تفسير البسملة ( 16)

تفسير البسملة ( 16)

مشاهدات: 471

 تفسير البسملة ( 16 )

فضيلة الشيخ :زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنواصل الحديث عن أسماء الله جل وعلا

اسم الله الرحمن هذا الاسم العظيم لم يتسمَّ به أحد ممن سبق

ولذا قال بعض المفسرين على أحد الأقوال في قول الله تعالى :

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }

قال بعض المفسرين : أي أن الله لم يتسم أحد باسم اسمه الرحمن

اللهم إلا مسيلمة الكذاب الذي تسمى برحمن اليمامة

في أواخر عهد النبي  عليه الصلاة والسلام ظهر هذا الكذاب وادعى النبوة وزعم أنه رحمن اليمامة

ولذا :

  • كفار قريش لما أراد عليه الصلاة والسلام أن يعقد معهم الصلح صلح الحديبية :

قال  : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم

قالوا : لا نعرف إلا رحمن اليمامة

فقال جل وعلا :

{ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ }

فلما تسمى بهذا الاسم بمَ عاقبه جل وعلا ؟

عاقبه بوصف ذميم حقير لا ينفك عنه :

وهو الكذاب

إذا ذكر لا يقال : مسيلمة وإنما يقال : مسيلمة الكذاب

ولم يقل القائل : مسيلمة الكاذب

لأن الكاذب أهون في الوصف من الكذاب

  • الكذاب :

يقول أهل اللغة على وزن فعال

وما كان على وزن فعال فإن المراد منه المبالغة

بمعنى : أن هذا الرجل قد بلغ ركنا ركينا عظيما في  الكذب

وهذه سنة الله :في المعتدين الذين يتطاولون على شرعه أو يتطاولون على ذاته أو على أسمائه

ولذا قال جل  وعلا :

{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }

ما الذي بعدها ؟

{ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الأعراف180

النصارى لما زعموا أن عيسى ابن لله ماذا قال تعالى في حقهم ؟

انظر إلى قوة الله وبطشه

فليس لأحد قدر ولا مكانة عند الله إلا بالتقوى

{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ }

ما الذي بعدها ؟

لكنه جل وعلا يمهل ولا يهمل

يقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وقرأ  { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } هود102

ما تسمعون وما ترون من تطاول على عباد الله الصالحين فإن هذه ظلمات وسرعان ما تزول ويحل بهؤلاء المعتدين عذابه وعقابه

ما الذي قال جل وعلا بعدها :

{ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } المائدة17

لما دعا النبي عليه الصلاة والسلام رجلا إلى أن يسلم قال هذا الرجل : من ربك

يعني : ما مهية ربك أمن ذهب أم من فضة ؟

فماذا صنع الله به ؟

أرسل عليه صاعقة أخذت بقحفة رأسه

عزل جل وعلا ما على رأسه فسقطت

قال جل وعلا في شأن هذه القصة كما قال المفسرون :

{ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } الرعد13

شديد القوة

ولذا :

ما يرى الآن من تسلط النصارى على بلاد المسلمين في العراق أو إعانتهم لليهود في فلسطين

فإن هذه القوة وهذه العظمة لن تبلغ مدى طويلا أبدا

لأن الله قاهر للظلمة مهما طال الزمن

النبي عليه الصلاة والسلام : ثلاثة عشر عاما وهو يدعو إلى التوحيد في  مكة

ويقول جل وعلا :

{  فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا }المعارج5

{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ }

لم يؤذن له بقتال ولا بجهاد

فلما هاجر عليه الصلاة والسلام أذن له

{   أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }الحج39

هذه العظمة

هذه الدولة التي بلغت ما بلغت لا يغتر مغتر بقوتها ولا ببطشها مهما قيل

وإني لأعجب أن يكون هناك ممن ينتسب إلى العلم وإلى أهل العلم ويقول : ” هذه  دولة لها عظمة عندها ما عندها :

من الصواريخ

من الأسلحة

من …….

من …….

هؤلاء ليسوا بشيء

إن الله على كل شيء قدير

والإنسان إذا بلغ في الدنيا مبلغا كبيرا وهو يعصي الله فانتظر به العقاب القريب

هكذا الدنيا مهما ارتفعت فإنها في هبوط

  • النبي عليه الصلاة والسلام :

عنده ناقته العضباء كانت شهيرة بأنها سباقة لا يسبقها شيء

فأتى أعرابي ومعه قعود فأجري سباق بين العضباء وبين قعود هذا الأعرابي فسبق هذا القعود  العضباء

فشق ذلك على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام : أتسبق العضباء ؟!

ناقة النبي عليه الصلاة والسلام

فماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

قال : (( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ))

الشيء الذي ليس لله مهما ارتفع فإنه في هبوط وفي نزول بإذن الله

فهذا الاسم وهو اسم الرحمن لم يتسم به إلا مسيلمة فأنزل الله وصفا ذميما به وهو الكذاب

وهذا الاسم :

وهو الرحمن

يتضمن كما قال بعض العلماء : يتضمن صفة الرحمة العامة لجميع الخلق

فما من أحد من الخلق : طير ، بهيمة ، حشرة ، مسلم ، كافر ، فاجر

إلا وهو في رحمة الله الرحمة العامة

  • انظر إلى هؤلاء الكفار :

كيف يعافيهم جل وعلا في أبدانهم ؟

يعطيهم قوة في حياتهم

يصلون من التقدم ما يبهر عقول الناس كل ذلك من رحمة الله لكنها رحمة عامة

لكن الرحمة الخاصة هي التي تضمنها اسم الرحيم

  • الرحمن الرحيم :

الرحمن الصفة العامة

الرحيم  :صفة الرحمة الخاصة

{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }

فيكون اسم الرحمن تضمن صفة الرحمة العامة

واسم الرحيم تضمن صفة الرحمة الخاصة

هذا ما قاله  بعض العلماء

 ابن القيم له توجيه :

لماذا جمع هذان الاسمان الرحمن الرحيم ؟

يقول :

” إن اسم الرحمن يتضمن صفة الرحمة وأما الرحيم يتضمن فعل الله جل وعلا  “

إذًا :

في الرحمن صفة رحمته جل وعلا وبالرحيم يرحم

ومما يؤكد هذا

لكن لتعلم أنها مثل ما أسلفنا :

رحمة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم في الدنيا

أما في الآخرة فلا يرحم الكفار

إنما الرحمة للمؤمنين

مما يدل على ما ذكره رحمه الله :

{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ } الناس عام الكفار والمسلمون

{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }

لم يقل : لرءوف رحمن

ولذا يقول ابن القيم لم يأت في القرآن : رحمن بهم

فدل على أن اسم الرحمن يتضمن الصفة وأن اسم الرحيم يتضمن الفعل منه جل وعلا

ففيه صفة الرحمة

وبها يرحم

  • ومما يؤكد هذا :

الدعاء الذي  ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام

(( اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير ، إنك على كل شيء قدير رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أسألك رحمة من عندك تغنيني بها عن رحمة من سواك ))

ومما يؤكد هذا :

وفيه فائدة غير هذا المؤكد فيه فائدة أخرى تدل على أن رحمة الله سبقت غضبه :

انظر إلى الآيات التي جاءت في ذكر القيامة إذا ذكر اسم من أسماء الله جل وعلا تجد الرحمن

هذا يذكرنا بحديثنا بالأمس :

((  إن الله خلق مائة رحمة أنزل جزءا منها في الأرض فإذا جاء يوم القيامة كمل بها المائة ))

  • أعطيكم أمثلة :

وهذه الأمثلة تدعوك أن تتدبر إذا قرأت كتاب الله جل وعلا :

قال في شان يوم القيامة :

{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ }

وقال تعالى : { وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ }

{ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا }النبأ37

فانظروا إلى هذا السياق القرآني الذي يدل على ما يكون في يوم القيامة اسم الرحمن مذكور :

لأن رحمته جل وعلا سبقت غضبه

إذا قلنا : إن الرحمن تتضمن صفة :

  • فيه قاعدة عند أهل السنة والجماعة :

نحن مأمورون بان نعرف أسماء الله جل وعلا وأن نعرف ما معنى الصفات حتى نتقرب إلى الله بها لأنها مما تزيد القلب إيمانا ويقينا وثقة وتوكلا على الله جل وعلا :

  • أهل السنة والجماعة يقولون :

 إن أسماء الله جل وعلا ليس لها في إثباتها إلا طريق واحد :

وهو ما جاء به القرآن أو ما جاءت به السنة

فلا يجوز لأحد أن يسمي الله جل وعلا اسما ليس  واردا لا في الكتاب  ولا في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما يروي عن ربه في الصحيحين :

(( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر))

ليس  معنى هذا أن الدهر اسم من أسماء الله

ولذا قال بعدها (( أقلب الليل والنهار )

لم الدهر ليس من أسماء الله ؟

لأنه جامد ما يستنبط منه صفة

ولذا يقول أهل السنة والجماعة :

” إذا أردت أن تثبت الصفة فمن طرق ثلاث :

  • الطريقة الأولى : عن طريق الاسم

كل اسم تضمن صفة

الرحمن تضمن صفة الرحمة

السميع تضمن صفة السمع

القوي  تضمن صفة القوة

وهلم جرا

لأنه لا يمكن ولله المثل الأعلى :

أن تقول في بني البشر أن هذا عالم

لا يمكن أن يكون عالما إلا وفيه صفة العلم

لو قلت : فلان قوي

لا يمكن أن يصح مثل هذه التسمية إلا أن تكون عنده قوة

هذا الطريق الأول

  • الطريق الثاني :

أن ينص القرآن أو تنص السنة على ذكر الصفة :

مثل قوله تعالى :

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }

إذًا : نثبت الرحمة

جاءت عن طريق التنصيص عليها

  • الطريق الثالث :

الفعل

لأنه – ولله المثل الأعلى –  :

إنسان مثلا يعلم الناس ما يعلم الناس إلا لأن فيه صفة العلم

وإلا لم تصح هذه التسمية ولم يصح هذا الوصف

كذلك :

إذا جاء الفعل من الله يستنبط منه صفة :

{ وَجَاءَ رَبُّكَ } في يوم القيامة :

نثبت صفة المجيء لله جل وعلا

قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي في الصحيحين  : ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ))

ينزل هذا فعل

إذًا :

فيه إثبات صفة النزول لله إلى السماء الدنيا بما يليق بجلاله وعظمته

إذًا :

نثبت الصفة :

إما عن طريق الاسم

أو عن طريق النص الثابت في الكتاب أو في السنة

أو عن طريق فعل  الله جل وعلا

وما عدا هذه الطرق فلا يجوز لأحد أن يصف الله بما لم يصف به نفسه أو لم يصفه رسول الله عليه الصلاة والسلام

الرحمن الرحيم :

الرحمة كلمة إذا سمعتها الأذن استبشر بها القلب لأنها تعطي القلب وتغرس فيه أريحية وسكينة وطمأنينة

والرحمة جاءت في كتاب الله ولها معان متعددة