تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 157 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) }
سورة البقرة ( 111 ) / الجزء الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنكمل ما تبقى من فوائد تحت قوله تعالى :
{ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا عنهم : {إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} كان مفرد أم جمع ؟ مفرد ، لم يقل ” كانوا “مع أن السياق يعود إلى جمع أم مفرد ؟
يعود إلى جمع إذ قال : {هُودًا أَوْ نَصَارَى} وهذا نستفيد منه فائدة وهي أن كلمة { مَنْ } الموجودة هنا {إِلَّا مَنْ كَانَ } هذه اسم موصول والأسماء الموصولة تفيد العموم كما أن أسماء الشرط تفيد العموم
ولذلك هنا أفرد { كَانَ } باعتبار لفظة { مَنْ } لفظة { مَنْ } هنا مفرد لكن من حيث المعنى عام فجمع اليهود والنصارى
مثلها مثل أسماء الشرط يتضح هذا بمثال واضح :
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9} }
{ مَن } : مفرد { يُؤْمِنْ } : مفرد { يعمل } : مفرد { خَالِدِينَ } : جمع هنا باعتبار معنى ” من ” الذي هو اسم الشرط
وهذا من التفنن في السياق بحيث يعطي قارئ القرآن أسلوبا آخر فيكون في هذا تفنن في الأسلوب وأيضا يستحضر المسلم حينما يحضر ويكون قلبه حاضرا ، لم كانت هذه مفردة وتلك جمعا ؟
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن اليهود يؤمنون بأن هناك جنة لكن الإيمان الذي يعرى من العمل لا خير فيه ، ولذلك من كان من المسلمين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام يتمنى المطالب الرفيعة العالية في الآخرة مع عدم العمل ففيه شبه باليهود وبالنصارى
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن الله كذبهم قال : {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن من ادعى شيئا فعليه بالدليل يعني من ادعى ثبوت شيء فعليه بالدليل
كذلك من ادعى نفي شيء فعليه الدليل ، وهنا في مثل هذه الآية فيه فائدة وهي : أن من أثبت شيئا وهذا شيء مشهور أن من أثبت شيئا فيلزمه أن يقيم الدليل ، كذلك من نفى شيئا فيلزم بالدليل
لو قيل ما الدليل على هذه الفائدة ؟ هنا
هم نفوا : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} فماذا قال عز وجل : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل عدل هو جل وعلا مع أنه الحكيم العليم القاهر ومع ذلك تنزل معهم في الخصام وفي الجدال {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يتنزل معهم {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وإلا فهو سبحانه غير محتاج إلى أن يقول لهؤلاء : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : {قُلْ هَاتُوا} أمر ، وليعلم أن الأصل في الأمر في اللغة العربية هو طلب الفعل من الأعلى إلى الأدنى الذي يأمر من ؟ الأعلى
هو طلب فعل الشيء من الأعلى إلى الأدنى على وجه الإلزام
هنا : قال عز وجل : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} هذا هو الأصل من حيث الأمر لكن قد يخرج الأمر عن معناه ، قال هنا : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أيستطيعون أن يأتوا بالبرهان ؟ لا إذن الأمر هنا للتحدي والتعجيز كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي في الصحيحين : (( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة )) الأمر هنا للتعجيز والتحدي كما أن الأمر قد يأتي للتهديد : {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ليس معنى هذا أن الإنسان له المشيئة أن يكفر
وإنما قال هنا : {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هنا الأمر للتهديد
ولذلك لو مر معك صيغة أمر في كتاب الله أو في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام فتأمل فيها ، وكذلك الشأن في النهي
مثلا : قوله تعالى : {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} هنا صيغة أمر أيأمر المخلوق خالقه ؟ تعالى الله عن ذلك ، هنا ليس بأمر هنا دعاء ، هنا صيغة أمر يراد منها الدعاء ، قد يراد من ذلك الالتماس يعني الطلب المصحوب بالتلطف والعطف كما لو قلت لصاحب لك في نفس الصف مثلا أعطني القلم
تلتمس منه ، أنت لا تأمره ولكن أنت تقول أعطني القلم هنا من باب الالتماس ، فيه صيغ متعددة يخرج بها الأمر عن أصله ، ولذا على المسلم إذا قرأ كلام الله أو سنة النبي عليه الصلاة والسلام فليتمعن في هذا ،
الشأن فيه كالشأن في النهي
مثلا :{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }
أينهى العبد ربه ؟ لا ، تعالى الله ، هنا دعاء ، وعلى هذا فقس
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وهل صدقوا ؟ الجواب : لا
ما الذي أدرانا أنهم كذبة ؟ لسان حالهم ، فإنه لو كان عندهم برهان ودليل ما توانوا في الإتيان به بل أتوا به فدل هذا على أنهم كذبة ، وهذا هو شأن اليهود والنصارى