تعليقات على سنن الترمذي ( 37 ) حديث ( 337 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 37 ) حديث ( 337 )

مشاهدات: 442

تعليقات على ( سنن الترمذي )

الدرس السابع والثلاثون

حديث  337

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المؤلف رحمه الله :

باب ما جاء لا يقطع الصلاة شيء

حديث رقم – 337 –

( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال :  كنت رديف الفضل على أتان فجئنا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى ، قال فنزلنا عنها فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم ” )

قال أبو عيسى : وفي الباب عن عائشة والفضل بن عباس وبن عمر قال أبو عيسى وحديث بن عباس حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا لا يقطع الصلاة شيء وبه يقول سفيان الثوري والشافعي  .

من الفوائد :

فقد بوَّب الترمذي رحمه الله فقال ( باب لا يقطع الصلاة شيء ) هذا التبويب هو حديث ورد مرفوعا أن النبي صلى الله علي وسلم قال ( لا يقطع الصلاة شيء ) لكنه من حيث السند ضعيف ، وجاءت فيه لفظة زائدة ( وادرءوا ما استطعتم )

ومن الفوائد :

أن الإرداف على الدابة جائز شريطة أن تتحمل وألا يصيبها أذى ، فإن كانت لا تتحمل فلا يجوز .

ومن الفوائد :

أن عبد الله بن عباس هو أخٌ للفضل ، والفضل بن العباس هو أكبر أولاد العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكلاهما ابنا عم النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن هذه الدابة هي ( الأتان ) وهي أنثى الحمار ، فتنطق ( أتان ) وحكى بعض أهل اللغة أنها تنطق ( أتانة ) فيصح الوجهان ، فالأتان أنثى الحمار .

ومن الفوائد :

بيان فضل صلاة الجماعة  ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يدعها لا في حضر ولا في سفر ، لأن هذا كان بمنى في موسم الحج ، فهذا يؤكد ويقرر فضيلة صلاة الجماعة وأنها واجبة ، ولذلك ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم حتى في حال الحرب .

ومن الفوائد :

أن هذه الأتان مرت بين يدي القوم ، وما قطعت صلاتهم ، ومنه أخذ الترمذي رحمه الله هذا التبويب فقال ( باب لا يقطع الصلاة شيء )

واستدلاله بهذا يصدق على الحمار ، وهذا الحديث يخالف ما سيأتي معنا من حديث بعد هذا وهو ( إذا صلى الرجل وليس بين يديه كآخرة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود والمرأة والحمار )

فيكون هذا الدليل مسعفا لتبويب الترمذي في الحمار ، أما ما عدا الحمار من المرأة والكلب الأسود فلا يدخل ، اللهم إلا أن بعض العلماء قاس الكلب الأسود والمرأة على الحمار ، فبما أن الحديث الآتي بين أن الصلاة تقطع من قبل المرأة والكلب الأسود والحمار فاستثني الحمار ، إذاً يقاس على الحمار المرأة  والكلب الأسود .

وبعض العلماء يرى أن الحمار خرج بهذا الحديث وأن المرأة خرجت بحديث منفصل وهو حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أنها أخبرت ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهي معترضة بين يديه ) ولذلك قالت رضي الله عنها مقولتها المشهورة ( شبهتمونا بالحمير والكلاب ) وذكرت الحديث من ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهي معترضة بين يديه )

وأما الكلب فيخرج بحديث الفضل إذ قال رضي الله عنه ( أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في فضاء وبين يديه كلبة وحمارة تعيثان بين يديه )

فيؤيد هذا الرأي أن عثمان رضي الله عنه وكذا علي قالا كما صح عنهما وصححه ابن حجر رحمه الله في الفتح أنهما قالا ( لا يقطع الصلاة شيء )

ويرى الإمام أحمد رحمه الله أن قطع الصلاة يكون من الكلب الأسود فقط ، أما المرأة والحمار فقال رحمه الله في نفسي منه شيء .

وهناك طائفة من أهل العلم يرون أن هذه الأشياء الثلاثة تقطع الصلاة للحديث الآتي ، فيقولون إن حديث أبي ذر – الآتي – يقولون إن صح حديث ( لا يقطع الصلاة شيء ) فإن حديث أبي ذر خصص واستثنى المرأة والحمار والكلب والأسود .

إذاً كيف تجيبون عن هذا الحديث الذي ذكره الترمذي وما ذكر من أحاديث في ثنايا ما ذكرته ؟

هذا الحديث الذي ذكره الترمذي رحمه الله فيه إحدى رواياته ( أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى إلى غير جدار ) فقالوا إن نفي الصلاة إلى غير جدار لا ينفي غيره ، فربما صلى إلى شيء يستره غير الجدار .

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فيقولون : إنها رضي الله عنها ما مرت ، والحديث نص على المرور ، وإنما كانت رضي الله عنها معترضة بين يديه .

وأما حديث الفضل ( أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في فضاء وبين يديه كلبة وحمارة تعيثان بين يديه ) فهو حديث ضعيف لا يصح .

وقال الظاهرية : إن الكل من هذه الأشياء الثلاثة ” الكلب الأسود والحمار والمرأة ” تقطع الصلاة سواء كانت مارة أو غير مارة ، سواء كانت هذه الأشياء حية أو ميتة ، فلو كان أمامك كلب ميت أو حمار ميت أو امرأة ميتة فكذلك تقطع الصلاة ، ويستثنون المرأة إذا كانت مضجعة ، بناء على أنهم يأخذون بظاهر النصوص .

وسيأتي لهذه المسألة تمام حديث في حديث أبي ذر الآتي .

 

ومن الفوائد :

أن البخاري رحمه الله ذكر هذا الحديث في باب ( سترة الإمام سترة لمن خلفه )  فلما مرت الأتان بين يدي الصف لم تؤثر في صلاتهم ، لم ؟ لأن أمامهم سترة ، ما هي هذه السترة ؟ سترة الإمام ، أين الدليل ؟ لأن الحديث لم يذكر فيه سترة ، قال ( صلى إلى غير جدار ) قالوا إن البخاري رحمه الله بنى على أن النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحيانه أنه إذا صلى في فضاء أنه يصلي إلى العنزة ، فقوله ( صلى إلى غير جدار ) لا ينفي أنه صلى إلى العنزة .

إذاً سترة الإمام سترة لمن خلفه .

بينما يرى بعض العلماء أن الإمام نفسه سترة لمن خلفه ، ودليله ظاهر من هذا الحديث ، بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع سترة .

ويمكن أن يكون عدم وجود السترة واضح ، لأن قوله ( صلى إلى غير جدار ) ليس فيه فائدة ، فلو كان هناك شيء غير الجدار لذكره ، فدل على أنه لم يصل إلى سترة ، فكان الأولى بابن عباس رضي الله عنهما أن يقول ( صلى إلى غير سترة ) ولذا جاءت رواية عند البزار ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير سترة )

فإذاً في هذا دليل على أن الإمام بنفسه سترة لمن خلفه .

ومن الفوائد :

أن في هذا الحديث بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى سترة أن في هذا الحديث دليلا لمن قال إن السترة ليست واجبة وإنما هي سنة .

والصواب أن وضع السترة ليس بواجب ، والأدلة غير هذا الدليل ، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره ) دل على أنه قد يصلي لا إلى شيء يستره .

ومن الفوائد :

أن البهائم التي تكون في الحرم لا تغلق أفواهها منعا لها من الأكل من العشب ، لأنه قال ( وتركنا الأتان ترتع ) فدل هذا على أن البهائم لا تكمم أفواهها حتى لا تأكل من حشيش الحرم .

ومن الفوائد :

أن ابن عباس رضي الله عنهما تحمل الحديث قبل البلوغ وأداه بعد البلوغ فقبل منه ، فإذاً قضية التحمل غير قضية الأداء ،فلو أدى من لم يبلغ الحديث قبل بلوغه ما قبل منه ، يقبل منه أن يتحمله لكن بعد البلوغ يقبل منه أداؤه .

سؤال : لماذا لا يقبل منه الأداء قبل بلوغه ؟

الجواب : لأنه قبل بلوغه قد يتسرع ولا يتثبت ، بينما مع كبر السن ووصول حد البلوغ يكون قد ضبط ما تحمله وتحرى فيه ، لأن النقل من الصغير ليس كالنقل من الكبير ، وهذا من باب الاحتياط للحديث ، فنحن لا نمنعه من التحمل ربما يأتي إنسان آخر تحمله معه فزاده قوة ، بينما الأداء لا ، من باب توقي الحذر أن يقال على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله اشترط البلوغ في الأداء .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث من ضمن عشرين قصة تحملها ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة ، كما قال ابن القيم رحمه الله  ، وأما ما عدا ذلك من أحاديث ذكرها رضي الله عنه فقد نقلها عن غيره من الصحابة ، وهذه استفيد منها في قضية الترجيح مثلا في حديث ميمونة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) بينما حديث ابن عباس ( تزوجها وهو محرم ) أيضا في قضية الحجامة ، فإن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم ) بينما في حديث آخر ( احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) .

 

ومن الفوائد :

أن فيه ردا على بعض العلماء القائلين بكراهية مرور الإنسان بين يدي الصف حتى ولو كان للإمام سترة ، فالصواب إذاً مع من قال بالجواز ، لأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا على الفضل وأخيه لما أرسلوا الأتان ترتع وقد مرت بين يدي الصف ، فدل على أنه معهود ، ولو كان غير معهود لزجروه كما زجروا ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد .

ومن الفوائد :

أن الحمار على القول الصحيح طاهر ظاهرا ، أما فضلاته من روث وبول وكذلك الدم فإنه نجس وليس بطاهر ، ويدل لهذا أن الفضل وأخاه قد ركباه ، وقد يصيبهما عرق منه أو قد تكون ملابسهما رطبة .