تفسير سورة البقرة الدرس ( 28 ) [ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم .. الآية ( 33 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 28 ) [ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم .. الآية ( 33 )]

مشاهدات: 477

تفسير سورة البقرة (28 )

تفسير قوله تعالى :

{قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } البقرة33

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توقفنا عند تفسير قول الله عز وجل :

{قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }البقرة33

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إثبات صفة الكلام لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته

وهي صفة كمال

لأن من لا يتكلم هو الأخرس والخرس صفة نقص  وليست صفة كمال

وبالتالي فإنه يرد على من قال : إن الله يتكلم بكلام نفسي

 

فيقال لهم : الأخرس يتكلم بكلام نفسي فإنه يحمل في قلبه معاني لكنه  لا ينطق بها

فلا يجعلكم في مأمن من هذا المحظور

وبالتالي :

فإن النجاة أن تقولوا :

إن الله عز وجل يتكلم بكلام له حروف  ومعاني ويسمع ويتكلم جل وعلا متى شاء وبما شاء

وهذه الصفة وهي صفة الكلام وقع فيها خلاف بين الطوائف التي ضلت

إذ ضل في صفة الكلام ثماني  طوائف ولم تنج إلا طائفة وهم أهل السنة والجماعة :

قالوا :

إن الله عز وجل يتكلم بكلام له حروف ومعاني وبصوت ويسمع

متى شاء وكيفما شاء

 

ولأن صفة الكلام صفة ذاتية وصفة فعلية ، ولم يزل من حيث الأزل متكلما عز وجل  ولا يزال ولكن متى شاء

فهي صفة ذاتية لأن إثباتها من حيث الأزل كمال

ثم هو يتكلم متى شاء

فإنه لما شاء أن يتكلم مع الملائكة تكلم مع الملائكة

 

لما شاء أن  يتكلم مع آدم تكلم مع آدم

 

ولأنهم لما قاسوا الله عز وجل بخلقه تورطوا :

 

فلا يلزم من الكلام أن  يكون له لسان أو شفتان

لا يلزم

الأرض تتحدث {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }الزلزلة4

هل لها لسان  ؟! هل لها شفتان ؟!

الجواب :

لا

ولذا :

من أراد النجاة في باب الأسماء والصفات ، ومن أراد أن يزداد إيمانه فعليه بمعتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات لأنك إذا عرفت أسماء الله وعرفت صفاته وزاد إيمانك بها زادتك قربا لله

ولذلك :

أعظم ما يثنى به على الله ويدعى بها الله :

أسماؤه

((وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

إثبات أحد نوعي الكلام هنا :

لأن الكلام نوعان :

مناجاة                               ومناداة

المناداة :

بصوت عال

المناجاة :

بصوت خفيض

والله عز وجل يتكلم بصوت يسمع إن شاء أن يكون هذا الصوت عاليا فعل

وإن شاء أن يكون خفيضا فعل ، ولكن كلامه عز وجل  ليس كالمخلوقين : ((ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))

((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً))

{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4

وهنا :

إثبات أحد نوعي الكلام لله عز وجل :

ما هو ؟

المناداة

لأنه نادى آدم

((قَالَ يَا آدَمُ )) :

و يا : حرف  نداء

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــ

أن آدم ظهر فضله على الملائكة بالعلم

ولذا :

من أراد أن يكون له فضل ومكانة وقدر عند الله وليس عند المخلوقين فعليه بالعلم

فكلما ازداد علما كلما ازداد قربا من الله

لكن ما هو هذا العلم ؟

حفظ النصوص الشرعية فقط أو ذكر الفوائد ؟

لا

العلم :

هو الخشية  ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء))

فدل على أن العلماء  : هم أهل الخشية

من لم يخش الله فليس بعالم

ولذا :

ما علت منزلة آدم عند الله عز وجل وارتفع بها على الملائكة إلا بماذا ؟؟

إلا بالعلم

والعلم :

هو سبيل العبادة

فدل هذا على ماذا ؟

على أن الإنسان إذا أراد أن يكون عاليا عند الله عز وجل فعليه بعبادته ولا عبادة إلا عن طريق العلم

ولذلك:

الله أمرنا أن نستهديه صراطه المستقيم في كل ركعة

وصراط من ؟

من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين

وقال : ((غير المغضوب عليهم ولا الضالين ))

المغضوب عليهم : هم اليهود

الضالون : هم النصارى

فلماذا ذكرت اليهود والنصارى هنا ؟

لأنهم ضلوا عن الصراط المستقيم :

إما لأنهم علموا ولم يعملوا

أو عملوا ولكن على غير علم

فاليهود علماء ولكن من غير عمل

النصارى ((وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا))

عبادة ولكن من غير علم

ولذا :

لا ترفع لك منزلة عند الله إلا بعبادة الله ، ولا عبادة لله إلا بالعلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان فضل آدم عليه السلام فضلا على فضل

كيف ؟

فاق الملائكة بالعلم

لو أخبرت أحدا منكم بأن شخصا من الناس عالم وأنا ثقة عندكم

فتقولون : هذا عالم

إذاً :

ظهر فضل ذلك الرجل

لكن لما يأتي الشخص وأسألكم سؤالا ولا يجيب عليه إلا هو

هل هناك فرق بين الحالتين ؟

فيه فرق

لو أخبر الله الملائكة بأن آدم فاقهم بالعلم لأذعنوا

وهذا فضل لآدم

لكن لما جعل هذا محل اختبار بعد أن عرض هذه الأسماء ظهر فضل آدم فضلا على فضل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن آدم ما كان له أن يعلم تلك الأسماء إلا بتعليم الله له

ولذلك كما في الآية التي قبلها : ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا))

إذاً :

إن أتاك أي  نوع من أنواع الخير فإنما هوفضل من الله منَّ به عليك

له الفضل في الأولى وفي الآخرة

ولكن الله يمن على من يشاء من عباده

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان علم الله بما غاب وخفي في السموات وفي الأرض

سبحان الله !

السموات السبع وما بينهما

الأرضون السبع

وما فيها

ماذا فيها من الأشياء ؟

لا يمكن أن توصف ولا يمكن أن تعد

ولا يمكن أن تحصى :

من حشرات

من طيور

من بهائم

من زرع

ومع ذلك هو جل وعلا محيط بما يكون في هذه السموات وفي هذه الأرض

وهذه دعوة للعبد :

أن يتأمل  وأن يحذر من أن يقدم على ما يسخط الله

ولذلك :

إذا زاد إيمان الإنسان بالغيب زاد خوفه من الله

فإذا كانت الملائكة مع ما لديهم من القدرة خفي عليهم ما يغيب في السموات وفي الأرض

فإذاً :

ابن آدم مهما بلغ من العلم ومن التقنية ومن ….. ومن …….

فإنه لا يساوي شيئا

وإذا وصل إلى شيء من العلم فإنما هوبفضل من الله عز وجل وكرم منه

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل يعلم كل ما أضمرته قلوب الملائكة وما أظهرته

قال : ((وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ  )):

ما هنا : موصولية بمعنى الذي

والاسم الموصول يفيد العموم

((وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ)) يعني : ما تظهرون

((وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ))

وقوله عز وجل : (( تكتمون ))

 

دليل على أن للملائكة قلوبا

والأدلة كثيرة :

منها :قوله عز وجل :

((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ))

 

وإحاطة علمه عز وجل بكل الموجودات وبكل المعدومات وبكل ما تضمره النفوس وبما تظهره الجوارح تدل عليه نصوص كثيرة :

منها :

قوله عز وجل في سورة تبارك :

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الملك13

 

يعني : أسررت بشيء أو أظهرته فإنه عز وجل عالم بما تحوكه صدروهم

قال عز وجل في سورة الأعلى :

(( إنه يعلم الجهر وما يخفى ))

يعني :

لما تمر هذه الآيات على ابن آدم عليه أن يستحضر عظمة الله عز وجل ويخشى من عقاب الله

 

قوله عز وجل في ألو سورة ” طه ” :

((طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى{3} تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى{4} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{5} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى{6} وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى{7} ))

أخفى من السر :

ولذلك :

هو جل وعلا سمى الغيب سرا

في سورة الفرقان :

((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{5} قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ))

 السر هنا : الغيب

ومما يدل على عجزنا وضعفنا وجهلنا :

أن ما يقع خارج المسجد لا نعلم به مع أنه واقع

هو غيب بالنسبة لنا لكنه لمن حضره خارج المسجد ليس بغيب

لكنه غيب  بالنسبة لنا

مما يدل على ضعف فينا

ولا يقول أحد : إني بلغت من الفهم أو من الحفظ ما أفوق به غيري

لا

ما تجهله أكثر مما تعلمه

ولذلك يقول ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية :

يقول : (( لماذا أمرنا في كل ركعة أن نقول : اهدنا الصراط المستقيم ))

لم مع أن الناس على الصراط المستقيم ؟

من يصلي أليس على الصراط المستقيم ؟

ألم يهد ؟

بلى 

بعض الناس ما شاء الله يصلي الفرائض  ويصلي النوافل وقائم وراكع وساجد لله باللي وبالنهار 

ومع ذلك يقول : {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6

أليس بمُهدى ؟

 

بلى

لكن لماذا يقول في كل ركعة : {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }

 

 قال رحمه الله : لأن ما نجهله أكثر مما نعلمه فحاجتنا إلى تعليم الله أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب لأن الهداية هي العلم

إذا هدي فلان إلى الشيء الذي هو صواب علم به فأصاب

ولذلك :

نطلب الله في كل يوم وليلة نطلبه هداية الصراط المستقيم

كم مرة ؟

كم عندنا من ركعة في اليوم ؟

عندنا خمس صلوات

سبع عشرة ركعة

عندنا سبع عشرة ركعة 

كم السنن الرواتب ؟

ثنتا عشرة ركعة

المجموع : تسع وعشرون ركعة

وصلاة الليل التي كان يحافظ عليها النبي عليه الصلاة والسلام : إحدى عشرة ركعة

المجموع : أربعون ركعة

يقول ابن القيم :

” من طرق الباب في كل يوم أربعين مرة يوشك أن يفتح له “

تصور لو جلست عند باب أحد  وطرقت الباب أربعين مرة في كل يوم يوشك أن يفتح لك

إذاً :

يجب أن نستحضر هذه المعاني حينما نقرأ قوله عز وجل :

{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6

أو حينما نستحضر علم الله الذي أحاط بكل شيء

فإن الملائكة مع أنهم ملائكة ومقربون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون

مع هذا كله خفي عليهم هذا الشيء

فما ظنكم بنا نحن البشر  ؟!

وكل يعرف نفسه

 

يقول ابن القيم :

” من رأى نفسه بعين الازدراء والنقص والجهل ارتفع “

لكن من نظر إلى نفسه بنظرة الكمال فإنه سرعان ما يقع

لأن من يظن أن نفسه بلغ لن يتقدم وإذا به يؤخذ على حين غرة فيقع

لكن من يرى نفسه دائما بعين الجهل وبالنقص وبالتقصير فإنه يزداد حتى يصل إلى ألأعلى المراتب والموفق من وفقه الله