تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 122 )
قوله تعالى : { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنفسر في هذه الليلة قول الله عز وجل :
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
هذه الآية سبق وأن ذكرنا ما يتعلق بها لأن الله عز وجل ثنى بذكرها من باب تذكير هؤلاء اليهود إلى تلك النعم التي أنعم الله عز وجل بها على أجدادنا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا ههنا { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } إسرائيل : من هو ؟ هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إذن هو نبي من سلالة أنبياء ، وأضافهم إليه لتذكيرهؤلاء اليهود بأن ما شرف به إسرائيل جدير بهم بل واجب ومحتم عليهم أن يقتدوا به إذ شرف عليه السلام بتلك النبوة فعلى من هم من سلالته أن يكونوا سائرين على دربه ؛ لأنه من العيب فيما يخص الدين أن يكون أصل الأسرة أن يكون أصلا خيرا إما في الديانة وإما في العلم ثم إذا بشخص ممن أتى من سلالة هذه الأسرة أن يكون على خلاف ما كان عليه أجداده من الحق وليس معنى ذلك على وجه الإطلاق أن يتبع الأجداد ، لا
ولذلك في الصحيحين أبو طالب خسر باتباعه ملة أجداده قال ( هو على ملة عبد المطلب ) وأبى أن يقول لا إله إلا الله
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل أمرهم بقوله { اذْكُرُوا } وضد الذكر : النسيان ، فلا يليق بمن أنعم الله عليه أن ينسى هذه النعمة ولكن كيف يتأتى أن تذكر هذه النعمة ؟ بشكرها والذكر هنا أخصصه الله بشيء ؟ هل قال اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم بألسنتكم ؟ بأعمالكم ؟ بجوارحكم ؟ بقلوبكم ؟
لم يحدد ، وقاعدة في التفسير وفي اللغة : حذف المعمول يدل على العموم
إذن عندنا فعل الذي هو العامل لابد له من معمول من مفعول إذا كان هذا المفعول حذف فاعلم بأن النص عام
إذن { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }
مثال آخر : قوله تعالى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } أحصرتم بماذا ؟ يعني متى تتحلل ؟ متى يجوز لك أن تخرج من إحرامك ؟
لا يجوز أن تخرج من إحرامك إلا بواحد من ثلاثة أمور :
إما أن تفرغ من النسك ، وإما أن تكون استثنيت فقلت عند إحرامك إن حبسني حابس فمحلني حيث حبستني ، وإما أن تحصر ، تحصر بماذا ؟ قال { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } هل قال احصرتم بعدو أحصرتم بضياع نفقة ؟ بأي نوع من أنواع الإحصار لم يخصص
قوله عز وجل { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } يعني وأنت تصلي خفت تصلي صلاة الخائف خفت من عدو خفت من سبع خفت من كافر في قتال خفت مثلا من فوات الوقوف بعرفة فتصلي صلاة الخوف وأنت في سيارتك على حسب ما تستطيع { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } إذن هذه قاعدة تنطلق من خلالها
هنا : ماذا قال { اذْكُرُوا } فدل على أن المقصود أن يذكروا الله بألسنتهم وبقلوبهم وبأعمالهم حتى يتحقق لهم الشكر والشكر لا يتحقق إلا بثلاثة أركان أن تشكر الله بلسانك ، أن تشكر الله بقلبك ، أن تشكر الله بجوارحك
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا { نِعْمَتِيَ } أي نعمة أنعم بها على بني إسرائيل ؟ مذكورة في القرآن { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى }
{ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ }
كثير ، ونعم دينية ودنيوية جمعها الله في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ } هذه نعمة الدين { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } نعمة الدنيا
لكن لو قال قائل هؤلاء المخاطبون من هم ؟
هم الذين في عصر النبي عليه الصلاة والسلام فلماذا خوطبوا بأشياء لم تحصل لهم ؟
فالجواب : أن ما ظفر به الأجداد وشرفوا به يشرف به الأحفاد
ولذلك في نصوص كثيرة لما لم يؤمن هؤلاء بالنبي عليه الصلاة والسلام وبشرعه ذكرهم بما فعله بعض أسلافهم من البغي والعدوان والصدود مع موسى عليه السلام لأنهم التقوا في نفس الطريق
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
بيان محض فضل الله عز وجل ، فتلك النعم لم يظفروا بها من حولهم ومن قوتهم ، الله هو المعطي { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }
ولو نظرت إلى الواقع وجدت أن هناك من الأذكياء العباقرة ما لا يتحصل على متع الدنيا إلا ما تيسر منها بينما هناك أناس ناقصوا العقل والفهم ومع ذلك يملكون لأن الله قدر ذلك فليس هذا بحولك ولا بقوتك
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا { نِعْمَتِيَ } نعمة واحدة ؟ لا ، المفرد إذا أضيف إلى معرفة يدل على العموم اقرأ قوله تعالى { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ } هنا مفردة من حيث اللفظ مفردة لكنها أضيفت إلى اسم الله الله فصارت عامة بدليل ما بعدها { لَا تُحْصُوهَا } لو كانت واحدة تحصى { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن الله فضل بني إسرائيل على العالمين ، لكن من هم بنو إسرائيل الذين فضلوا ؟ هم وقلنا إن هذا وصف لأجدادهم هم من كان على شريعة الله قبل التحريف
ولذلك لما كانوا على الخير والهدى { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا }
{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } فلما كانوا صالحين إذ تمسكوا بشريعة موسى على الوجه الصحيح هنا ورثوا الأرض لكن لما تركوها وأتت هذه الذرية في عصر النبي عليه الصلاة والسلامهنا هم ليسوا على خير ، ولن يرثوا شيئا ؛ لأنه يجب أن يؤمن هؤلاء بالنبي عليه الصلاة والسلام وإلا ما آمنوا
ولذلك في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أهل النار )
ولكن لو قال قائل إذا كان هؤلاء فضلوا على العالمين فأين أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟ أهم أفضل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام ؟
الجواب : لا ، المقصود بالعالمين عالم زمانهم في وقتهم فقط
لو قالوا كيف تخصصون شيئا عاما ؟
فالجواب من أوجه :
أولا : أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام لما فضل بنو إسرائيل على العالمين أهي موجودة آنذاك؟ الجواب لا ، إذن الذي لا يوجد ليس بشيء فكيف يحصل فضل أو فاضل ومفضول على شيء لم يوجد
ثانيا : الله عز وجل بيَّن أن هذه الأمة هي أفضل الأمم { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ما الذي بعدها ؟ { وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ }
إذن الأفضلية لأمة محمد عليه الصلاة والسلام فمن في عصره عليه الصلاة والسلام من أهل الكتاب لو آمنوا لكان خيرا لهم ولم يدخلوا في هذا التفضيل لكن لو آمنوا دخلوا من ضمن الأمة ، ولذلك قال { كُنْتُمْ } إما أن يكون هذا في علم الله أو في اللوح المحفوظ ليس معنى ذلك أن هذا الأمر انتهى ، لا ، هو بين جل وعلا أن هذه الأمة من حيث علمه أو كتابته في اللوح المحفوظ أنها هي أفضل الأمم أو وهو قول آخر الكاف زائدة يعني أنتم خير أمة ، كما قال عز وجل { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ } ، أين الكاف ؟ غير موجودة ، بدليل ما جاء في سنن الترمذي وابن ماجه قال عليه الصلاة والسلام يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام كما أنه خاتم الأنبياء فأمته هي خاتمة الأمم وشرفت بذلك إن أتوا بالصفات المذكورة في القرآن { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } قال ( إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) إما أن يكون السبعين تحديدا ، وإما أن يكون للتكثير ، يعني فأمة محمد عليه الصلاة والسلام أفضل الأمم
ثالثا : من الأدلة ليست كل كلمة العالمين في القرآن تدل على العموم قوله عز وجل { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هذه تدل على العموم لأن الله رب للعالمين جميعهم ، فكل من سوى الله فهو عالم ، وهذا قد يقولون هذا هو دليلنا ، ما الذي جعلكم تميزون أو تخصصون ؟ قلنا الأدلة السابقة كافية
لكن أيضا قوله عز وجل { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } من هم العالمون هنا ؟ الجن والإنس
قوله عز وجل في شأن قوم لوط { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ }
من هم العالمون هنا ؟ الجن والإنس ؟ لا ، الإنس
فإذن ليست كلمة العالمين عامة على سبيل الإطلاق .