تفسير سورة البقرة الدرس ( 11 ) [ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا … الآية ( 10 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 11 ) [ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا … الآية ( 10 )]

مشاهدات: 499

تفسير سورة البقرة ـ الدرس الحادي عشر

قوله تعالى :

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

فمازالت الآيات تتحدث عن صفات المنافقين :

قال تعالى :

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}

 

من فوائد هذه الآية :

أن فيها ردا على القدرية

سبق معنا أن القدرية يقولون : إنه مما لا يليق بالله أن يضل عباده ، وأن الضلالة حينما يوقعها في الأرض إنما يوقعها ابن آدم وليس لله في ذلك إرادة أو مشيئة

وهذا صواب أم خطأ ؟

خطأ

ما وجه الرد هنا ؟

وجه الرد :

أنه عز وجل ما ظلم العاصي لما عصى

لم ؟

لأن هذا العاصي  في قلبه خلل

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }

ما الذي أحدثه هذا المرض  ؟

{ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا }

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }

{ بَلْ صلى الله عليه وسلم بِكُفْرِهِمْ }

إذًا :

ما ظلمهم الله عز وجل

 

ومن فوائد هذه الآية :

انك يا ابن آدم بمثابة المملكة

أنت في جسمك في تكوينك مملكة :

تتكون من :

ملك

ووزير

ورعية

في المقام الأول :

الملك

في المقام الثاني :

الوزير

في المقام الثالث  :

الرعية

كيف ؟

الملك هو القلب

الوزير : هو اللسان

الرعية هي الجوارح

ما الأدلة ؟

وما الدليل ؟

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }

النبي صلى الله عليه وسلم قال – كما في الصحيحين – :

(( إلا وإن في الجسد مضغة : إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي  :القلب ))

إذًا :

الملك بجسمك – يا عبد الله – هو القلب

من هو المترجم لهذا القلب ؟

من هو الوزير لهذا القلب ؟

اللسان

ما الدليل ؟

ما جاء عند البيهقي  :

قوله صلى الله عليه وسلم :

(( ليس شيء من الجسد  إلا وهو يشكو ذرب اللسان  )) ( يعني : فحش اللسان )

ولذا :

في الحديث الآخر  :

(( إذا أصبحت الأعضاء  تكفِّر اللسان ( تخضعه ) تقول : اتق الله قنا فإنما نحن بك : إن استقمتَ استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا ))

إذًا :

أعظم ما يصيب المملكة :

أن يصاب من ؟

ملكها

لأن الملك إذا صلح صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية

وكما يقال قديما :

الناس على دين ملوكهم

ثم يلي ذلك في  درجة الفساد أو الإفساد في الضرر :

اللسان :

لأن اللسان يغرف ما في القلب

يترجم لما في القلب

ولذلك :

النبي صلى الله عليه وسلم لما قال معاذ  : (( أنحن مآخذون بما نتكلم ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يُكبُ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! ))

 

ولذلك :

أبو بكر رضي الله عنه كان يمسك بلسانه

 ويقول : هذا الذي أوردني الموارد

ويلي ذلك من حيث الضرر في الفساد :

الأعضاء

ما الدليل على أن الرعية تؤثر في الملك ؟

لكن التأثير البالغ : أن يكون من الملك على الرعية

لكن :

كون الرعية تفسد فإنه يسري هذا الفساد إلى القلب

الدليل : أن النبي صلى الله عليه وسلم :

قال – كما عند الترمذي – :

(( إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت فيه نكتة سوداء فإذا تاب واستغفر صقل منها ))

( مثل المرآة إذا أتى عليها الغبار وتمسحها تصفو ) كذلك القلب (( فإن زاد زادت حتى يُغلَّف بها قلبه فذلك الران الذي ذكره عز وجل : { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين14

 

ومن فوائد هذه الآية :

أنه ذكر جل وعلا أحد نوعي المرض :

المرض في كتاب الله على نوعين :

مرض  شهوة

ومرض شبهة

وأعظم هذين المرضين : مرض الشبهة

المذكور هنا : هو مرض  الشبهة

ما هو مرض الشهوة  ؟

في قوله عز وجل :

{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }

يعني  : مرض الشهوة

يعني  : من تخضع بقولها من النساء فإنها بذلك تلين وتجذب قلب من في قلبه شهوة والوقوع في الزنا

وهذان المرضان – كما ذكر ابن القيم رحمه الله – : (( من يسلم منهما ينال الإمامة في الدين ))

الإمامة في الدين تنال بماذا ؟

ذكرنا ذلك

بأمرين :

اليقين

والصبر

ما الذي يفسد اليقين ؟

مرض  الشبهة

ما الذي يفسد الصبر ؟

مرض الشهوة

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن المرض  في اللغة هو : خروج الجسم عن اعتداله

وهذا يصدق هنا :

لأن الذنب ماذا يفعل بالعبد ؟

يخرجه عن ماذا ؟

عن وضعه الحقيقي الذي فطر عليه

يخرجه عن الاستقامة ، وعن الخير

وكذلك يطلق المرض في اللغة على :

 الضعف

لم ؟

لأن الذنب يحدث للعبد ضعفا وخورا في بدنه

ولذلك في  الصحيحين :

من حديث أبي  هريرة في دعاء الاستفتاح : (( وطهرني بالماء والثلج والبرد ))

معلوم :

أن تطهير الوسخ يكون بالماء الحار أبلغ من الماء البارد

لكن :

لماذا ذكر البرد والماء البارد والثلج ؟

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

(( لأن الذنب يحدث في القلب والبدن ضعفا وخورا فناسب أن يذكر هذه الأشياء الباردة من أجل أن تنشط ما أصاب هذا البدن وهذا القلب من هذا الذنب ))

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن على المسلم أن يحذر من الذنوب

لأن الذنوب يسوق بعضها ويورث بعضها بعضا

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا }

{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ }

وعلى العكس من ذلك :

الطاعة تولد الطاعة :

{ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى }

{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } الكهف13

ولذلك :

اخذ  العلماء من مجموع هذه الآيات :

أن من علامات قبول العمل الصالح :

أن يتبع العبد ذلك العمل الصالح بعمل آخر

يعني :

يقولون : من علامات قبول الطاعة في رمضان مثلا انك بعد رمضان تكون في  طاعة الله أحسن مما كنت قبل رمضان في طاعة الله عز وجل

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن القلب إذا أتاه الذنب فتح أبوابه لذنوب أخرى وبالتالي فإنه لا ينتفع بشيء

لا ينتفع بالموعظة

سبحان الله

يعني :

الله عز وجل أنزل هذا القرآن هدى للناس

وقال في أول السورة :

{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2}}

وقال في اوساطها :

{ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }

لكن :

لما لم ينتفعوا  به بسبب ما ألمّ بقلوبهم من هذا المرض فإنهم في  مثل هذه الحال يكون القرآن عليهم وبالا

ولذلك :

يمكن أن يستغرب بعض الناس حينما يقرأ قول الله تعالى :

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } الإسراء82

القرآن يزيد العبد خسارا ؟

نعم

{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ } الحاقة50

{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى }

لم ؟

لأن الآية من القرآن لما تنزل فتستقبل بالرفض  والرد من هؤلاء  فيزدادون بعدا من الله عز وجل فيكون هذا القرآن حسرة عليهم إذا قابلوا الله

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن الله توعد هؤلاء المنافقين بعذاب

صفة هذا العذاب : أليم

أليم : يعني : مؤلم

وفي هذه الآية رد على من زعم من الطوائف الضالة – هناك طوائف ضالة في  القِدَم – يقولون – انظروا إلى عمى البصيرة نسأل الله السلامة والعافية – يقولون : ” إن أهل النار إذا مضت عليهم مدة من الزمن يتكيفون بهذه النار فيصبحون كأنهم منها وهي منهم “

بمعنى :

أن الأمر طبيعي مثل ما تضع جمرة على جمرة أو تضع نارا على نار

حتى ذهب بعضهم من الطوائف : ” إنهم يتلذذون فيما بعد ذلك “

وهذا من الضلال المبين والآيات تدل على أنهم يعذبون عذابا حقيقيا وأنه مؤلم لقوله :

{ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ }

 

ومن فوائد هذه الآية :

أن هذا العذاب سببه :

ما كانوا يفعلونه

ما هو فعلهم ؟

{ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ{10} }

الباء هنا : سببية

يعني  : بسبب كذبهم

وهذا إن دل يدل على أن من صفات المنافقين غير النفاق وغير المراوغة والمخادعة من صفاتهم  : الكذب

فهنا الباء :سببية

لأن الباء في اللغة العربية لها معاني

قد تكون بمعنى ( في ) الظرفية :

مثل قول الله تعالى :

{ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ }

ما معنى : { وَبِاللَّيْلِ }

هل يمكن أن نقول إنها سببية : إنكم تمرون عليهم مصبحين وبسبب الليل ؟

لا يمكن

إذًا  : هنا للظرفية :

ولها معاني  أخرى :

مثل:

 المصاحبة

والمعية

تقول : بعت الثوب بنقوشه

يعني  : بعت الثوب مع نقوشه

فاللغة العربية مفيدة جدا في فهم كلام الله عز وجل

هذه جملة من الفوائد التي  تتعلق بهذه الآية

نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والسداد