تفسير البسملة ( 4 )

تفسير البسملة ( 4 )

مشاهدات: 500

تفسير البسملة (4 )

تتمة تفسير لفظ ( بسم ) (3 )

تتمة أسماء الله وصفاته

فضيلة الشيخ  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مازال حديثنا مستمرا حول أسماء الله وصفاته

مما يتعلق بهذا المعتقد العظيم وهو معتقد أهل السنة والجماعة أن أعظم ما يتوسل  به العبد إلى ربه إنما يتوسل بأسمائه وصفاته

وذلك أن التوسل له أنواع :

منها ما هو محرم

ومنها ما هو جائز

والجائز ثلاثة أشياء فقط

وما عداها فإنها توسلات غير شرعية

النوع الأول من التوسل المحمود :

التوسل بأسماء الله وصفاته

النوع الثاني :

التوسل بعمل صالح قام به الداعي:

مثال ذلك :

أن تتوسل إلى الله بإحدى صلواتك

أو بصدقتك

أن يحقق لك كذا أو كذا

ودليل هذا من كتاب الله ومن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام

أما من كتاب الله :

فقول المؤمنين :

{ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا }

يتوسلون بالإيمان ، والإيمان هو  أعظم الأعمال الصالحة : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران16

وكذلك :

قولهم كما في سورة آل عمران في اواخرها :

{ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ }آل عمران193

وأما من السنة  :

فكما جاء في قصة الثلاثة المعروفين الذين انطبقت عليهم الصخرة لما دخلوا الغار :

وقصتهم مشهورة :

ومن جملة ما ذكر من ذلك أن أحدهم قال :

(( اللهم إن لي أبوين وكنت لا أغبط قبلها أحدا لا أهلا ولا مالا فيقول : نأى بي ذات يوم الشجر فتأخر عنهم فأتى فوجدهما نائمين قال : ” والقدح على يدي فانتظرتهما حتى استيقظا ، اللهم ـــ وهذا موضع الشاهد ــ اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء مرضاتك ففرجْ  عنا ما نحن فيه فانفرج شيء من الصخرة لكنهم لا يستطيعون الخروج

الآخر قال : اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أراودها فامتنعت فألمَّت بها سنة ( يعني حاجة ) فأتتني فقلت : لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك ، فمكنته من نفسها فلما جلس بين رجليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت عنها وتركت لها المال ، اللهم إن كنت قد فعلت هذا ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرج شيء من الصخرة لكنهم لا يستطيعون الخروج منها

وقال الآخر: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل واحد أجرته إلا واحدا فنميت له ماله فأتاني بعد حين وقال : أين مالي يا عبد الله فقلت : كل  ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق قال : أتهزأ بي

قال : هو مالك

اللهم إن كنت قد فعلت هذا ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ))

فهؤلاء توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم

لكن لا يجوز أن يتوسل العبد بعمل صالح قام به فلان

كأن يقول : اللهم إني أسألك بإيمان فلان أو إني أسألك بصلاة فلان

هذا لا يجوز

إنما المراد : التوسل بعمل صالح قام به الداعي

النوع الثالث

التوسل بدعاء الصالحين لا بذواتهم

لا يجوز أن تتوسل بذات فلان ولو كان عظيما

لا يجوز أن تقول : اللهم إني أتوسل إليك بذات النبي عليه الصلاة والسلام

أو بذات فلان وهو العبد الصالح

لا يجوز مثل هذا

إنما التوسل بدعائهم :

كأن تأتي إلى شخص  وتقول : ادع لي

وشيخ الإسلام يقول في مسألة :

 طلب الدعاء من الغير

يقول رحمه الله : ” إن هذا من المسألة المذمومة “

يعني : لا ينبغي أن تقول لشخص ولو كان تقيا في ظاهر أمره لا تقل له : ادع لي إلا في حالة واحدة حتى لا تكون من المسألة المذمومة لأنه ينبغي للمسلم أن يكف يده عن طلب الناس  وكذلك لسانه

لكن يقول :

يشرع ذلك إذا نويت أن هذا الداعي يستفيد من هذه الدعوة :

لحديث النبي عليه الصلاة والسلام عند مسلم :

(( دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة على رأسه ملك يقول : آمين ولك بمثل ))

إذا نويت هذه النية فإن السؤال لا يكون سؤالا مذموما

لم ؟

لأنك أردت الخير لأخيك المسلم كما أردته لنفسك

ومما يدل لهذا ماجاء في صحيح البخاري :

أن عمر لما قحطت السماء في عصره وحصل قحط وجدب قال للعباس عم النبي عليه الصلاة والسلام : ( قم يا عباس فاستسق لنا )

وسؤال عمر للعباس لأن العباس مستفيد من هذا الدعاء لأنه إذا نزل المطر ارتفعت الحاجة والضرورة عن العباس  كما ترتفع عن غيره من سائر الصحابة

 

ولو قال قائل :

ما تقولون في قول عمر : يا رسول الله إني ذاهب إلى العمرة فقال عليه الصلاة والسلام :

(( لا تنسنا يا أُخي من دعائك )) ؟

فهذا الحديث قد اختلف المحدثون في ثبوته :

فبعض المحدثين :

يرى أنه حديث ضعيف وأنه لا يصح

فقول عمر للعباس : ” قم يا عباس فاستسق لنا “

ثم قال عمر :

اللهم إنا نتوسل ( انظروا إلى هذه العبارة التي أوقعت بعض المسلمين في التوسل المحرم فظنوا أن التوسل بذوات الصالحين أنها جائزة

قال :

(( اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك عليه الصلاة والسلام فتسقينا ، وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا ))

فظن البعض أن هذا توسل بذات العباس بن عبد المطلب فقالوا : نتوسل بذوات الصالحين

وليس في  هذا الحديث حجة لهم

لم ؟

لأن المراد من هذا التوسل : هو التوسل بدعاء العباس

كيف ؟

لأنه لو كان التوسل بذات العباس لو كان المقصود من هذا : التوسل بذات العباس لكانت ذات النبي عليه الصلاة والسلام بين أيديهم وهي أشرف من ذات العباس ولما احتاجوا إلى أن يقولوا هذا الدعاء

فدل على أن المراد :

هو التوسل بدعاء العباس بن عبد المطلب لا بذاته

 

وأما حديث : (( توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم ))

فهو حديث لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام

فلا يجوز أن تقول : اللهم إني أتوسل إليك بذات النبي عليه الصلاة والسلام

أو :

اللهم إني أتوسل إليك بحق النبي عليه الصلاة والسلام

أو :

اللهم إني أتوسل إليك بحق جبريل

وما شابه هذه الألفاظ فإنها لا تجوز

صحيح أن للنبي جاها عظيما عند الله

لم ؟

لأنه أرفع درجة من موسى ومن عيسى عليهما الصلاة والسلام

والله جل وعلا قال عن موسى :

{ وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }

وقال عن عيسى :

{ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ }

فلهما وجاهة

والنبي عليه الصلاة والسلام أعظم منهما وجاهة عند الله عز وجل

لكن هذا الحديث لا يصح

 

فإذًا :

التوسل المحمود :

هو التوسل بأسماء الله وصفاته

أو

 التوسل بعمل صالح بشرط قام به الداعي

النوع الثالث :

التوسل بدعاء الصالحين لا بذواتهم

 

التوسل بأسماء الله وصفاته

 

 قال ابن القيم في  كتابه بدائع الفوائد :

قال : إن هذا هو أعظم التوسل :

أن تتوسل إلى الله بأفعاله وبصفاته التي هي مدلول أسمائه عز وجل

والأدلة على ذلك :

من كتاب الله ومن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام :

فمن كتاب الله :

قوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }الأعراف 180

من السنة :

كثير :

من بينها :

قوله عليه الصلاة والسلام مرشدا ابنته فاطمة أن تقول عند كل  صباح ومساء:

 (( اللهم يا حي يا قيوم برحمتك ))

ورحمته صفة من صفاته

(( برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ))

وكذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في  مسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهو حديث لابن القيم له تعليق عليه جميل جدا :

وهو قوله عليه الصلاة والسلام :

(( ما أصاب عبداً همٌ ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أَمَتَك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك ، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك ))

هذا هو موضع الشاهد :

أن تتوسل إلى الله جل وعلا بجميع أسمائه المنزلة في كتبه أو التي استأثر بعلمها عز وجل

((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ،أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرحاً، قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال: بلى ، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن . ))

 

لابن القيم رحمة الله عليه تعليق  جميل حول هذا الحديث في بيان هذا التوسل المحمود العظيم الذي هو أرفع درجات التوسل إلى الله

نمر عليه إن شاء الله في الدرس القادم