تفسير سورة ( البروج ) الدرس ( 272 )

تفسير سورة ( البروج ) الدرس ( 272 )

مشاهدات: 528

تفسير سورة ( البروج )

الدرس (272 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة البروج….

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}

{ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } أقسم الله بالنجوم.

{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } يعني يوم القيامة. { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يعني أقسم الله بكل شاهد يشهد في يوم القيامة من الملائكة والأنبياء ومن المؤمنين، ويدخل في ذلك ما جاء به الحديث ” من أن الشاهد يوم الجمعة ومشهود يعني يوم القيامة” { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } ويدخل فيه أيضا ما جاء به الحديث “من أنه يوم عرفة

{ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } لماذا أقسم بهذه الأشياء؟ { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } يعني قتل ولعن وعذب أصحاب الأخدود وهي الأخاديد في الأرض تحفر  الحفر فقال تعالى { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } فسر الأخدود { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } يعني في هذه الحفر نار متقدة { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } أنهم واقفون ومشرفون على تعذيب المؤمنين.

{ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } يعني يشهدون عذابهم وتعذيبهم دون رحمة، وهؤلاء هم رؤوساؤهم { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ } يعني ما عابوا عليهم { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } { الْعَزِيزِ } القوي و { الْحَمِيدِ } الذي يحمد على أفعاله، وقد اختلف المفسرون في هؤلاء قيل إنهم هم المجوس، فإن رؤوساء المجوس طلبوا ماذا؟ طلبوا أن تزوج المحارم من المحارم، ومن ثم فإن علماءهم أبوا ذلك، فجرى ما جرى من تعذيبهم، وقيل ولعله هو الأظهر باعتبار ذكر الإيمان من أن هناك طائفتين مؤمنة وكافرة فيما مضى، تلك الطائفة المؤمنة انتصرت على الكفار، وإذا بالكفار أتوا عليهم مرة أخرى فقاتلوهم ففعلوا بهم هذا العذاب فقال تعالى { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

وهؤلاء ملكهم الله لكنهم لم يراعوا هذا الملك والله قادر على أن يزيله منهم

{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فهو مطلع وشهيد ورقيب على كل شيء، ومن ذلك ما فعله هؤلاء { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }.

{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } يعني عذبوا المؤمنين والمؤمنات {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } سبحان الله ما أعظم رحمة الله! عذبوا عباده، ومع ذلك طلب منهم التوبة، فلو تابوا لتاب الله عليهم، فقال الله { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} كرر ذلك وقال { عَذَابُ الْحَرِيقِ } يعني المحرق لشدة ما فعله هؤلاء.  ولذا وهذا الأظهر من أنه يكون لهم في يوم القيامة، وأما ما قيل من أن النار التي أوقدوها في هذه الدنيا رجعت عليهم فأحرقتهم، فمثل هذا يحتاج فيه إلى دليل صحيح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } هذا فوز كبير لما  صبروا فإن الله سيجازيهم هذا الجزاء أما من تجبر فكما قال تعالى { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }.

{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}

{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } أتت هذه الآية من باب ماذا؟ من باب تخويف  كفار قريش { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ } يعني إن عقابه { لَشَدِيدٌ }.

{ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } يبدئ الخلق ثم يعيده، ومن ثم لم يذكر المفعول أطلق، قال { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ } يعني هو لا غيره يعني ليس غيره { هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } لم يأت بالمعمول من باب أن يعم ماذا؟ الخلق والتعذيب وما شابه ذلك مما أراده عز وجل.

{ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } سبحان الله! ذكر { الْوَدُودُ } بعد { الْغَفُورُ } يدل على ماذا؟ على أن من تاب غفر الله له فأحبه الله وهو الغفور.

{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } يعني من له العظمة، وهذا على هذه القراءة يكون هذا ماذا؟ يكون راجعا إلى الله، وفي قراءة { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ } يكون هذا وصفا للعرش.

{ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ }ما يريده الله فإنه يفعله.

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ } هل أتاك يا محمد حديث الجنود ثم فسر هؤلاء  الجنود { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } وإنما نص على فرعون، وعلى ثمود؛ لأن عقاب هاتين الطائفتين قد اشتهر في العرب قلت نعم هو كذلك، وأيضا والعلم عند الله من باب الإضافة من أن فرعون آخر أمة استئصلت بالعذاب، ولأن ثمود هي قريبة من ماذا؟ من العرب، وذلك لأنها في جزيرة العرب في طريقهم إلى الشام.

{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ } يعني أن هؤلاء في ماذا؟ { فِي تَكْذِيبٍ } قد انغرقوا في تكذيب، فكفار قريش ومن سبقهم في تكذيب يعني في عناد.

{ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ } قد أحاط بهم عز وجل كما قال تعالى { وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } فالله سيحصي عليهم أعمالهم، وسيجازيهم على ذلك.

{ بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ } عظيم، ولذا مر معنا في قوله تعالى { ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ } سبحان الله قال هنا { بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ } لما سمى الله نفسه بأنه مجيد ذكر هنا من أن القرآن وهو كلامه مجيد.

{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } يعني هذا القرآن في اللوح المحفوظ محفوظ من  التغيير والتبديل والزيادة { فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ، وفي قراءة سبعية {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٌ} يعود إلى ماذا؟ يعود إلى القرآن، وهذا يدل عليه قوله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.