تعليقات على سنن الترمذي
الدرس الثامن والستون
أبواب السَّهو
حديث 391
( 1 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
باب ما جاء في سجدتي السَّهو قبل التسليم
حديث رقم – 391-
( صحيح ) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن بن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب :
” أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس )
ذكر الترمذي رحمه الله هذا الحديث في باب السجود قبل السلام ، وهذا الحديث تندرج تحته فوائد :
( من الفوائد )
أن الكتابة الصحيحة حينما يكتب الإنسان اسمه واسم أبيه واسم جده إلى آخر نسْله لابد أن يكتب ( ابن ) ولذلك لو قرأتم التاريخ الإسلام ما وجدتم أحداً تُحدث في سيرته من غير أن تكتب كلمة ( ابن ) وهذا أمر يجب أن نتفطن إليه ، بحيث لا نشابه الكفار ، الكفار ولدوا من سفاح ، ولذلك لا يذكرون كلمة ( ابن ) لكن المسلم ولد من نكاح ، إذاً له أب ، هو ابن من؟ ولذلك بعض الناس يتهاون ، ولذلك نحن في هذه الدولة لمَّا لم نستعمر كالبلدان الإسلامية الأخرى التي أثَّر فيها الاستعمار لا يذكرون كلمة ( ابن ) ونحن في هذه السنوات في هذه الدولة بدأت تتلاشى كلمة ( ابن ) ونحن لم نستعمر ، لكن الاستعمار الثقافي لما تكالب علينا وكثر ،أصبح الواحد يقول ” زيد مسفر البحري ” خطأ ، ” زيد بن مسفر بن ناصر البحري ” ولذلك لا نتهاون في ذلك ولو في الكتابة ، حتى إن الدولة تفطنت لذلك وأصدرت قرارا رسميا بعدم تغافل كلمة ( ابن ) ولذلك في بطاقات الأحوال وما شابه ذلك لابد من كلمة ” ابن ” بعض الناس يقول الأمر يسير – لا – الأمر ليس بيسير .
أولا : أن هذه سنة السلف .
ثانيا : من حيث اللغة ، لا يمكن أن تُعرب ، لما أقول ” زيد بن مسفر ” ” بن ” صفة .
لكن لما أقول ” زيد مسفر ” كيف أعربها ؟
ما تعرب ، هناك خلل في الجملة .
( ومن الفوائد )
إذا كانت كلمة ( ابن ) بين علمين تحذف الألف ، فلا تكتب حرف الألف في ” ابن “
تقول : ” ابن مسفر ” تضع الألف .
” زيد بن مسفر ” تحذف الألف .
لو قال قائل : هذا الحديث في سنده ما يعارضكم ، قال ( عبد الله ابن بحينة ) الألف موجودة .
نقول أتي بالألف ، لم ؟
لأن ” بحينة ” هي أمٌ لعبد الله ، أو جدة من جهة الأب ، كما قال ابن حجر رحمه الله ، لأن أباه اسمه ” مالك ” عبد الله بن مالك ابن بحينة ” لم ؟
لأننا لو كتبنا “
عبد الله بن مالك بن بحينة ” صارت كلمة ” بن بحينة ” صفة لمالك ، وهي ليست صفة لأبيه ، بل هي صفة لابنه عبد الله .
( ومن الفوائد )
أن السهو حاصل من ابن آدم مهما كانت المرتبة العليا لهذا الآدمي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعلى الناس مرتبة في العبادة وفي الخشوع إلا أن السهو وقع له في صلاته صلى الله عليه وسلم .
لو قال قائل : أهناك فرق بين السهو وبين والنسيان ؟
قال بعض العلماء : لا فرق ، وهذا ما يميل إليه ابن حجر رحمه الله ” سها فلان – نسي فلان ” هما سواء .
وقال بعض العلماء : إن النسيان أعظم درجة من السهو ، فالسهو هو ” ذهول القلب مع وجود شعور لدى الإنسان .
بينما النسيان ” هو ذهاب شعوره كله “
( ومن الفوائد )
أثبتنا أن السهو حاصل من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل هذه المرة الأولى ؟
كم سها النبي صلى الله عليه وسلم من مرة ؟
الجواب / هنا سها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام من التشهد إلى الثالثة .
الحالة الثانية : ( أنه صلى الله عليه وسلم سلَّم من ركعتين ) وكانت في حقه أربعا .
الحالة الثالثة : ( أنه صلى الله عليه وسلم سلَّم من ثلاث ركعات ) كما جرى له في صلاة العصر عند مسلم .
الحالة الرابعة : ( أنه صلى الله عليه وسلم زاد خامسة في الظهر ) كما في الصحيحين .
الحالة الخامسة : ( أنه صلى الله عليه وسلم شكَّ في صلاته ) كما جاء في حديث أبي سعيد عند مسلم ، فقال ( إذا شك أحدكم فليبن على ما استيقن )
إذاً خمس مرات ، بعض العلماء يقول هي أربع ، بناء على ماذا ؟
قالوا : ( إن تسليمه صلى الله عليه وسلم من ثلاث ركعات ) هو ما وقع له من ( تسليمه من ركعتين )
فيكون ما جاء عند مسلم مطروحا عندهم ، بينما الثابت أنه ( سلَّم من ركعتين )
وسيأتي لهذا تفصيل إن شاء الله تعالى .
فهذا يدل على دلالة أكيدة ، ويقرر تقريرا جازماً أنه صلى الله عليه وسلم مخلوق ويعتريه ما يعتري المخلوقين ، لكنه عليه الصلاة والسلام مُيِّز عن المخلوقين بماذا ؟
بكماله بصفات المخلوقين ، وذلك أمره الله عز وجل في مواطن شتَّى أن يقول :
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ } وأكَّد { مِّثْلُكُمْ }
لكن أختص عنكم بخصيصة :
{ يُوحَى إِلَيَّ }الكهف110
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :
( إني أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني )
لو قال قائل : جاء حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ( إنما أنسى لأشرِّع ) فهذا الحديث متداول ، يعني ما وقع مني النسيان إلا من أجل أن أشرِّع لكم كيف تتمون صلاتكم ، وماذا تفعلون بها إذا وقع فيها سهو ؟
ولكن هذا الحديث لا أصل له ، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون القول الفصل أنه عليه الصلاة والسلام بشر ينسى كما ينسون .
( ومن الفوائد )
أن قوله ( وعليه جلوس ) جملة حالية ، يعني ” حالة كون عليه جلوس “
ما هو هذا الجلوس ؟
التشهد الأول .
أي صلاة وقع فيها هذا السهو ؟
الظهر .
( ومن الفوائد )
أنه صلى الله عليه وسلم ( سجد قبل أن يسلِّم )
ومن هذا الحديث أخذ بعض العلماء :
أن سجود السهو كله يكون قبل السلام.
وأنا سأذكر الأقوال في المسألة مختصرة ثم إذا أتت الأحاديث نعطي دليل كل قول ونأتي إلى الراجح .
القول الثاني : إن السجود كله بعد السلام .
القول الثالث : كما سيذكره الترمذي عن الإمام أحمد – قال إن السجود قبل السلام أو بعد السلام على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن لم تكن حالته مشابهة في السهو لما وقع صلى الله عليه وسلم في الخمس الحالات السابقة يسجد قبل السلام .
القول الرابع : كل السجود قبل السلام إلا إذا سلَّم قبل إتمام صلاته ، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة .
فلو صلى الظهر فسلم من ركعتين أو من ثلاث ركعات فنُبِّه أو تنبه يأتي بالرابعة ويسجد بعد السلام .
القول الخامس : إن السجود يكون كله قبل السلام إلا في حالتين :
الحالة الأولى : إذا زاد فيكون بعد السلام .
الحالة الثانية : إذا شك ، ولكن ترجح عنده شيء ، ليس شكا متساوي الأطراف ، قد يقول ما أدري هل صليت ثلاثا أم أربعا ؟ لكن عندي رجحان أنها هي الرابعة ، يكون السجود بعد السلام .
القول السادس : مثل ما قال به أصحاب القول الخامس ، ولكن على سبيل الوجوب .
القول السابع : أن السجود قبل السلام أو بعد السلام جائز ، ولكن الأفضل أن يكون قبل السلام إلا في حالتين :
الحالة الأولى : إذا زاد فيكون بعد السلام .
الحالة الثانية : إذا شك وغلب على ظنه ، وهذا هو القول الصحيح .
وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .