تفسير سورة البقرة الدرس 184( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) الآية ـ 124 ـ الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس 184( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) الآية ـ 124 ـ الجزء الأول

مشاهدات: 447

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 124 ) ــ الجزء الأول

قوله تعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قوله تعالى :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة:124]

من الفوائد تحت هذه الآية :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذه الآية ذكرت بعدما ذكّر الله عز وجل أهل الكتاب بتلك النعم التي أنعم الله بها عليهم ، ومن أعظم تلك النعم هي النعم الدينية إذ أعطاهم الله هذا الكتاب ، وأشار فيما مضى إلى أنهم من سلالة من ؟ من سلالة يعقوب عليه السلام ، ويعقوب جده إبراهيم فناسب هنا أن يذكرهم بحال إبراهيم الذي تحرص كل أمة أن تنتسب إليه ، ولذلك قال عز وجل لما ادعت اليهود والنصارى ما ادعته من أنها على ملة إبراهيم لأن ما يفعلونه خلاف ما كان يفعله إبراهيم عليه السلام { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

ولذلك ماذا قال عز وجل { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فما أسهل الكلام ! ما أسهل الادعاءات والأمنيات ! لكن من قال قولا فليبرهن على صحة ما يقوله بالفعل

ولذلك : إذا لم يصحب القول عمل صار ذلك القول وبالا على صاحبه ولاسيما فيما يتعلق بالدين ، ولذلك لماذا غضب الله على اليهود ؟

لأنه عندهم علم من الكتاب ، ولذلك قال بعض السلف قال من ضل من علماء المسلمين ففيه شبه باليهود ، ومن ضل من عباد المسلمين ففيه شبه بالنصارى ؛ لأن أولئك اليهود عندهم علم فلم يعبدوا الله ، النصارى عبدوا الله من غير علم فزادوا في تلك العبادة ببدع ورهبانية ما أنزل الله بها من سلطان

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ }

قاعدة : إذا أتتك ” إذ ” فاعلم بأنها متضمنة فعلا ذلكم الفعل مقدر ، وذلكم المقدر لفظه ” اذكر ” يعني اذكر إذ ابتلى يعني اذكر يا محمد لهؤلاء اليهود في عصرك ممن يزعم أنهم على هدى من هؤلاء أهل الكتاب اذكر لهم حال إبراهيم عليه السلام ، فإن كانوا صادقين فيما يدعونه فليتبعوا إبراهيم

فإذن كلمة ” إذ ” تتضمن فعلا لفظه اذكر ، لو قال قائل أين الدليل ؟

نقول :  الدليل من كتاب الله ذكره عز وجل في بعض الآيات { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ } انظر كلمة { إِذْ } سبقها فعل { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ } { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ }

فتأتي هذه الكلمة ، سبحان الله ! قد يقول قائل ما الفائدة ؟ الفائدة أن هذه اللفظة كلمة ( إذ ) فتضمنت هذا الفعل هي تحمل معنى ، الألفاظ العربية تحمل معاني ، ما هي ألفاظ خالية من المعاني أو مجردة ، لا ، فإذا أتتك كلمة ” إذ ” فاعلم بأنها تحمل معنى التذكير

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أن كلمة ” إذ ” تختلف عن كلمة ” إذا ”  [ إذ ] للماضي [ إذا ] للمستقبل

فإن أتت في النصوص في الأصل فكلمة ” إذ ” تدل على أمر مضى إذا أتتك كلمة ” إذا ” تدل على أمر سيأتي هذا هو من حيث الأصل ، قد تخرج على حسب السياق لكن الأصل هكذا ، وإن نسيت هذه المعلومة فتذكر قوله تعالى { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) } اختلف ، قال في الليل { إِذْ } قال في الصبح { إِذَا } لأنه سيقبل في المستقبل الليل مضى { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) }

لو قال قائل ما الفائدة ؟ فائدة عظمى حتى فيما يتعلق بالتوحيد ، لو أتانا آت من هؤلاء القبورين الصوفية ونحوهم وقالوا : من أذنب منا ذنبا فليأت إلى النبي عليه الصلاة والسلام عند قبره وليستغفر له ، لو قيل لهم ما دليلكم ؟ وهم يقولون بهذا وهذه شبهة ترمى لكن ليتفطن إليها ، القرآن نزل بلغة العرب { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا } هم يقولون الآية تقول { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا } نقول لهم هل قال [ إذا ] ؟ قال [ إذ ] فيما مضى في حياته ولذلك المنافقون لما فعلوا ما فعلوا وعرضت عليهم التوبة { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ }

إذن هذا في الماضي لأن من يفعل هذا الأمر ويأتي إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الزمن ويأتي إليه ويطلب منه هذا شرك بالله عز وجل ، ولذلك الصحابة سبحان الله ! ما كان للشيطان فيهم مطمع رضي الله عنهم ، كانت حجرة عائشة رضي الله عنها مفتوحة وبإمكانهم أن يدخلوها بالليل وبالنهار ، وأن يأتوا إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يؤثر عن أحد منهم أنه أتى إلى قبره ليدعو الله ، فكيف يدعو رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ ما كان للشيطان فيهم مطمع

الآن وبينهم وبينه حواجز يصرفون له العبادة من دون الله

وليس معنى هذا أن في هذا تقليلا لشأن النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم يقولون أنتم تقللون من شأن النبي عليه الصلاة والسلام ، لا والله ، بل نحن نسير ونتبع حيثما  أمر به عليه الصلاة والسلام ألم يقل في الصحيحين     ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا )

ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام ( لا عقر في الإسلام ) يعني لا ذبح عند القبور

ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( لا تطروني ) يعني لا تبالغوا في مدحي ( كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله )

من أراد أن يرضى عنه الله ويرضى عنه رسوله عليه الصلاة والسلام فليجعل محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فليجعله عبدا ورسولا ،

لا تزد ، ولذلك أتت كلمة عبد من أجل أن يرد بها على من غالى فيه فرفعه إلى منزلة الإله ،  وأتى بكلمة الرسول للرد على من تنقص في جنب النبي عليه الصلاة والسلام وفي حقه ، وسط ، ولذلك انظر ذكرت العبودية عن النبي عليه الصلاة والسلام في أشرف المقامات :

على أنه عبد يعني لا يعطى شيئا من خصوصيات ومن خصائص الله ، لا

في مقام الإسراء مقام عظيم ، ومع ذلك ماذا قال { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }

في مقام المعراج { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }

في مقام تنزيل الكتاب { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }

في مقام الدعوة { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }

انظر ليرد على هؤلاء مع أنها مقامات عظيمة له عليه الصلاة والسلام إلا أن الله عز وجل وصفه بالعبودية هنا ، سبحان الله ! ولذلك في الصحيحين في حديث الشفاعة لما يأتي ويضيق بهم الحال وتدنى الشمس من الرؤوس مقدار ميل ، ويريدون أن يشفع أحد لهم عند الله ليفصل بينهم في القضاء يذهبون إلى من ؟ إلى نوح ويقولون أنت أول رسل الله إلى أهل الأرض ثم يأتون إلى إبراهيم  ، ثم يأتون إلى موسى ، ثم يأتون إلى عيسى ، كل يقول ( نفسي نفسي )

سبحان الله ! عيسى ماذا قال ؟ قال ( اذهبوا إلى محمد فإنه عبد )

أليس عيسى عبدا ؟ أليس نوح عبدا ؟ أليس إبراهيم عبدا ؟

القرآن ذكر ذلك ، لكن العبودية لها مقام لكن النبي عليه الصلاة والسلام بلغ أعظم المقامات في العبودية قال ( اذهبوا إلى محمد فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتي عليه الصلاة والسلام ويسجد ويفتح الله عليه بمحامد ثم يقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع )

ما يشفع مباشرة لابد من الإذن إذن الله

فانظر لما يأتي بعض الصوفية أو بعض أهل القبور يقولون أنتم تجحفون في حق النبي عليه الصلاة والسلام ، لا ، ما قاله عليه الصلاة والسلام فنحن نقوله ونتبعه

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل هنا { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ } الابتلاء هو الاختبار والامتحان

لو قال قائل : أهو جل وعلا محتاج إلى أن يبتلي إبراهيم بهذا الابتلاء وبهذا الاختبار حتى يعلم حاله ؟ الجواب لا، الله عالم بكل شيء

وإنما ابتلاء يترتب عليه جزاء وحساب فقبط ، وإلا فهو عالم ، ولذلك قوله تعالى { إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } هو عالم جل وعلا لكن يريد بذلك علما يترتب عليه الجزاء والحساب من باب إقامة الحجة على عباده ، ولذلك في صحيح مسلم ( لما يؤتى بالعبد لما تشهد عليه الملائكة ويقول لقد ظلمت يارب، ما كتبوا غير صحيح فيختم على فيه ويقال لجوارحه انطقي فتنطق عليه بما فعل وبما صنع )