ( 314-316 )

مشاهدات: 824

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس السابع والعشرون

من حديث 314-316

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما يقول عند دخول المسجد

حديث رقم – 314-

( صحيح : دون جملة المغفرة ) حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك )

 

 

حديث رقم -315-

( صحيح ) وقال علي بن حجر قال إسماعيل بن إبراهيم فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة فسألته عن هذا الحديث فحدثني به قال :   كان إذا دخل قال رب افتح لي باب رحمتك وإذا خرج قال رب افتح لي باب فضلك )

من الفوائد :

أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق عليها بأنها فاطمة الكبرى ، باعتبار ما لها من الذرية والأحفاد ، وإلا فقد ماتت رضي الله عنها وعمرها لا يزيد على عشرين سنة ، توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر

ومن الفوائد :

أن العشيرة قد يكون فيها أفراد أسماؤهم واحدة ، فلا مانع من أن يحدد كل شخص بوصف ، فلما كثرت الفواطم قيل في حق فاطمة ( الكبرى )

وهذا مما يقع فإنهم يسمون مثلا شخصا وهو صغير بعبد الله الصغير ، بعبد الله الأوسط ، بعبد الله الأكبر ، إذا كان في بيت واحد ، فهذا له مستند من فعل السلف رضي الله عنهم .

ومن الفوائد :

أن من آداب دخول المسجد أن يقول هذا الذكر ، ومن آداب خروجه أن يقول الذكر المذكور في هذا الحديث ، والمتأمل في الذكرين قبل الدخول أو قبل الخروج يجد أن هناك اختلافا في أن الدخول تسأل فيه الرحمة والخروج يسأل فيه الفضل ، ولعل التفريق من أجل أن العبد إذا دخل المسجد يراد منه أن يستحضر ثواب الدار الآخرة ، فناسب أن يسأل الرحمة ، واما أثناء الخروج فإنه سيخرج من المسجد إلى معاشه وتجارته ، فناسب أن يذكر الفضل ، كما قال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الجمعة10 ، فعلى المسلم أن يستحضر معاني هذه الأذكار ، والأذكار سواء كانت متعلقة بدخول المسجد أو بالخروج من المسجد أو بالأذكار الأخرى ، ينبغي أن يستحضر فيها المعنى حتى يعود النفع على القلب ، ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله إن الذكر له ثلاث درجات :

الدرجة الأولى : أن يتوافق القلب واللسان معا

الدرجة الثانية : أن يذكر الله بقلبه ، فتأمله وتمعنه في خلق الله عز وجل يورث قلبه خيرا .

الدرجة الثالثة : أن يذكر الله بلسان دون أن يستحضر معنى الذكر ، فإن له فضلا وثوابا ، لكن لا يكون فضله كفضل من توافق قلبه ولسانه على الذكر .

ومن الفوائد :

أنه قدم المغفرة على الرحمة ، وهذا ما يسميه العلماء بـ [ التخلية قبل التحلية ] فإن العبد إذا غفرت ذنوبه تخلى عنها ، وأصبح سليما منها ، فناسب أن يحلى بالرحمة ، ولذلك قدمت المغفرة والرحمة في الذكر بين السجدتين ( رب اغفر لي وارحمني) ولا أحسن ولا أجمل من أن يزال الضرر على الإنسان فإذا زال أتته النعم ، ولذلك لما أزال الله عز وجل الضر عن أيوب أعطاه الولد والمال {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }الأنبياء84 ، فهذا ما يسمى العلماء بـ [ التخلية قبل التحلية ] وهو حقيقة الفلاح ، لأن الفلاح زوال المكروه وحصول المطلوب ، فإذا زال ما لا يلائمك وأتاك ما يلائمك هذا هو الفلاح .

ومن الفوائد :

أن هذا الذكر في ترتيب جمله يتوافق مع ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ( إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم الصلاة على رسول الله ثم ليدع ) فهنا البسملة مقدمة وهي ثناء على الله ، ثم ثنى بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا .

ومن الفوائد :

الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو مأمور بأن يصلي على نفسه ؟

قال بعض العلماء : نعم ، مأمور بأن يصلي على نفسه كما أمر غيره بذلك ، لأنه صلوات ربي وسلامه عليه يشترك مع سائر الأمة في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالوا يجب عليه الإيمان بنفسه كما يجب على غيره الإيمان به .

ومن الفوائد :

أن فيه دليلا على  أن رحمة الله لها طرق وأبواب ، قال هنا ( أبواب رحمتك ) ورحمة الله تنقسم إلى قسمين بحسب الإضافة – كما قال ابن القيم رحمه الله – هناك رحمة مخلوقة من باب إضافة المخلوق إلى خالقه ، كما قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله خلق مائة رحمة ) الحديث .

النوع الثاني : الصفة التي لا يجوز تحريفها ، وهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، وعلى هذا التقسيم فإن ابن القيم رحمه الله يؤيد ذلك الدعاء ( اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك ) لأن بعض العلماء يرى عدم ذلك ، لم ؟

قالوا لأن رحمة الله ليست لها مستقر محدد ، لأن رحمة الله واسعة { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }الأعراف156 ، لكن على تقسيمه رحمه الله تكون هذه الجملة من الدعاء جائزة ، لأن المقصود من ( مستقر رحمتك ) الجنة ، ولا شك أن الجنة رحمة من الله بعباده، كما قال تعالى {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }آل عمران107

ومن الفوائد :

أن العلماء استحبوا للداخل إلى المسجد أن يقدم رجله اليمنى ، بينما إذا خرج يقدم رجله اليسرى ، لأن الدخول يختلف عن الخروج ، فالدخول من باب التكريم ، وما كان من باب التكريم فتقدم فيه اليمين ، وما سوى ذلك تقدم فيه اليسرى .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء احتمل أن يكون هذا الذكر بعد الدخول ، والصواب أنه قبل الدخول ، لأنه هناك إضمارا للفعل ( إذا دخل ) يعني إذا أراد الدخول ، كما قال تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98 .

باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين

حديث رقم -316-

( صحيح ) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )

من الفوائد :

هذا الحديث قد أخرجه الشيخان البخاري ومسلم .

ومن الفوائد :

أن المسجد له فضل وقدر ومن قدره أن يتأدب بأدب ، فكما أُمر بالذكر عند الدخول أُمر قبل الجلوس أن يصلي ركعتين .

ومن الفوائد :

أنه لابد من ركعتين ، فإذا صلى ركعة واحدة لا يكتفى بها ، لأن بعض العلماء يرى أن التطوع المطلق يمكن أن يحصل بركعة كالوتر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم ( الوتر ركعة من آخر الليل )

والصواب أن أقل ما يتطوع به ركعتان لهذا الحديث ، ولحديث سليك الغطفاني فإنه لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فجلس أمره صلى الله عليه وسلم أن يركع ركعتين وأن يتجوز فيهما ، فلو كانت الركعة كافية في التطوع المطلق لأمره بركعة ، فدل على أن الركعتين هما أقل التطوع المطلق .

ومن الفوائد :

أن الداخل لو صلى أي صلاة من ركعتين فأكثر أجزأت عن هاتين الركعتين ، فلو دخل والناس يصلون الفرض سقطت تحية المسجد ، لو دخول وصلى راتبة الظهر سقطت تحية المسجد ، لو دخل وعليه فائتة فصلاها كفت أيضا ، لو دخل ولم يصل الوتر ركعة فصلى الوتر الفائت بناء على ما ذكره بعض العلماء من أن الوتر يقضى على حاله ، أتجزئ الركعة ؟ الجواب : لا ، لم ؟

لأن المشترط هنا ركعتان .

ومن الفوائد :

أنه إذا جلس قبل أن يصلي ركعتين سقطت عنه فلا يقضيها ، كما قال بعض العلماء ، لم ؟ لأنها سنة فات محلها ، والصواب أنه إذا دخل فجلس وقرب الوقت فيصلي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر سليك الغطفاني لما جلس أمره أن يقوم وأن يصلي ركعتين ، فنقول السنة تفوت بفوات محلها مع طول الفاصل لا مع قصره .

ومن الفوائد :

أن الظاهرية يرون أن هاتين الركعتين واجبة ، وقد ذهب مذهبهم الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار، يرى أن تحية المسجد واجبة .

وأدلتهم هذا الحديث قال ( فليركع ) أمر، لأن الأمر عند أهل اللغة له أربع صيغ ، من بين صيغه [ أن يلحق الفعل المضارع لام الأمر ] قال هنا ( فليركع ) ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر سليك الغطفاني أن يقوم فيصلي ، مع أن الاستماع إلى خطبة الجمعة واجب ، فما أمره بهاتين الركعتين إلا لأنها واجبة ، لأن استماع المسلم إلى الخطبة واجب .

وذهب الجمهور إلى أن تحية المسجد سنة ، ومن أدلتهم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يدخلون المسجد ولا يصلون ، ورد هذا الدليل بأنهم كانوا يدخلونه ولكنهم ما كانوا يجلسون ، وفرق بين الدخول وبين الدخول مع الجلوس .

ولكن من أقوى أدلتهم ما جاء في السنن ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يخطب ورأى رجلا يتخطى رقاب الناس قال اجلس فقد آذيت ) أمره بالجلوس .

إذاً لو قال قائل : لماذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليك الغطفاني بأن يصليهما مع أن الاستماع إلى الخطبة واجب ؟

الجواب والعلم عند الله من أجل ألا يتهاون المسلم بالسنن ، فإنه مما ينبغي على الأمة أن تحرص على السنن ، لأن السنن بمثابة الحاجز الذي يمنع الإنسان من ترك الواجب .

ولذلك يقول بعض العلماء المباحات بوابة للمكروهات ، فمن أسرف في المباحات أوشك أن يقع في المكروهات ، والمكروهات بوابة للمحرمات ، فمن أسرف في المكروهات أوشك أن يقع في المحرمات ، ومن ترك السنن أوشك أن يقع في ترك الواجبات، لاسيما إذا كان الخير سهلا في الفعل ، فلا ينبغي أن يتهاون فيه .

والأقرب قول الجمهور، مع أن في دليلهم ما فيه ، يمكن أن يكون الرجل صلى في مكان خفي قبل أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم ، على كل حال الأصل براءة الذمة لاسيما وأن الجمهور يرون هذا الرأي ، بل عامة العلماء إلا أهل الظاهر ، وينبغي للإنسان ألا يدع ذلك ، وجاء حديث عند الطبراني إسناده صحيح مما يؤيد توجيهنا في قصة سليك الغطفاني لماذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأداء ركعتين مع أن الاستماع للخطبة واجب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين )

وهذا يوحي بما ذكرنا من التهاون في أداء السنن .

ومن الفوائد :

أن من أساليب البلاغيين [ أن يعبر عن الكل بالجزء ] فإن الركوع جزء من الصلاة وعبر به عن الصلاة ، لم يقل ( فليصل ركعتين ) قال ( فليركع ركعتين ) مع أنه ورد في رواية ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) فهذا من باب التنويع ويدل على أن ذكر الجزء في محل الكل يدل على أهمية هذا الجزء الذي هو الركوع .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء إن تحية المسجد تؤدى في وقت النهي ، لأنه أطلق ، أمر بالركعتين في أي وقت ، فهذا الحديث عام في أي وقت يدخل فيه الإنسان المسجد ، بينما الأحاديث الأخرى نهت عن الصلاة في أوقات النهي ، ومنها أدلة عامة منها ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) هذا عام قال ( لا صلاة )  فـ ( لا ) نافية و ( صلاة ) نكرة في سياق النفي فتعم أي صلاة ، فتعارض عمومان فأيهما يقدم عموم النهي أو عموم الأمر ؟

ما هو عموم الأمر ؟ الحديث الذي معنا ، وما هو عموم النهي ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) فهذا عام وهذا عام أيهما يقدم ؟

قال بعض العلماء : يقدم عموم الأمر ، فأباح ذوات الأسباب في أوقات النهي .

وبعض العلماء : أخذ بالنهي مطلقا ، فلا صلاة نافية في أوقات النهي .

وبعض العلماء : قال ما ورد فيه الدليل يؤخذ به ، وأما ما سوى ذلك من الصلاة التي لا سبب فلا تدخل ، فأجازوا الركعتين اللتين بعد الطواف .

وقال بعض العلماء : إن الأحاديث يمكن أن يجمع بينها ، فيقال لا صلاة في أوقات النهي لا تحية المسجد ولا غيرها في الأوقات المغلظ الصلاة فيها ، متى ؟ بعدما تطلع الشمس حتى ترتفع قيد رمح ، وحين يقوم قائم الظهيرة قبل الظهيرة ، وحين تبدأ الشمس في الغروب .

والصواب : أن صلاة التطوع لا يجوز أداؤها في الأوقات المنهي عنها إلا ما كان له سبب ، فكأننا نرى أن النص العام في الأمر مقدم على النص العام في النهي ، لماذا قدمنا عموم الأمر على عموم النهي مع أنهما عمومان ؟ والأبرء للذمة والاحتياط أن يقدم عموم النهي ؟

نقول هناك قاعدة في الأصول [ أن النص العام الذي لم يخصص بعض أفراده أولى من النص العام الذي خصص بعض أفراده ]

فنجد أن عموم النهي خصص منه أشياء من بينها :

الصلاة الفائتة ، الركعتان اللتان بعد الطواف ، قال صلى الله عليه وسلم ( يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه في أي ساعة شاء من ليل أو نهار )

وسنة الفجر إذا أدرك المأموم الإمام في الصلاة فيصليها بعد صلاة الفجر .

فقدم عموم الأمر على عموم النهي للقاعدة الأصولية [ أن النص العام الذي لم يخصص بعض أفراده أولى من النص العام الذي خصص بعض أفراده ]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .