الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المؤلف رحمه الله :
باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه وفيه
حديث رقم – 346-
( ضعيف ) حدثنا محمود بن غيلان حدثنا المقرئ حدثنا يحيى بن أيوب عن زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله )
حديث رقم – 347-
( ضعيف ) حدثنا علي بن حجر حدثنا سويد بن عبد العزيز عن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : نحوه بمعناه قال وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس أبو مرثد اسمه كناز بن حصين قال أبو عيسى وحديث بن عمر إسناده ليس بذاك القوى وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه قال أبو عيسى وزيد بن جبير الكوفي أثبت من هذا وأقدم وقد سمع من بن عمر وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحديث داود عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم اشبه وأصح من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن عمر العمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان .
من الفوائد :
هذا الحديث ضعفه المحققون من أهل العلم ، وإن كان في بعض جمله ما دلت الأحاديث الأخرى على ثبوتها ، وذلك كالحمام والمقبرة ومعاطن الإبل ، وهذه المواطن السبعة نص عليها في الحديث ، وزاد بعض العلماء مواطن أخرى من بينها ( الصلاة إلى حش ) وهو المكان المعد لقضاء الحاجة ، وقد ورد في ذلك حديث عند ابن عدي ، ولكن ضعفه العراقي رحمه الله ، ومعلوم أن مسألة الصلاة تجاه الحش الذي نسميه بالحمام على مصطلحنا وقع نزاع بين الفقهاء في كراهية الصلاة تجاهه من عدم ذلك ، والصواب الجواز من غير كراهة ، لعدم الدليل ، لأن الدليل الوارد هنا ضعيف .
وليعلم طالب العلم أن لدينا حديثا عاما نقرره ونبني عليه الأحكام إلا إن جاءت أدلة تستثني شيئا منه ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) فكل مكان – على حسب إطلاق هذا الحديث – كل مكان يصلح للصلاة إلا إن جاء دليل يخرج موطنا من هذا العموم ، ولذلك جمع من العلماء يرون صحة الصلاة في أي مكان لعموم ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ويقولون إن الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في بعض المواطن ضعيف كهذا الحديث الذي معنا ، ومنها لا دليل عليه ، ومنها ما به ضعف يسير ، فلا نترك البراءة الأصلية وهو الإباحة إلى دليل ضعيف .
ومن المواطن التي نهي عن الصلاة فيها ( الصلاة في أرض العذاب ) لقول علي رضي الله عنه كما عند أبي داود ( نهاني النبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل ) ولكنه حديث ضعيف .
ومن المواطن التي نهي عن الصلاة فيها ( الصلاة في الحش ) أي داخله ، وقد استدل بعض العلماء على عدم صحة الصلاة أن هناك حديثا ورد في النهي عن الصلاة في الحمام فمن باب أولى الحش ، ولعل ما يسند هذا القول ما جاء عند ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم ( إن هذه الحشوش محتضرة ) أي تحضرها الشياطين ، فليس هذا الموطن موطن صلاة .؟
ومن المواطن التي ذكرها بعض العلماء ( الصلاة في معابد النصارى واليهود ) فمن السلف من صلى في الكنائس والبيع ، ومنهم من كره ذلك ، ومنهم كابن عباس رضي الله عنهما كره الصلاة فيها إذا كانت بها تصاوير ، ولذلك أدرج بعض العلماء الصلاة في مكان فيه صور ، إذا كان مستقبلا لها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ( أزيلي عني قرامك فإن تصاويره لا تزال تعرض لي في صلاتي )
ومنها كما قال بعض العلماء ( الصلاة إلى النائم والمتحدث ) فلا تصلي وأنت مستقبل لنائم ولا في مكان يتحدث فيه ، كما جاء عند أبي داود ، وللعلماء نزاع في ثبوت هذا الحديث ، وسيأتي له إن شاء الله تعالى في سنن أبي داود ما يوضح هذا ، فينبغي للإنسان ألا يصلي أمام متحدث أو نائم .
وهذا الحديث الذي معنا ذكرت فيه ( المزبلة ) وهو المكان الذي توضع فيه النفايات ، وذكر فيه ( المجزرة ) وهو المكان الذي تنحر وتذبح فيه البهائم ، وذكر بعض العلماء أن العلة في النهي عن الصلاة في هذين الموطنين لمظنة النجاسة .
وذكر في هذا الحديث ( قارعة الطريق ) والإضافة هنا بيانية تبين الطريق وهو الطريق المقروع الذي يطرق بالأقدام ، والعلة في ذلك التشويش على المصلي ، أما إذا كان طريقا غير مقروع فلا يدخل هنا ، خلافا لمن قال إنه يشمل كل طريق ، لأن المقصود لو كان أي طريق لقال ( والطريق ) لو صح الحديث .
وذكر هنا ( الحمام ) والعلة فيه أن فيه كشفا للعورات ، وجاء في السنن ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) وهناك من يجيز الصلاة فيه لعموم ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) ولا يرون صحة حديث ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )
وذكر في هذا الحديث ( المقبرة ) وقد جاء فيها حديث ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) وقد ذكر بعض العلماء أن العلة في النهي عن الصلاة في المقبرة لأنها مظنة النجاسة ، مما يتحلل من أبدان الموتى من صديد ونحوه .
وليست هذه علة ، فأين الدليل على أن الصديد والقيح والدم نجس ، فالعلة الحقة في النهي عن الصلاة في المقبرة أنها وسيلة من وسائل الشرك ، فلربما صلى لله عز وجل في هذا اليوم في المقبرة ثم يصلي فيما بعد لأصحاب المقبرة من الموتى ، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم في حديث أبي مرثد الغنوي الذي أشار إليه الترمذي ( لا تصلوا إلى القبور ) أي لا تصلي وأمامك قبر ، ولذلك عمر رضي الله عنه ( لما رأى أنسا يصلي إلى قبر – وهو لا يعلم – قال القبر القبر ) يعني احذر القبر ، فالصلاة في المقابر وسيلة من وسائل الشرك ، هذه هي العلة الصحيحة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا خصص من ذلك العموم فقال ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله ” من ضعفه لم يتتبع طرقه حق التتبع “
وقد ذكر العلماء أن كلمة ( المقبرة ) تثلث باؤها ، فيصح النطق بالضم والفتح والكسر للباء [ المقبِرة – المقبَرة – المقبُرة ]
سؤال : استقبال جدار المقبرة ؟
الجواب : إذا كان هناك جدار آخر غير جدار المقبرة فلا إشكال ، أو إذا كان هناك شارع مطرق كذلك لا إشكال ، فإذا لم يكن هناك شارع وهناك مسافة بعيدة بحيث من يرى المصلي لا يقول إنه مستقبل لجدارها فلا إشكال ، الإشكال إذا كان قريبا منها وليس أمامه إلا جدار المقبرة فلا يجوز .
ومن المواطن التي ذكرت في الحديث ( معاطن الإبل ) وهو جمع معطن وهو بروك الإبل في المكان المعد لشربها .
وذكر في هذا الحديث ( الصلاة على ظهر بيت الله ) فلو صلى على الكعبة هل تصح صلاته أم لا ؟
لو صح هذا الحديث لقلنا لا تصح ، لكن هذا الحديث ضعيف ، فلو صلى على سطح الكعبة ، قال بعض العلماء لا تصح لأنه لم يستقبل شيئا ، وقال بعض العلماء تصح إذا كان أمامه ما يقدر بثلثي ذراع من الكعبة ، وقال بعض العلماء – وهو أبو حنيفة رحمه الله – قال تصح الصلاة ، لأن الكعبة لو انهدمت – عياذا بالله – فإن الصلاة إلى مكانها جائز ، ولعل هذا هو الأقرب ، ولاسيما أن الناس تعاهدوا على الصلاة في سطح المسجد الحرام وهم لا يستقبلون الكعبة ، فهم أعلى منها