تفسير سورة ( الذاريات ) الدرس ( 238)

تفسير سورة ( الذاريات ) الدرس ( 238)

مشاهدات: 447

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( الذاريات )

الدرس (238 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الذاريات… وهي من السور المكية….

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)}

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} أقسم الله بهذه الأشياء على ماذا؟ على أن ما وعد الله به من أنه صدق، وأن يوم القيامة سيقع، أقسم بماذا؟ {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} وهي الرياح، {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} وهي السحب تحمل ؟ الماء الثقيل {وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}.

 {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} وهي ماذا؟ السفن في البحار، {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}.

{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} يعني الملائكة تقسم ما أمر الله به أن يقسم.

هذا هو أشهر التفاسير في معنى هذه الأشياء، وهناك أقوال أخرى، لكن هناك قول قوي جدا وهو:

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} لأنها مرتبة على ما هو أعلى إلى أعلى، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} يعني الرياح ما الذي فوقها؟ لأنه أتى بالفاء في هذه الأشياء، {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} ما الذي فوق الرياح؟ السحب  {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} وهي  النجوم {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} الملائكة.

{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)} هذا هو جواب القسم {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} ما وعدكم الله به فهو صدق، {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} {وَإِنَّ الدِّينَ} وهو يوم الجزاء والحساب {لَوَاقِعٌ}

ثم أقسم قسما آخر:

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} أقسم بالسماء ذات الحبك يعني ذات المنظر الجميل كالحبك مثل الرمال لما يأتي فيها خطوط، يعني دل هذا على أن الله أقسم بهذه السماء التي جعل فيها من الزينة من نجوم، وما شابه ذلك.

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} جواب القسم {إِنَّكُمْ} يا كفار قريش {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} لفي قول مرة ساحر، مرة كاهن، مرة شاعر {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يعني يصرف عن هذا القرآن وعن الإيمان بمحمد من صرف.

{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} يعني لعن الخراصون يعني الكذابون الذين يتخرصون بالظنون من هم؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} يعني في غمرة يعني في جهالة هذه الجهالة أودت بهم إلى الغفلة {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} يعني غافلون.

{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} سؤال استبعاد {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ} يعني متى {يَوْمُ الدِّينِ} يعني يوم الجزاء والحساب.

{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} يعني يعذبون، {ذُوقُوا} يقال لهم {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} يعني عذابكم، {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} يعني في الدنيا.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} ذكر من؟ حال من هو متقي في يوم القيامة، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} في بساتين وعيون.

{آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ} يعني من النعيم، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني في الدنيا {مُحْسِنِينَ} أصحاب إحسان، {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} {مَا يَهْجَعُونَ} يعني ما ينامون وما هنا زائدة للتأكيد، وهذا هو الأظهر فيها، فيه أقوال أخرى يعني كان نومهم قليلا في الدنيا، كانوا يقومون الليل.

{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} يعني قاموا الليل وواصلوا ذلك، {وَبِالْأَسْحَارِ} في آخر الليل يعني قبيل الفجر يستغفرون الله، وقال بعض المفسرين من أنهم يصلون صلاة الفجر جماعة، ولا تعارض؛ لأن من قام الليل، وواصل القيام إلى أن يستغفر الله في السحر، فإنه سيصلي مع المسلمين جماعة صلاة الفجر.

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} واجب للسائل والمحروم الذي يسأل، والمحروم من حرم إما لفقره من حيث الأصل، أو أنه كان غنيا فأصابته فاقة وجوائح، فأهلكت ما لديه من المال فهو محروم.

{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}

{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} تأملوا في الأرض، فهي آيات للموقنين لمن أراد أن يكون موقنا، فليتأمل في الأرض في جبالها في أنهارها في أوديتها ما يكون عليها من دواب. 

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} وفي أنفسكم فيما يتعلق بجنسكم اختلاف الألوان واختلاف اللغات والأشكال وما شابه ذلك، وأيضا في قرارة نفسك انظر إلى نفسك كيف خلق الله فيك هذه الحواس وهذه الجوارح، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} بصر انتفاع.

{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ليس عند أحد من المخلوقين، ولو كان يملك من الدنيا ما يملك، لو ملك الدنيا كلها رزقك ليس عند أحد {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} إذن فليطلب من الله {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} من جزاء وثواب وعقاب.

{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أقسم الله بنفسه {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} يعني ما ذكر لكم من الرزق، وما توعدون {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} هل أحد منا يشك أنا الآن أتكلم هل أشك أنني لا أتكلم؟ يقين أنني أتكلم يعني أن الرزق وما نوعد لحق، {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} يعني لا شبهة في ذلك، يعني كما أنك موقن بأنك تتحدث، وأنت تتحدث فإن رزقك وما توعد مكتوب لك.

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)}

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} ذكر قصة إبراهيم؛ لأنهم يقولون ماذا؟ نحن على ملة إبراهيم فيقال لهم هذا إبراهيم فيقول الله لهم هذا إبراهيم الذي يدعو إلى التوحيد، وينبذ الشرك كونوا كإبراهيم لكنه ادعاء كاذب.

{هَلْ أَتَاكَ} يا محمد يعني أتاك استفهام للتقرير، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} وهم الملائكة كما مر معنا في سورة هود.

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} لما سلموا سلم عليهم، ورد عليهم السلام بأحسن من ذلك كما بينا في سورة هود، {قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} يعني لا أعرفكم {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}.

{فَرَاغَ} يعني مال بسرعة من حيث لا يشعرون، وهذا يدل على كرمه في الضيافة {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} يعني إلى زوجته {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} في سورة هود {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} يعني سمين وهو حنيذ يعني مشوي، {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} يدل عل آداب الضيافة، ومن السنة أن الطعام يقرب إلى الضيف، لا أن الضيف يقال تعالى إلى هذا المكان، وإن كنا نخالف ذلك في عادتنا، لكن السنة أن يؤتى بالطعام، ويختلف باختلاف العادات، ووضع الناس في أماكنهم وفي بيوتهم، {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} عرض عليهم، لم يقل كلوا {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} فلم يأكلوا {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} يعني أحس منهم خيفة، ضيوف ولا يأكلون! {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} لا تخف نحن رسل الله {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} وهو إسحاق كما مر معنا في سورة هود، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} يعني في صوت لما سمعت هذا الكلام، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} يعني ضربت وجهها مثل ما يضرب النساء وجوههن تعجبا ليس  من لطم الخدود، حتى لو قيل لطم الخدود فهذا شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا إذا أتى شرعنا بخلافه فلا يقبل، لكنه كما تضرب المرأة بشيء يسير على وجهها تعجبا، {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} يعني أنا عجوز عقيم وألد! {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ} يعني هذا الأمر الذي تتعجبين منه هو أمر ربك وأمر ربك واقع، {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} فهو الحكيم عز وجل الذي جعل منكم هذا الولد، وهو عليم بأحوالكم، ولذلك ماذا قالت في سورة هود {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} وهم لم يأتوا فقط لإبرهيم من باب البشرى فقط، لا، أتوا إليه مرورا به من أجل إهلاك قوم لوط، {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} ما شأنكم؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} وهم قوم لوط، {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} كما قال تعالى {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} {سِجِّيلٍ}  مفسرة هنا {مِنْ طِينٍ}.

{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} يعني معلمة {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} ومر بيانها في سورة هود، {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} المتجاوزين حدود الله؛ لأنهم كاهوا يأتون اللواط، {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} ليس بها إلا بيت لوط حتى إن زوجته لم تؤمن قيل معه ابنتاه فقط، وقيل ثلاثة، {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}..

لو قال قائل: وصفوا في الآية السابقة بالإيمان وهنا بالإسلام؟!

قال بعض المفسرين: من أجل أن الإسلام إذا أطلق يدخل الإيمان، والإسلام إذا أطلق يدخل فيه الإيمان، وقيل قول آخر: من أنه لما قال {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} من؟ لوط وابنتاه، ولما ذكر البيت وكانت تعيش معهم زوجته الكافرة أطلق على البيت الإسلام باعتبار الظاهر، وإلا فهي ليست من أهل الإيمان، ولا من الإسلام.

{وَتَرَكْنَا فِيهَا} يعني في قصة لوط، وفي عقابهم{آَيَةً} علامة {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} لمن يخاف عذاب الله، ولذلك ماذا قال تعالى عن كفار قريش فيما يتعلق بلوط {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)}

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ذكر الله في هذه السورة قصص الأمم السابقة حتى تعتبر كفار قريش، وذكرها على وجه الإجمال، ومرت معنا في سور كثيرة مما تقدم معنا مفصلا فيما يتعلق بما جرى لهذه الأمم السابقة، {وَفِي مُوسَى}يعني وفي قصىة موسى آية وعبرة {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة واضحة وهي الآيات التسع التي ذكرت في سورة الأعراف،{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى} يعني أعرض {بِرُكْنِهِ} يعني بقوته وبجنوده {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} وصف موسى بأنه ساحر أو أنه مجنون، {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} يعني طرحناهم في البحر، فأغرقهم الله، قال {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي أتى بما يلام عليه من الكفر بالله عز وجل، ومن ثم فإن هناك سؤال مما لا ينبغي أن يطرح وهو أن يقال كيف قال الله {وَهُوَ مُلِيمٌ} وذكر عز وجل عن يونس عليه السلام {وَهُوَ مُلِيمٌ} يعني أتى بما يلام عليه؟

فالجواب عن ذلك:

من أن ما يلام عليه فرعون إنما هو الكفر بالله، ومن ثم فإنه مات على الكفر، وأما يونس عليه السلام فإنه يلام عليه السلام لما خرج من قومه دون أن يأذن الله له، ومع ذلك فإن حال يونس عليه السلام من أن حاله كان من أعلى ما يكون، فإنه كما ذكر الله من أنه استغفر ربه، وسبح الله، ولذا مدحه الله {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام حتى يغلق مثل هذه الأبواب قال كما ثبت في الصحيح من أنه قال عليه الصلاة والسلام: ” لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى”.

{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}

{وَفِي عَادٍ} يعني وفي قصة عاد، {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} وذلك بأنها عقيم لا خير فيها، لا تلقح أشجارا، ولا تأتي بخير، فالريح العقيم التي لا خير فيها فلا تلقح، ولا فائدة منها، {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} يعني ما تترك من شيء {أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي كالشيء البالي، ولذا قال تعالى كما في سورة الأعراف، {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}.

{وَفِي ثَمُودَ} يعني وفي قصة ثمود، {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} يعني إلى انقضاء آجالكم، أو إلى ثلاثة أيام لما عقروا الناقة {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}

فقال تعالى {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} وفي آية أخرى {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} ولا تعارض بينها، وقد بينا ذلك مرارا،

فقال الله {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} يعني من أن هذه الصيحة لعظمها ما استطاعوا أن يقوموا حتى يهربوا {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} يعني ليس هناك أحد ينصرهم.

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} يعني قبل عاد، وقبل ثمود قوم قوم نوح {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} يعني قبل عاد وقبل ثمود من قوم نوح، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} أتوا بالفسق الأكبر وهو الكفر بالله.

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)}

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} يعني بقوة من آد يئيد، وليس متعلقا باليد كما مر معنا توضيح ذلك مفصلا عند قوله تعالى في سورة آل عمران {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} فقال تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} يعني بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} يعني لموسعون في أرجائها ولموسعون في الرزق.

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} تلك السماء فيها دلالة على عظمة الله، أيضا لينظروا إلى الأرض، {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} فرشها عز وجل ومهدها، {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} ثم مدح نفسه عز وجل {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} يعني من أنه عز وجل مهد هذه الأرض {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي خلقنا صنفين {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} من أجل أن تعلموا أن الله هو الواحد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ومن ثم فإن هذين الصنفين ليس المقصود فقط الزوجين، بل الشيء يقابل الشيء، ولذلك لو قيل إن الملائكة أنكر الله على من قال إنهم إناث فكيف يكون هذا الأمر؟

فالجواب عن هذا: من أن قوله تعالى{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} يعني صنفين، ولا يلزم الذكورية والأنوثية، ولذلك مما يدخل في هذه الآية الأرض والسماء والشمس والقمر؛ لأنها متقابلة، فتكون الملائكة من قبيل الصنفين الذي يقابل صنف من الملائكة لصنف آخر، ولا يلزم من ذلك الذكورية والأنوثية، فقال الله {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} إذن لتهربوا إلى الله، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}.

{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي من أنني نذير واضح البينات.

{وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} من أعظم ما يفر إلى الله أن يفر إليه بالتوحيد، ولذا قال {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)}

{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} يعني هؤلاء قالوا لك إنك ساحر، وإنك مجنون كذلك الأمم السابقة {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ} يعني هل أوصى بعضهم بعضا؟ لا؛ لأنهم لم يجمعهم زمن، لكن قلوبهم تشابهت، فتشابهت أقوالهم، ولذا لما قال {أَتَوَاصَوْا بِهِ} يعني لا لكن {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} اجتمعوا على الطغيان فتشابهت قلوبهم فاتفقت أقوالهم، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني فأعرض عنهم يا محمد {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} أي لا تلام على ما يفعلونه.

{وَذَكِّرْ} إنما عليك البلاغ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأنهم هم الذين ينتفعون بها.

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) }

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الله عز وجل ما خلق الجن والإنس إلا من أجل العبادةن وهذه هي الحكمة، ومع ذلك ضل من ضل كل ذلك بحكمة منه عز وجل، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}  فليتفرغوا لعبادة الله.

{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} يعني لا ينشغلوا بالرزق، فيتركوا الطاعة، {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} يعني من أن يطعموا أنفسهم، أو أن يطعموا خلقا من خلقي  فقال الله  {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} فهو ذو القوة صاحب القوة المتين يعني من أنه شديد القوة.

{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} يعني من كفار قريش {ذَنُوبًا} يعني نصيبا {ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} ممن سبقهم وصاحبوهم على الكفر فيما يتشابهون به من هذا الكفر، {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} فلا يستعجلون عذاب الله.

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} إذا جاء ذلك اليوم الذي يوعدون فهناك الويل والعذاب الشديد من الله لهؤلاء… 

وبهذا ينتهي تفسير سورة الذاريات….