تفسير البسملة ( 15)

تفسير البسملة ( 15)

مشاهدات: 410

تفسير البسملة ( 15 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمَ خُصَّ هذان الاسمان الرحمن الرحيم دون غيرهما من الأسماء في ذكرهما بعد لفظ الجلالة وهو : الله

لماذا لم يقل : بسم الله التواب العظيم

بسم الله الجبار المنان ؟

لماذا خُص هذان الاسمان دون غيرهما ؟

خُصَّ هذان الاسمان دون غيرهما لأمور :

الأمر الأول :

أن هذا من باب التنويه بشأن هذين الاسمين :

وهناك قاعدة  :

أن الخاص إذا ذكر بعد العام يدل على أهمية هذا الخاص

وهذه القاعدة تتضح بالأمثلة :

من أمثلة هذه القاعدة :

قوله تعالى :

{ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى }

الصلاة الوسطى على أصح الأقوال هي صلاة العصر كما جاء ذلك في بيان حديث النبي عليه الصلاة والسلام عند مسلم :

أليست صلاة العصر داخلة بالأمر في المحافظة على الصلوات في الكلمة التي قبلها ؟

بلى

لو قال : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } لدخلت صلاة العصر ضمن هذا الجمع

فلما خص صلاة العصر بالتعبير عنها بالصلاة الوسطى دل على أهمية هذه الصلاة وأن العبد مأمور بالمحافظة على جميع الصلوات وتتأكد هذه المحافظة في صلاة العصر

هذه الصلاة التي ضيعها كثير من الناس

حينما يأتي من الدوام قبيل صلاة العصر ينام

ثم يتخلف عن هذه الصلاة التي حضّ  وحثّ الشرع على المحافظة عليها بل خصها بالذكر  مما يدل على أهميتها

  • ومما يدل على أهميتها :
  • قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري:

(( من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله ))

وقال عليه الصلاة والسلام  – كما عند البخاري – : (( الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله ))

يعد موتورا يعني : في أعظم مقامات الحزن

تصور لو أن إنسانا سلب منه أهله وماله قهرا وظلما وعدوانا

قل لي بربك يكف يكون حزنه وألمه ؟

شديد

فإذا كان هناك ألم عظيم شديد بفوات أهل ومالك فلتعلم عبد الله إذا فاتتك صلاة العصر يكون لك نظير هذا الحزن

ولذا :

  • قال عليه الصلاة والسلام :

(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وبالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ))

فلما خصت هذه الصلاة بالذكر بعد الأمر بالمحافظة على الصلوات دلَّ على أهمية هذا الشيء الخاص  مع أنه داخل في  عموم الصلوات

  • مثال آخر :

قال تعالى :

{ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ }

ما الذي بعدها ؟

{ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ }

أليس  جبريل وميكال عليهما السلام داخلين في  كلمة الملائكة ؟

بلى

لكن لماذا ذكرا ؟

هذا من باب ذكر الخاص بعد العام

مما يدل على عظم شأن هذين الملكين

  • كذلك هنا :

الرحمن والرحيم خصا بالذكر مع أنهما داخلان في عموم لفظ الجلالة الذي يتضمن الأسماء كلها يدل على عظم وقدر هذين الاسمين

هذا أمر

أمر ثاني :

أن ذكر هذين الاسمين لأن الله جل وعلا سبقت رحمته غضبه

ولذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :

(( إن الله قد كتب كتابا عنده  : أن رحمتي سبقت غضبي ))

وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( إن الله خلق  مائة رحمة ))

مما يدل على محبته جل وعلا  لرحمة عباده وعلى سعة هذه الرحمة

  • قال :

(( إن الله خلق مائة رحمة ، أنزل في الأرض رحمة واحدة  ، فبها تتراحم الخلائق فترحم الأم وليدها وترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه فإذا كان يوم القيامة كمل بهذه الرحمة تلك المائة ))

وهذه  الرحمة المذكورة في هذا الحديث والتي  تضاف إليه جل وعلا هي رحمة مخلوقة

لأن الرحمة المضافة إلى الله نوعان كما قال ابن القيم :

رحمة تضاف إلى الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي أنه موصوف  بالرحمة

أما في الحديث فهي رحمة مخلوقة التي خلقها جل  وعلا لكي يرحم عباده

  • ومما يدل على سعة رحمة الله ومحبته لأن يرحم عباده وخلقه :

أن النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى الغزوات رأى امرأة

وإذا بهذه المرأة تجري بين السبايا

يعني  :بين النساء وبين الأطفال الذين سباهم الصحابة من جراء هذه الغزوة

وإذا بها تجري بين السبايا فتأخذ طفلا فتضمه إلى صدرها

لأنه ولدها فقال عليه الصلاة والسلام : أتظنون أن هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟

ما الجواب :

لا

فقال عليه الصلاة والسلام :

((لله أرحم بعبده من هذه بولدها ))

انظروا :

إلى عظم محبة الأم لابنها

فالله أرحم بعبده من هذه بولدها

لكن لتعلم :

أن رحمة الله واسعة ولكن ليست لكل أحد

فالرحمة الواسعة التي تكون في الدنيا وفي الآخرة وبالأخص في الآخرة ليست لكل أحد

ولذا قال تعالى :

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }

ما الذي بعدها ؟

{ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } الأعراف156

  • يقول المفسرون :

” إن إبليس لما سمع قوله تعالى

وهذه تذكر من بين ما نقل وإلا ليس هناك سند يدل عليها

فيقولون : إن الله جل وعلا لما أنزل هذه الآية : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }

وقع في قلب إبليس أنه داخل في سعة هذه الرحمة

  • فقال تعالى بعدها :

{ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } الأعراف156

النبي عليه الصلاة والسلام كان يعاني معاناة من قومه كذبوه مع أنهم كانوا يجعلونه في مقام أعلى من الصدق  والأمانة

لكن لما جاءت هذه الرسالة وخالف أهواءهم ناصبوا له العداء

وهذه سنة الله :

إذا أتيت إلى أناس بما يخالف أهواءهم ناصبوا لك العداء

ولذا :

يقول ابن القيم :

(( إن العالم إذا دنا وجالس الأمراء  فهو بين أمرين : إما أن يرد عليهم في أهوائهم فيعادى وينحى وإما أن يوافقهم أو يسكت عن أهوائهم فيقرَّب ))

ولكن :

إذا جاء الحق بمخالفة أهواء الناس عادوه

فإذاً :

رحمة الله واسعة

فالنبي  عليه الصلاة والسلام لما كُذِّب ماذا قال جل وعلا له ؟

مما يدل على أن هذه السعة في الرحمة  لا تكون لغير المسلمين

قال في سورة الأنعام :

{ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ }

يمكن :

لو تأمل الإنسان في بداية هذه الآية لقال : إن هؤلاء داخلون تحت هذه السعة من حيث  عدم عقابهم :

{ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ }

ما الذي بعده ؟

{ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }

يمكن رحمهم جل وعلا في هذه الدنيا بأن أخَّر العذاب عنهم

فإنهم إن ماتوا على ما هم عليه فإن هناك عذابا ينتظرهم

  • الأمر الثاني :

والسبب الثاني في ذكر  هذين الاسمين :

الرحمن الرحيم بعد لفظ الجلالة مع أنهما من الأسماء الحسنى :

لأن رحمة الله جل وعلا سبقت غضبه

بعض الناس حينما يسمع هذه النصوص  يتَّكل على رحمة الله وعلى سعة رحمته

وكل منا يرجو رحمة الله يأمل في رحمة الله

لكن الأمل الخالي من العمل أمل كذاب

ولذا يقول الحسن البصري  :

(( إن قوما خرجوا من هذه الدنيا وقالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل ))

لأن البعض يقول : إن الله غفور رحيم

لو أتيته ونهيته عن معصية قال : إن الله غفور رحيم

إن رحمة الله واسعة

لكن يقال لهذا ولأمثاله :

أين أنت من قوله تعالى : { شَدِيدِ الْعِقَابِ }

{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) }

ولذا يقول القرطبي :

يقول في حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت في الصحيحين :

قال عليه الصلاة والسلام :

(( أذنب عبد ذنبا فقال رب اغفر لي ، فقال الله : قد علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ، ثم أذنب ذنبا آخر فقال  :ربي أذنبت ذنبا فاغفر لي ، فقال الله : أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل عبدي ما شاء ))

يمكن لهذه الجملة :

(( فليفعل عبدي ما شاء ))

يمكن أن يفهم أن للعبد أن يرتع في الذنوب والعصيان مع اتكاله على رحمة الله لأجل هذا الحديث

  • فيقول القرطبي : ” إن من أذنب واستغفر وقلبه مصر على أن يعود إلى هذا الذنب فهذا الاستغفار الذي استغفره يحتاج إلى استغفار “

ولذا :

يقول النووي في قوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : (( فليفعل عبدي ما شاء ))

قال : مادام أنه يذنب فيتوب توبة نصوحا ويعزم على أن لا  يعود إلى الذنب لكن نفسه تضعف في حين من الأحيان ثم يستغفر الله

هذا الذي يغفر له ربه

أما من أذنب الذنب وهو مصر على أن يأتيه بعد حين فإن هذا قد كذب في توبته “

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا }

فعلى العبد أن يتنبه لمثل هذا الأمر

ولذا :

الإنسان إذا اتكل على رحمة الله وأغفل شدة عقابه وقع  في الأمن من مكر الله

وإن هو اتكل وغلب جانب الخوف والعقاب يئس  وقنط من رحمة الله

وكلا هذين الأمرين مذمومان

ولذا يقول شيخ الإسلام يقول : يجب أن يكون العبد بين الخوف والرجاء :

الخوف : يدل  على شدة عذاب الله

والرجاء : يدل على سعة رحمة الله