تفسير سورة البقرة الدرس 174 { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا } الآية 119 ـ الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس 174 { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا } الآية 119 ـ الجزء الأول

مشاهدات: 468

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 119 ) / الجزء الأول

قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول الله عز وجل { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن هذه الآية فيها رد على ما زعموه فيما مضى من تكذيب النبي عليه الصلاة والسلام  فجاء الرد هنا مؤكدا ب ” إنَّ ” و ” إنَّ ” من أدوات التوكيد ، فهو توكيد من أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام وأن إرساله حق وهذا تسلية له عليه الصلاة والسلام ليخفف عنه بل إن التسلية سبقت هذه الآية لما قال عز وجل { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } يعني هذا القول الذي صدر منهم لك يا محمد فقد صدر ممن سبقهم تجاه رسلهم والآيات في هذا كثيرة لأن من يرى غيره ممن وقع في مصيبة أو فيما يشابهها يخف عليه ، يخف عليه الأمر لكن لتعلموا : أن التسلي مفيد ، مفيد لمن أصيب ، فإذا كانت المصيبة على شخص وحده فإنها عظمى لكن تلك المصيبة لو وقعت لأكثر من شخص فإن الأمر يهون عليه إلا في شيء واحد وهو عذاب جهنم ، أهلها لا يتسلى أحدهم بأحد قال عز وجل { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } يشتركون في العذاب لكل منهم عذاب يخصه ، مع وجود هذا العذاب الذي بهم وعددهم كثير بل هم أكثر الخلق أكثر الخلق نسأل الله السلامة والعافية ضالون      { وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } مع هذا كله لا يوجد روح التسلي عندهم لشدة العذاب ،  ولذلك قال تعالى  { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } حتى روح التسلي لا تحصل لكم

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } دليل على ماذا ؟ دليل على إثبات رسالة النبي عليه الصلاة والسلام وأنه رسول وهذه الكلمة يرد بها على من كذبه مما سبق ممن كذبوه في الآية السابقة ، أيضا يرد بها على من لم يجعله رسولا بل رفعه إلى مقام الإله عز وجل كمن غالى فيه ، أولئك جفوا فيه ، من سبق في الآية الأولى جفوا فيه وكذبوه ، هناك من غالى فيه ورفعه فوق منزلته ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )

لذلك الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب يقول هو : ” عبد لا يعبد ورسول لا يكذب “

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } هل ذكر المرسل إليهم ؟هل ذكر قوما معينين ؟

عام ، فدل هذا على أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام عامة لجميع الخلق أما من سواه من الأنبياء فرسالتهم مخصوصة لقومهم

وهنا لم يذكر المرسل إليهم والنصوص في هذا كثيرة  { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا }

على وجه العموم ، بل خصص على وجهه العموم { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } وجه الخطاب للعرب ولأهل الكتاب

{ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } فدل هذا على عموم رسالته عليه الصلاة والسلام  ، وإرساله عليه الصلاة والسلام رحمة كما أنه أرسل بالحق هو أرسل رحمة قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }

من هم العالمون هنا ؟ قال بعض المفسرين كابن زيد قال هم المؤمنون خاصة ، والصواب أنه عليه الصلاة والسلام رحمة للجميع

للمؤمن وللكافر ، كيف ؟ قال ابن القيم كما في التفسير القيم قال هو رحمة للعالمين كلهم من وجهين : إما أن يكون الوجه الأول أنه رحمة عليه الصلاة والسلام للكافرين الذين قتلوا من أجل ألا تطول أعمارهم فيكثر تكذيبهم وكفرهم فيزدادون عذابا والعذاب لا يقع على الكفر فقط ، لا ، بل يقع على أعمال أخرى { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } قال وهناك كفار معاهدون بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم فهم حموا أنفسهم وأموالهم ، قال وهناك منافقون حمتهم كلمة الإسلام ظاهرا ، إذن هو رحمة عليه الصلاة والسلام حتى للكفار ، أو الوجه الثاني هو رحمة من حيث الأصل لكن هناك من لم ينتفع بهذه الرحمة مثل الدواء هناك من يشرب إذا كان مريضا فيشفى وهناك من هو مريض ويرى الدواء ولا يقرب منه بل إن بعض العلماء شبه ذلك من أن هناك عينا عذبة أجراها الله فهناك من استقى منها واستفاد منها وهناك من ظل على ما هو عليه وهي ماء عذبة ، كون هؤلاء لم يأتوا إلى هذه العين أهناك خلل في هذه العين ؟ لا ، العين هي العين عذبة وخيرة وطيبة

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ } ما هو الحق ؟ هو الشيء الثابت المستقر بخلاف الباطل فإنه يضمحل { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ }

حق في ماذا ؟ الحق يتضمن الصدق والعدل ، الحق في هذا الشرع في هذا الدين يتضمن الصدق والعدل ، الصدق في الأخبار فيما يخبر عنه ، العدل في الأحكام فيما يأمر وفيما ينهى عنه { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا }

صدقا في ماذا ؟ في أخباره ، عدلا في أحكامه ولذلك قضاؤه جل وعلا عدل ، في حديث ابن مسعود في مسند الإمام أحمد ( اللهم إني عبدك ابن عبدك ) الدعاء الذي يزيل الهم ( عدل في قضاؤك )

ولذلك نقول في الدعاء ( وقني شر ما قضيت ) ولم يقل وقني شر قضائك لأن قضاء الله خير ، الله عز وجل لا يقضي شيئا إلا وهو خير

انتبه : ما تراه مما لا يلائم البشر ففعله جل وعلا وقضاؤه وقدره خير

إما خير محض أو خير باعتبار آخر ، لكن الشر في المقضي الشر في  المفعول الشر في المخلوق ، أما فعله جل وعلا فلا ، ولذلك لا ينسب إليه الشر تأدبا كما عند مسلم حديث علي رضي الله عنه ( الشر ليس إليك ) فالشر لا ينسب إليه ، فالشر لا ينسب إليه جل وعلا تأدبا معه عز وجل

لكن الشر من خلقه ؟ الله { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } لكنه شر باعتبار المخلوق لكنه باعتبار فعل الله خير ، ولذلك يضل من يضل في هذا الباب ، بعض الناس لا يفهم ، كل ما أجراه الله في هذا الكون مما يلائم البشر ومما لا يلائمهم كله خير ، المصيبة لما تنزل بشخص هي شر لكنها خير باعتبارات أخرى قد تكون خيرا لهذا الذي أصيب ، قد يكون متجبرا متغطرسا متكبرا فتأتي إليه هذه المصيبة فتجعله متواضعا ، لو لم يتواضع هناك من الطغاة الآخرين إذا رأوا هذا الرجل المتكبر نزلت به المصيبة فصار ضعيفا أو كان به مرض دمر صحته هنا فيه منافع

ولذلك لو قيل لماذا خلق الله إبليس ؟ خلقه جل وعلا لإبليس خير لكنه شر باعتبار المخلوقين لكن له منافع ، لو لم يخلق الله إبليس كما قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية وذكره غيره من أهل العلم لو لم يكن إبليس موجودا لما تميز المؤمن من غير المؤمن ، لما وجد جهاد في سبيل الله ، لما وجد أمر بالمعروف ولما وجد نهي عن المنكر

فانتبه كل ما خلقه الله عز وجل فعله خير قضاؤه خير قدره خير ، الشر في المقضي ، الشر في المقضي

أعطيكم مثالا آخر : تصور لو أن أبا له طفل مريض قالوا إن علاجه بالكي أن يكوى بالنار من أجل أن يتعافى ، هذا الأب الذي كوى ابنه ، الكي الكي خير لأنه يراد به الشفاء لكنه بالنسبة إلى الذي كوي شر ، فهذا في شأن المخلوق فكيف بالخالق عز وجل فتنبه { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } قضاء الله خير ، قدره خير ، لكن الشر في ماذا ؟ في المقضي في المفعول في المخلوق

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ }  الباء هنا وهذه هي فائدة اللغة العربية إما أن تكون للملابسة أو تكون للمصاحبة ، ما هي مجرد فقط معلومة تتلقاها ، يعني علوم الآلة مثل النحو مثل مصطلح الحديث مثل أصول الفقه ما هي مجرد معلومة فقط ، وإنما تطبقها تقريب لأن تفهم العلم الشرعي

فالباء هنا إما للملابسة وإما للمصاحبة ، فإن كانت للملابسة يعني أرسلناك لكونك متلبسا بالحق ، إن كانت للمصاحبة رسالتك وهو الوحي رسالتك التي جئت بها متضمنة للحق ، وكلا المعنيين حق ، فمجيئه عليه الصلاة والسلام مرسلا من ربه حق ، ورسالته وشريعته حق .