تفسير سورة البقرة الدرس ( 31 ) [ فأزلهما الشيطان عنها .. الآية ( 36 37 38 39 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 31 ) [ فأزلهما الشيطان عنها .. الآية ( 36 37 38 39 )]

مشاهدات: 510

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 31 )

تفسير قوله تعالى :

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } البقرة36

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توقف التفسير عند قوله تعالى :

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } البقرة36

ــــــــــــــ

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة مع حواء أوقعهما الشيطان في الزلة

ما هي الزلة ؟

الخطيئة

((فَأَزَلَّهُمَا ))

يعني : أوقعهما في الذنب

وبمجرد وقوعهما في الذنب أزالهما عن هذا المكان الطيب الذي لا يصلح أن تكون فيه خطيئة ولذلك :

جاءت قراءة سبعية (( فأزالهما الشيطان عنها ))

يعني : نحاهما عن هذه الجنة

وهذا يعطينا دلالة على أن المعصية سبب للحرمان , بل ليست سببا للحرمان فحسب بل إن المعصية سبيل وبريد إلى أن تزيل النعمة فإن آدم وحواء كانا في نعمة فلما وقع ما وقع منهما زالت

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان ضعف ابن آدم ولو بلغ أعلى المقامات

وإذا كان كذلك فعليه أن يعلق قلبه وكيانه بالله

فآدم مع ما له من المنزلة إلا أنه وقع فيما وقع فيه

فما ظنكم بمن هو دونه ؟!

لكن هو جل وعلا جعل سبيلا لمن عصاه أن يعود إليه بماذا

 ؟

بالتوبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن المؤمن طيب القلب محسن الظن كيف ؟

الشيطان ما أوقع آدم فيما أوقعه فيه إلا عن طريق الحلف بالله كما في سورة الأعراف :

{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }الأعراف21

فما كان آدم عليه يتوقع أن هناك أحدا يحلف بالله كاذبا لطيبة قلبه وسلامة صدره .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن آدم نبي مكلم وليس برسول

 

الرسول أعلى من النبي

ولذلك :

آدم ليس أول الرسل إلى أهل الأرض وإنما هو نوح

ولذلك في حديث الشفاعة : يأتون إلى نوح فيقولون : أنت أول الرسل إلى أهل الأرض

بينما آدم نبي مكلم

لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام كما عند ابن حبان عن آدم قال : (( نبي مكلم ))

والفرق بين الرسول وبين النبي :

أن الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه

بينما النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه

ولذلك عدد الأنبياء أكثر من عدد الرسل

في الحديث الذي لا بأس به: أن عدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا بينما عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي

لو قال قائل :

يوحى إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه ما الفائدة ؟

الفائدة :

أنه جل وعلا من شاء أن يكرمه أكرمه

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

وكل من ذكر في القرآن وهم خمسة وعشرون نبيا كل من ذكر هم رسل

كل من ذكر في القرآن من الرسل أو من الأنبياء فهم رسل وأنبياء

إذا قلنا هو رسول فهو رسول ونبي

لكن النبي هو نبي وليس برسول

ما الدليل على أن كل من ذكر في القرآن يكون رسولا وليس نبيا فحسب ؟

قوله عز وجل :

((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ))

قال : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الشيطان سمي بهذا الاسم لواحد من أمرين :

إما من شاط إذا غضب

كما يقال للرجل : استشاط غضبا

وهو غضب لما أمر بالسجود لآدم غضب

أو من شطن:

يعني : بعد

يعني : مبعود عن رحمة الله

وبالفعل هو مبعود عن رحمة الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل تقع المعصية وهل يقع الذنب من الأنبياء ؟

ـــــــــــــــــــــــــــ

لتعلم :

ــــــــــــــ

أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لا يمكن أن يقع منهم شرك أو كبيرة ولا يمكن أن تقع منهم معصية يصرون عليها

لكن:

القول الصحيح الذي عليه أهل التحقيق :

أنهم يقعون في صغائر فيذكرون بها فيعودون

وهذا من أجل ماذا ؟

من أجل أنهم مهما بلغوا فهم ضعفاء ،فهم بشر ، فلا يرفع فوق منزلته

ولذلك :

وصف الله آدم قال :

(( وعصى آدم ربه فغوى ))

لكن تقع هذه الصغيرة منهم فيرتجعون بها إلى أعلى المقامات

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } طه122

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا :

((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ))

قال : ((عنها ))

عن ماذا ؟

عن الجنة

في اللغة العربية يقولون : إن كلمة عن تفيد المجاوزة

وهنا ماذا فعل الشيطان بهما لما أذنبا ؟

تجاوزا هذا المكان الطيب العالي إلى المكان الذي به المنغصات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو قال قائل :

كيف يوسوس أو كيف تمكن إبليس من أن يصل إلى آدم وحواء فأزهما على أكل الشجرة ؟

فهل دخل الجنة ؟

هو طرد من رحمة الله لما أمر بالسجود

لكن هل دخلها مرة أخرى ؟

محتمل والعلم عند الله :

أنه دخل مرة أخرى ودخول الجنة في ذلك الوقت قبل القيامة لا يلزم من الدخول في جميع الأحوال دخول تكريم قد يكون دخول إهانة .

وهو أن يمكن الإنسان في مقام عالي فيذنب ويصر على الذنب من أجل أن يسحقه الله .

(( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذها لم يفلته ))

ويمكن أنه كان خارج الجنة فوسوس لهما

كما قال في الآية الأخرى (( فوسوس لهما الشيطان ))

والشيطان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين :

(( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ))

وأما ما ورد أنه كانت هناك حية في الجنة وأن دواب الجنة لما قال الشيطان أريد أن أدخل فكل دابة امتنعت إلا الحية قالت أدخلك في فمي فدخل في فمها وأدخلته إلى الجنة وأتى إلى آدم وأزَّه .

وبالتالي بقيت العداوة بين الحيات وبين بني آدم إلى قيام الساعة .

كل هذا لا يصح من الإسرائيليات

لكن أقرب ما يكون أنه لم يدخل الجنة وإنما وسوس لهما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه بمجرد خروجهما من الجنة ذلكم النعيم والراحة والسعادة أمروا أن يهبطوا إلى الأرض ومع هذا الهبوط

(( بعضكم لبعض عدو))

عداوة بين الإنس وبين الجن

عداوة بين الإنس بعضهم لبعض

آدم أهبط

ما الذي جرى لولديه ؟

وهما أشقاء ؟

(( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ))

انظروا :

بدأت العداوة وأعظم نتيجة للعداوة أن يحصل القتل

قد يكون شخص لشخص عدو يأخذ ماله أو أنه يضربه أو أنه يستطيل على عرضه أو أنه يتكلم على عرضه لكن قد تجر العداوة إلى قتل وهذا ما جرى

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح:

قال : ( ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سن القتل)

كل من يقتل الآن ظلما وعدوانا فالقاتل الأول من ابني آدم له نصيب من هذا الجرم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال : ((وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )) البقرة36 }

قال : إلى حين

حين إلى الموت ففيه إشارة إلى أنك يا آدم لن تستقر استقرارا كاملا في هذه الدنيا بل مقرك إلى حين ثم ستعود إلى مقامك الأول .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن هذه الأرض مستقر لنا

كيف ؟

السكنى

وأيضا : مستقر لنا تحت الأرض إذا متنا

فموتانا يدفنون تحت الأرض

ثم هي مع أنها استقرار فيها متعة متاع لكن :

ليس متاعا تاما

لم ؟

لأنه إلى حين

وبالتالي :

فكما وصفها الله في آيات أخرى : (( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور))

فهي متعة فنستمتع بها .

ولكن يجب أن تكون هذه المتعة معينة لنا على طاعة الله عز وجل

فإذا كان التمتع في هذه الدنيا على غير طاعة الله فهي الخسارة .

 

 

 

التفسير

تفسير سورة البقرة :

تفسير قوله تعالى :

{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } البقرة37

 

 

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

www.albahre.com

 

 

 

قوله تعالى :

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } البقرة37

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن المتلقي للخير وللعلم عليه أن يكون حاضر القلب وحاضر الفطنة لأن التلقي هو أخذ الشيء بفطنة ومن ثم فإن من أخذ الخير والعلم عن فطنة وحضور قلب أفاده ذلك العلم وبقي معه .

ولا يكون ذلك إلا إذا كان سمعه قد ألقاه وشهد قلبه وحضر كما قال عز وجل : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ق37

فآدم عليه السلام لما تلقى هذه الكلمات تلقاها عن حضور قلب وفطنة  لأن بعضا من الناس قد يحضر المحاضرات ودروس العلم ولا شك أن في حضوره خيرا وهو اكتساب الخير ولكن ليس  في حالة الكمال كمن يحضر ويكون منصتا حاضر القلب والفطنة .

ومن الفوائد:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أنه لما أهبط آدم عليه السلام كما قال في الآية السابقة ((وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ))

ذكر التلقي

مما يدل على ماذا ؟

يدل على أن آدم بحاجة ماسة إلى هذه الكلمات وهذا الهبوط أو الإهباط ذكر بعض  المفسرين قصصا إسرائيلية لا يعول عليها ولا  يلتفت إليها :

قالوا : إن حواء لما أهبطت أهبطت في جدة ولذلك يسمونها جدة من باب أنها جدة .

ويقولون : إن آدم لما أهبط أهبط إلى الهند ومعه كسرة من عود الجنةفنبتت تلك الكسرة في الهند فأصبح العود الهندي هو أفضل العود.

ولكن كل هذا ليس عليه دليل

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــ

ما هي هذه الكلمات؟

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } البقرة37

ما هي هذه الكلمات ؟

لتعلم :

أن أعظم ما يفسر به القرآن هو القرآن إذا وجدت نصا في القرآن يفسر آية فلا تعدل عنه إلى غيره ولذلك ما ذكره بعض  المفسرين من تفسير هذه الكلمات لا يلتفت إليه

لم ؟

لأن القرآن وضح لنا ما هي هذه الكلمات

في سورة الأعراف :

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف23

إذاً :

ما هي هذه  الكلمات ؟

هي هذه الجملة

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن قذف الخير في القلوب وسلامة القلوب من الشر إنما هو من الله .

وفي هذا رد على المعتزلة الذين يقولون : إن العبد يخلق فعل نفسه .

يقولون : تصلي هذه الصلاة منك ليس لله فيها إرادة أو مشيئة

أعوذ بالله من الضلال

يقولون : ابن آدم لما يزني يقولون : هذا من فعل ابن آدم وخلق  هذا الفعل ولم يخلقه الله

هذا خطأ

ما من شيء يقع في الكون من شر من خير من معاصي من طاعة إلا من الله .

ما يقع في هذا الكون شيء إلا بقدر الله

لكن للعباد مشيئة

فهم هربوا من أن ينسبوا لله ما لا يليق به فوقعوا فيما هو أعظم فجعلوا مع الله أكثر من خالق .

لما أخلق فعل نفسي على قولهم وأنت تخلق فعل نفسك وهذا يخلق فعل نفسه إذاً أصبح مع الله خالقين

وتعارض هذا مع قوله تعالى : (( الله خالق كل شيء ))

ولذا :

من ضلال هؤلاء المعتزلة أنهم جعلوا فعل المخلوق هو من خلقه بينما صفة الله وهو كلام الله الذي هو القرآن قالوا : هو مخلوق

انظر إلى التناقض

فإذا كان كذلك فإنه جل وعلا لما وقع آدم وحواء في الذنب من أكل الشجرة هو بماذا ؟

بقدر من الله ثم هو جل وعلا لما أراد أن يقع هذا الذنب منهما أراد عز وجل منهما التوبة فشرع لهما هذه الكلمات .

إذاً :

الضلال من الله

الخير من الله

لكن كل محاسب لأن الله جعل لك إرادة ومشيئة {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29

ولذا قال عز وجل (( فتلقى آدم من ربه ))

من ربه

ليس من نفسه أو من غيره من الخلق

لا من ربه من الله

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيان رحمة الله بآدم ثم هي رحمة بأبنائه

فقال (( من ربه ))

ربوبية خاصة

لأن الربوبية كما أسلفنا إذا ذكرت في القرآن فإنها تكون بمعنيين :

ربوبية عامة لجميع الخلق المسلم والكافر يرزقهم يعافيهم ييسر لهم ، يعطيهم

لكن الربوبية الخاصة هي لعباده المتقين من الأنبياء والأولياء  والصالحين يربي قلوبهم مع أنه يعطيهم ويرزقهم

وهم داخلون في الربوبية العامة إلا أن لهم ربوبية خاصة يغذي قلوبهم بالإيمان وبالخير .

ولذلك قال : (( من ربه ))

ومقتضى الربوبية الخاصة منه جل وعلا أنه شرع له هذه الكلمات

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال (( فتاب عليه ))

لما قال هذه الكلمات قال ( (فتاب عليه ))

 عليه هنا :

على في  اللغة العربية تفيد العلو فقوله عز وجل (( فتاب عليه )) يدل هذا على أن التوبة من رحمة الله وأن رحمة الله تنزل من العلو منه جل وعلا لا من غيره .

ثم إذا تاب الله عليه علا هذا العبد بهذه التوبة إلى أعلى المقامات

ولذا قال في سورة طه :

{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } طه122

سبحان الله!

ولذلك :

لما قال إبليس لما ذكر الله عنه في خضم ما جرى في السجود لآدم

قال ((ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ))

ذكر جهات أربع مع أن الجهات ست :

فوق وأسفل

ما ذكر الفوقية ولا ذكر السفل

لم ؟

((ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ـ يعني أمامهم ــ  وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ))

أين الفوق ؟

أين التحت ؟

قال العلماء :

لأن الفوقية لم تذكر لأنه لا يستطيع أن يرد رحمة الله التي تنزل على العبد

ولماذا لم يذكر السفل أو التحتية ؟

لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فانظروا :

(( فتاب عليه )) رحمة تنزلت ثم بهذه الرحمة علا بها آدم

إذاً :

ما أنت فيه نعمة ونعمة إذا عرفت أنها نعمة تولد من ذلك نعمة أسبغها الله عليك فتكون شاكرا لها

انظروا :

يسر التوبة هذه نعمة

تتوب يرفعك الله بهذه التوبة أعلى المقامات إذاً هذه نعمة

إذا عرفت أن هذا الأمر نعمة من الله إذاً هي نعمة من الله عليك

لأن بعضا من الناس لا يعرف أنها نعمة

وبالتالي إذا تأمل الإنسان أنها نعم تتوالى جاءت الآية الأخرى

((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ))

لا يمكن إحصاؤها

فالنعمة تولد نعمة

والنعمة الأخرى تولد نعمة أخرى

وهلم جرا

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن توبة الله جل و علا على ابن آدم نوعان :

وهذا كله كرم

إذنه وتوفيقه للعبد للتوبة ثم لما أذن له ووفقه قبله منه واعتد بهذه التوبة إذاً :

توبة الله نوعان :

توفيق وإذن

وقبول واعتداد

ولذا قال تعالى :

((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ))

تأملوا في سورة التوبة :

ولذلك سميت التوبة بهذا الاسم

اسمع معي في أول الآية وفي آخرها :

((لَقَد تَّابَ ))

أول الآية توبة :

((لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ))

بعدها :

{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } التوبة118

فإذاً :

هذه نعم كونه جل وعلا ييسر لك التوبة

ثم يوفقك للتوبة

ثم يقبل منك هذه التوبة

ثم يرفعك الله بهذه التوبة

ثم تعلم أن هذه التوبة نعمة من الله إذا جعل لك هذا الأمر نعم تتوالى .

ثم مع هذا كله سمى نفسه توابا

ليس تائبا  ، تواب

على وزن فعال صيغة مبالغة

يعني :

أنه جل وعلا يقبل التوبة من سائر الخلق

ثم هو جل وعلا يقبل توبة العبد ولو تكرر منه الذنب فأعقبها بتوبة ملايين المرات

ولذا قال عز وجل في سورة الزمر :

((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ))

أسرفوا .

ما أسرفوا في مال ولا طعام ولا شراب

((أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) الزمر53

بل من كرمه عز وجل

انظروا هذه نعمة أيضا ترفع مقامات

أن ذنوبك تبدل حسنات وقد جاء حديث صحيح في هذا والآية في سورة الفرقان تدل على ذلك :

(( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ))

كرم

وبالتالي :

فإن إيقاع الله للعبد في المعصية عدل منه ليس ظلما

لم  ؟

لأن الله عز وجل خلقك على الفطرة كما جاء في الصحيحين:  (( كل مولود يولد على الفطرة ))

وقال تعالى: ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ))

يعني لا تبدلوا خلق لله

ما خلق الله لك في أول الأمر ؟

أنه جل وعلا خلقك على فطرة الخير والإسلام

وبالتالي إذا وقع منك ذنب فإن الله لم يظلمك

هذا عدل من الله لم ؟

لأنك تركت الأصل هيأ لك الأسباب

ولذا في رمضان :

كما جاء في السنن

لما تأتي  أول ليلة في رمضان

 (( إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبوب السماء ))

وفي رواية (( وفتحت أبواب الرحمة ))

وفي رواية (( وفتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ))

لم ؟

لأن السبب ميسر

فإذا ظلمت نفسك فإذا أذنبت فأنت الذي ظلمت نفسك

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46

فمهما أذنب العبد فإن الله يقبل توبته ولذا قال (( تواب ))

على وزن فعال

فعال من صيغ المبالغة

سبحان الله

من النعم :

أنه جل وعلا يفرح بتوبتك أشد فرحا من رجل كان على راحلته وعليها طعامه وفي أرض فلاة وأضل راحلته فجلس تحت شجرة  ينتظر الموت فاستيقظ فإذا راحلته عليها طعامه ، الله أشد فرحا من فرح هذا الشخص الذي فقد دابته

هي نعمة

لكن أين التائبون

ولذلك قال تعالى ( (فتاب عليه ))

لم ؟

(( إنه )) :

(( إن)) عند أهل اللغة للتعليل

 ولذلك قال تعالى عن تلك المرأة التي تسمى بلقيس :

(وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ )

لم ؟

(إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) النمل43

لأنها من بيئة كفر وإلا هي ذات عقل

لو أن البيئة لم تغير فيها أدركت أن ما تفعله ليس بصواب

ولذلك قال :

(( إنه هو ))

لم يقل : إنه التواب

لو قال : إنه التواب صح الكلام في اللغة

ولكن قال (( إنه هو ))

لأن هو في اللغة ضمير فصل يفيد التوكيد

سبحان الله

تعليل (( إنه ))

ثم أتى بضمير الفصل ( هو ) لا غيره ثم أتى بكلمة التواب على وزن فعال ثم الرحيم

لماذا أتى بالرحيم بعد التواب ؟

لأن من رحمة الله أنه يتوب عليك

تصور لو لم تكن هناك توبة يكون هناك عنت

بل من رحمة الله في التوبة :

أن هناك بابا في المغرب كما قال عليه الصلاة والسلام عرضه سبعون سنة مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها .

هذه نعمة

ثم إذا تبت هي من رحمة الله ومن رحمة الله أنه إذا تاب عليك أحبك

قال تعالى في سورة البروج (( وهو الغفور الودود ))

لماذا أتى بالودود بعد الغفور ؟

لأن العبد إذا أذنب فتاب غفر الله له وإذا غفر الله له أحبه

من النعم ((  وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها ))

لو جلسنا نتحدث عن النعم الموجودة في هذه التوبة لاستغرقنا وقتا عظيما

إذاً :

من وقع في الذنب فهو عدل من الله لم يظلمه

وإذا وفقه للتوبة فهو فضل منه وكرم

ولذا :

من كرمه عز وجل ومن رحمته على آدم وعلى ذريته أنه يسر لهم التوبة

ولتعلموا :

من خلال تتبعي لما جاء في القرآن أن أعظم ما ينوب ويؤوب ويتوب العبد إلى ربه عز وجل إذا دعاه ليغفر ذنبه أن يقول كما قال آدم

ما الذي قاله آدم ؟

{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف23

هي خسارة إذا لم يغفر الله لك

ماذا قال نوح ؟

((وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ )) هود47

من عبد العجل من بني إسرائيل في سورة الأعراف {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف149

كأن فيها إشارات إلى أن من لم يوفق للتوبة فإنه في خسار

وفيه إشارة إلى أن العبد لا يمكن أن يسلم من الذنب كما قال عليه الصلاة والسلام في السنن (( كل بني آدم خطاء ))

ولكن (( وخير الخطائين التوابون ))

 

 

 

{ قُلْنَا اهْبِطُوا } :

كرّرَ الفعل ( اهبطوا ) مِن باب أن يبنيَ عليه حُكمًا آخر غير الحُكم السابق .

الحكم السابق :

{ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ  وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ }

هنا :

{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا }

لِيَبنيَ عليها الحُكم ، وهو مَجيء { هُدًى }.

 

{ فَإِمَّا } :

كلمة ( إمّا ) مكوّنة مِن أمرَين ( إن ) الشرطيّة مع ( ما ) الزائدة ، وتحتاج إلى جواب .

 

{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } :

رسول وكتاب . الجواب ، جواب الشرط ( إِنْ )

{ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } :

وأضاف الْهُدَى إِلَيْهِ  ؛ لأنّه لا هِداية لِلبشريّة إلّا مِن طريق الله عزّ وجلّ ، ومِن شرع الله عزّ وجلّ .

 

وقوله { فَمَن تَبِعَ } :

( مَن ) أيضًا هذه شرطيّة ، جوابُها : { فَلَا خَوْفٌ } الثمرة في مَن اتّبَع الْهُدَى { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } فيما يَستقبلونه ، { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فيما مضى .

وهذا شامل لِنَفي الخوف والحزن في الدُّنيا وفي الآخرة .

وفي سورة [ طه ] مِن ثمرات اتّباع هذا الهُدى :

{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) }

 

ولِذا :

قال بعدها فيمن ترك الْهُدَى في هذه السورة { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا } جَمَعوا مع الكفر التكذيبَ

{ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } :

التي أنزلها الله عزّ وجلّ على رُسُله ، وجعلَها في كُتُبه .

{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ } :

فهم مصاحبون للنار

{ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } :

أي ماكِثون .