تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثالث والثلاثون
من حديث ( 423 ) حتى ( 427 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
[ باب استبراء البشرة في الغسل من الجنابة ]
حديث رقم – 423-
( صحيح ) أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل رأسه بأصابعه حتى إذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة غرف على رأسه ثلاثا ثم غسل سائر جسده )
( من الفوائد )
أن العلماء أخذوا من قولها رضي الله عنها
( توضأ وضوءه للصلاة )
أخذ منها بعض العلماء : أنه أتم الوضوء كله ، لأن هذا لا يطلق إلا على الوضوء التام .
بينما بعض العلماء قال “
إنه يؤخر غسل قدميه إلى ما بعد الفراغ من الغسل ، للأحاديث الأخرى ، فإذا فرغ من الغسل يغسل قدميه ، وسبق وأن جمعنا بين الروايات ، لأن هناك روايات أتت بأنه
( توضأ وضوءه للصلاة ، ولما فرغ من الغسل غسل قدميه )
فنخلص إلى أن الوضوء في الغسل يمكن أن يؤخر فيه غسل القدمين إلى ما بعد الغسل ، ويمكن أن تغسل القدمان مع الوضوء وبعد الفراغ من الغسل ، يفعله مرة أخرى .
لأن بعض العلماء يرى : أن غسل القدمين في آخر الأمر إنما هو من أجل تلوث القدمين من آثار المكان ، وليس فيه دليل واضح على ما ذهبوا إليه رحمهم الله .
( ومن الفوائد )
أن السنة للمغتسل أن يخلل رأسه ثلاثا ، لفعله عليه الصلاة والسلام ، وليس المقصود من الثلاث العدد ، وإنما المقصود الاستيعاب ، فلا دليل فيه لمن قال من العلماء :
إن الغسل يسن فيه التثليث بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم
( غسل رأسه ثلاثا )
لم ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم
( أخذ كفا من ماء فغسل يمين رأسه ثم أخذ كفا آخر فغسل بها شمال رأسه ثم أخذ ثالثة فغسل بها الوسط )
ثم هم قاسوا الغسل على الوضوء ، فإذا كان الوضوء يستحب فيه التثليث فمن باب أولى أن يثلث في الغسل .
ولكن نقول : الوضوء فعله عليه الصلاة والسلام ، والغسل فعله عليه الصلاة والسلام وفعل في الوضوء وترك في الغسل .
( ومن الفوائد )
أنه يستفاد منه قاعدة وهذه القاعدة لها أدلة أخرى وهي
[ إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن ] فالنبي صلى الله عليه وسلم
( خلل رأسه حتى خيَّل إليه )
كما هنا ، وفي الرواية الأخرى ( حتى إذا ظن أنه أروى بشرته ) فغلبة الظن كافية ، ومن ثم فإن مثل هذا الحديث يعالج ما وقع فيه من الناس في الوسوسة ، فغلبة الظن كافية ، سواء في إزالة النجاسة أو في تخليل الرأس ، أو ما شابه ذلك.
( ومن الفوائد )
أن ( من ) قد تأتي بمعنى السببية ( إذا اغتسل من الجنابة ) بسبب الجنابة .
( ومن الفوائد )
استحباب غسل الكفين قبل البداءة في الغسل .
( ومن الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم
( غسل سائر جسده )
قال بعض العلماء :
إن كلمة ( السائر ) لم ترد في اللغة إلا بمعنى الباقي ( غسل سائر جسده ) يعني ما بقي من جسده ، ومن هنا تأتينا مسألة وهي : مسألة غسل أعضاء الوضوء التي غسلت مسبقا ، فإذا غسل أعضاء الوضوء ثم اغتسل للجنابة هل يعيد غسل تلك الأعضاء ؟
على هذه الرواية لا يلزم ، لاسيما أن كلمة ( سائر ) بمعنى البقية .
لكن هناك رواية عند البخاري ( ثم غسل جسده كله ) فنحن بين أمرين:
إما أن نأخذ بظاهر رواية البخاري ، فنقول يلزم غسل أعضاء الوضوء مرة أخرى ، لأنه نص هنا ( غسل جسده كله )
وإما أن نقول ترد هذه الرواية إلى الروايات الأخرى ( غسل سائر جسده ) فيكون معنى ( غسل جسده كله ) يعني غالب جسده .
والأحوط والأحسن / أنه يعيد غسلها ، لاسيما وأن الأمر يسير .
**********
حديث رقم – 424-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه )
( من الفوائد )
أن ( الحِلاب ) نوع من أنواع الآنية ، وسمي بهذا الاسم لأن ما يوضع فيه بقدر ما تُحلب فيه الناقة .
( ومن الفوائد )
أن الغرفات الثلاث المذكورة في الحديث السابق مبينة هنا ( أخذ غرفة فصب على شقه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه )
وهذا يدل على أهمية معرفة الروايات ، لأن بعضها يفسر بعضا ويوضح المجمل منها .
( ومن الفوائد )
أن إطلاق القول على الفعل كثير في اللغة ، لأنها قالت ( فقال بها ) فأطلقت القول على الفعل ، فهو لم يقل بها ، وإنما فعل .
**********
[ باب ما يكفي الجنب من إفاضة الماء عليه
حديث رقم – 425-
( صحيح ) أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن شعبة قال حدثنا أبو إسحاق ح وأنبأنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سليمان بن صرد يحدث عن جبير بن مطعم : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الغسل فقال أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا لفظ سويد )
( من الفوائد )
أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على رأسه ثلاثا ، وهذا الإفراغ مجمل ، ولكنه مبين في حديث عائشة رضي الله عنها .
( ومن الفوائد )
أن كلمة ( أمَّا ) يراد منها التفصيل ، فلابد أن تكون هناك جُمل في ثناياها ، وليس هنا ما يدل في ظاهره على أن هناك جملة ، فيكون المعنى ( أما أنتم فتفعلون هكذا ، أما أنا فأفيض ) فالجملة التي يراد منها التفصيل مبهمة أو مقدرة .
( ومن الفوائد )
جواز طرح مسألة من المسائل العلمية بين طلاب العلم أمام العالم ، فإنهم تماروا وتجادلوا في مسألة الغسل فبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام الكيفية الشرعية الصحيحة .
__________
حديث رقم – 426-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد عن شعبة عن مخول عن أبي جعفر عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل أفرغ على رأسه ثلاثا)
( من الفوائد )
كل هذه الروايات تدل على أنها سنة فتواتر النقل بها عن الصحابة رضي الله عنهم .
[ باب العمل في الغسل من الحيض ]
حديث رقم – 427-
( صحيح ) أخبرنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله كيف أغتسل عند الطهور قال خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها قالت كيف أتوضأ بها قال توضئي بها قالت كيف أتوضأ بها قالت ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح وأعرض عنها ففطنت عائشة لما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذتها وجبذتها إلي فأخبرتها بما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
( من الفوائد )
أن السنة في حق الحائض إذا طهرت أن تأخذ ( فِرْصة مُمَسَّكة ) وهي قطعة من قطن ونحوه بها مسك وطيب فتطهر وتطيب موضع الدم .
( ومن الفوائد )
أن ( الوضوء ) يطلق على الطهارة ، لأنه قال هنا ( فتوضئي بها ) والمقصود تطهري بها .
( ومن الفوائد )
أن بعض الأحكام قد يستحيى من ذكرها ولا ينبغي للرجل أن يذكرها إذا كان هناك من النساء من سيبينها ، ولذلك
( سبَّح النبي صلى الله عليه وسلم متعجبا )
ففطنت عائشة رضي الله عنها فأخبرت تلك المرأة بما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
بيان عظم هذا الدين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعرف أن النفوس تشمئز من هذا الموطن والموضع الذي جرى منه الدم ، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يأتي الرجل إلى زوجته ونفسه طيبة .