تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 54 ) حديث ( 463 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس ( 54 ) حديث ( 463 )

مشاهدات: 476

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس ( 54 )

حديث ( 463 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

( أما بعد : فيا عباد الله  )

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الحكم في تارك الصلاة

حديث رقم – 463-

( صحيح )   أخبرنا الحسين بن حريث قال أنبأنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر  )

( من الفوائد )

أن هذه الصلاة هي عهد بين العبد وربه عز وجل ، فيحرم عليه أن ينقض هذا العهد ، ولذلك قال عز وجل :

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا }المائدة12 –

وهذا عهد كما جاء في سورة البقرة  :

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }البقرة40 .

فدل على أن ما بين العبد وبين الله عز وجل عهد فلا يجوز للإنسان أن ينقضه .

ولذا قال بعض العلماء :

العهد المذكور هنا هو ” العهد الذي أخذه الله عز وجل على بني آدم قبل أن يخلقهم “

وهو عهد ما فطرهم الله عز وجل عليه من الخير  .

قال عليه الصلاة والسلام :

( كل مولود يولد على الفطرة )

ولذا يقول العلماء في الأمانة التي في قوله تعالى :

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ }الأحزاب72 .

أنها تشمل حقوق الله عز وجل وحقوق الآدميين ، بل إن من الصحابة من أدخل ( غسل الجنابة ) في الأمانة .

ومقتضى ذلك أن يحرص المسلم على طاعة الله عز وجل ، لكن أعظم ما يكون بعد التوحيد ( الصلاة )

( ومن الفوائد )

الحكم على تارك الصلاة بأنه ( كافر )

هل هو كفر يخرجه عن الملة أم أنه كفر دون كفر ؟ بمعنى أنه كفر للنعمة ؟

فمن فضل الله عز وجل على العبد أن خلقه ورزقه وأمده بالصحة والعافية ، فإن خالف أمر الله عز وجل فقد كفر بهذه النعمة ، فليس كفرا مخرجا عن الملة  ؟

اختلف العلماء في هذا :

ونحن نلخص ما ذُكر مما قالوه رحمهم الله .

نقول :

إن كان تركها جحودا لها ، فهو كافر بالإجماع .

قال إنها ليست واجبة ، فإنه يكون كافرا ولو صلى ، لم ؟

لأنه كذَّب الله عز وجل الذي أو جبها في كتابه ،

وكذَّب النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوجبها في سنته .

وكذَّب إجماع الأمة.

لكن من تركها تهاونا وكسلا ، هو يقر بوجوبها ، يرى أنها واجبة ، ولكن هل يكون تركه لها كفرا يخرجه عن ملة الإسلام ، بمعنى أنه يكون من الكفار  ؟

أم أنه من المسلمين ولكنه ارتكب جرما عظيما وكفر بالله كفر نعمة ؟

قيل بهذا ، وقيل بهذا .

ومن يقول بأنه ليس بكافر  ، وإنما هو كفر نعمة ، قالوا :

لأن ” الكفر أطلق في نصوص أخرى على أشياء من تركها ليس بكافر كفرا يخرجه عن ملة الإسلام ”  .

مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم :

( اثنتان في الناس هما بهم كفر ” الطعن في الأنساب والنياحة على الميت ” )

فلو  فعل المسلم هذين الأمرين لا يكفر

فقالوا : هذا مثل هذا .

ومن أدلتهم :

قوله تعالى :

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء48 .

فالذي دون الشرك تحت مشيئة الله عز وجل  ، ومن ذلك الصلاة .

ومن أدلتهم :

ما جاء عند ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم :

( يدرس الإسلام  )

أي تختفي معالمه وآثاره

( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب )

الثوب قد يكون مزخرفا ولكن مع طول الزمن تذهب هذه الزخرفة  .

( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، فلا يعرف الناس لا صلاة ولا صياما ولا صدقة ، فيقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة فنحن نقولها ” لا إله إلا الله ”

فقيل لحذيفة رضي الله عنه أتنجيهم من النار ؟ قال : نعم  )

مع أنهم ما كانوا يعرفون صلاة ولا صدقة ولا صيام .

القول الآخر : ” أنه يكون كافرا كفرا يخرجه عن ملة الإسلام “

وهذا هو الصواب .

للأدلة الآتية :

أولا : هذا الحديث ، إضافة إلى ما جاء عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :

( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )

فجعلها بينونة فاصلة بين المسلم وبين الكافر  إذا ترك الصلاة .

قال ( الكفر ) أتى بـ ( أل )

قال شيخ الإسلام رحمه الله ردا على من قال “: إنه كفر نعمة ”

قال رحمه الله ” إن كلمة ( كفر  ) إن حليت بالألف واللام فالمراد  ” الكفر الأكبر ” وإن لم تحلى فهي محتملة  .

وهنا قال :

( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )

ثانيا :

قوله عز وجل  :

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الروم31 .

ختم الآية بقوله :

{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } بعد ماذا ؟ بعد الإنابة وتقوى الله وإقامة الصلاة ، ولذا كان أقرب مذكور لجملة

{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } هي جملة { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ )

ثالثا :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن طغيان الولاة في آخر الزمن ، فقال بعض الصحابة ( أفلا ننابذهم يا رسول الله ؟

قال : لا ، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان )

يعني بدليل واضح .

دل على أن الأئمة لا يجوز الخروج عليهم إلا إذا ارتكبوا كفرا واضحا جليا لا شبهة ولا مرية فيه .

هذا الحديث إذا جُمع مع حديث

( أفلا ننابذهم بالسيف ؟

قال لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة )

فدل على أن ترك الصلاة كفرٌ يخرج عن ملة الإسلام .

وهناك أدلة أخرى .

وتصور لو أن الإنسان ترك الصلاة وقيل إن الصلاة ليست بموجبة للكفر  الأكبر ، وإنما هي كشأن المعاصي سيكون الإنسان كالبهيمة بل أخس ، فلو ترك الصلاة ما الذي يترتب على ذلك ؟

سيترك أشياء أخرى .

إذاً أكل ، شرب ، نوم ، بل إن البهائم أفضل منه ، فالبهائم جبلت على فطرة أنها تنام في وقت معين وتستيقظ في وقت معين وتأكل وتشرب ، ولكن هي معذورة بعدم العقل ، لكن  هذا لا يعذر ، فيصبح أخس من البهيمة .

أما ما استدلوا به من قوله تعالى  :

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء48 .

فهذا نص عام ، جاء نص آخر يبين أن الصلاة من بين ما يوجب كفر ابن آدم لو ترك الصلاة .

وأما حديث حذيفة

( يدرس الإسلام كما يدرس وشيء الثوب )

فهذا محمول على حالة تشبه حالة أهل الجاهلية ، فهم في عذر ، فإنهم لو كانوا يعرفون الصلاة والصوم والزكاة لفعلوها ، لكنهم في وقت اندرس فيه العلم وزال ، ومن ثم فإن هذه الكلمة تنفعهم بحكم أنهم غير مدركين وغير عارفين بشأن ما أوجب الله عز وجل عليهم .

ولذلك يمكن هناك إشارة كما في الصحيحين حينما يشفع المؤمنون لأهل الكبائر  يخرجونهم ( ضبائر ضبائر ) يعني جماعات جماعات ( قد أكلتهم النار إلا مواضع السجود ) فمواضع السجود لا تمسها النار  .

فهذا فيه دليل على عظم هذه الصلاة .