التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( القمر ) الدرس ( 241)

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( القمر ) الدرس ( 241)

مشاهدات: 376

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( القمر )

الدرس (241 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة القمر، وهي من السور المكية….

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} طلب كفار قريش من النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت أن يظهر لهم آية فأشار عليه الصلاة والسلام إلى القمر، فانشق نصفين نصف على جبل، ونصف على آخر، فماذا قال تعالى عن هؤلاء أعرضوا فقال تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت بذلك الحديث قال: ” بعثت أنا والساعة كهاتين “

{وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً} كآية انشقاق القمر {وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} يعني هذا سحر مستمر يعني دائم وقوي، {وَكَذَّبُوا} كذبوا بما جاء به الحق {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} يعني كما قال تعالى {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} يعني ما أمر الله به وما قدره سيستقر وسيقع من ذلك عذابكم، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} جاءهم من الأنباء والأخبار ما يزجرهم عن شركهم، ومن ذلك ما جاء في هذا القرآن، ولذلك ماذا قال بعدها {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} يعني هذا القرآن حكمة بالغة وواضحة وحجة لهؤلاء قد بلغهم ماذا؟ قد بلغهم الحق {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} هنا ما نافية {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} لهؤلاء الذين انصرفوا وانحرفوا، أو تكون ما للاستفهام يعني وهل تغني النذر عن هؤلاء كما قال تعالى {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني أعرض عنهم، فهؤلاءلا يريدون الحق {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} وهو إسرافيل عليه السلام لما ينفخ في الصور يدعو إلى شيء نكر، وهو يوم القيامة ينكرونه تنكره نفوسهم لشدة ما فيه من العذاب.

{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} يعني إذا خرجوا من قبورهم فأبصارهم خاشعة ذليلة {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} يعني من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} كحالة الجراد الكثير المنتشر {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} يعني مسرعين إلى الداعي الذي دعاهم وهو إسرافيل، {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ} فقال تعالى {مُهْطِعِينَ} يعني مسرعين {إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ} حال ذهابهم إلى الداعي، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يعني شديد…

 {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} يعني ليتأمل كفار قريش ما حل بالأمم السابقة، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} وهو نوح {وَقَالُوا مَجْنُونٌ} وصفوه بالجنون {وَازْدُجِرَ} يعني زجروه وانتهروه عن الدعوة إلى التوحيد، {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} دعا الله {أَنِّي مَغْلُوبٌ} يعني من أني مقهور وأني لا قوة لي بهؤلاء {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)}  أمر الله السماء أن تنزل المطر المتدفق العظيم، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ} قال {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ} مما يدل على عظم هذا الذي نزل من السماء {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}

{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} أصبحت الأرض كلها عيونا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ} ماء السماء مع ماء الأرض {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على أمر قد قدره الله بهلاك هؤلاء {وَحَمَلْنَاهُ} مع تلك المياه العظيمة، {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى} سفينة ما هي؟ {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} يعني ذات ألواح ودسر يعني مسامير {تَجْرِي} يعني تلك السفينة {بِأَعْيُنِنَا} يعني بحفظ وعلى مرأى منا وعلى رعاية منا، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} وفي هذا إثبات صفة العينين لله بما يليق بجلاله وبعظمته، وبينَّا ذلك في مواطن سابقة بتفصيل فقال هنا {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يعني هذا العقوبة جزاء لمن كفر بالله عز وجل وكفر برسالة نوح عليه السلام، {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً} ما هي؟ العقوبة، وقيل السفينة، وإن كان هذا القول وهو ترك السفينة هو لا بأس بدخوله لكن ماذا؟ هي لم تبق ذلك الزمن الطويل، فدل على أن المقصود من ذلك العقوبة، ولذلك ماذا قال عز وجل قال {وَتَعِيَهَا} لما ذكر قصة نوح قال {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} ما هي؟ العقوبة، وأما السفينة فإنها لا تحفظ، فقال الله هنا {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تركناها عبرة وعظة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هل هناك من يدكر ويتذكر عقوبة الله؟

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} الجواب: كان عذاب الله شديد، وكان ما أنذر به رسوله عليه الصلاة والسلام كان شديدا.

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} يعني يسرنا القرآن وسهلناه لمن أراد أن يفهمه، ومن أراد أن يحفظه، وأن يعمل به {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هل هناك من يتعظ، وفي هذا توبيخ لكفار قريش إذ إن هذا القرآن لم ينتفعوا به، وأيضا لم ينتفعوا بما ذكره هذا القرآن من قصة نوح عليه السلام.

 

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} لأن عادا أتت بعد نوح {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} الجواب: كان شديدا وعظيما، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} {رِيحًا صَرْصَرًا} قيل حارة، وقيل باردة، وقيل لها صوت، وعلى كل حال أكثر المفسرين على أنها ريح باردة، ولذلك يسمونها بأعجاز الشتاء؛ لأنها تكون باردة، فقال الله {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} في يوم مشؤوم مستمر على هؤلاء، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}، فقال الله {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} يعني مشؤوم عليهم، {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} يعني تأتي هذه  الريح، فتلقع رؤوس الناس، وتجعل أجسامهم هامدة على الأرض كالنخلة، تؤخذ من أصلها ومن جذورها، وإذا بها توضع على الأرض، {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} يعني مأخوذ من أصوله، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} كررها لأن العذاب الذي نزل بعاد كان عذابا شديدا، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ذكرت هذه بعد قصة عاد كالشأن المتعلق بذكرها في قصة نوح كما مر…

 

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} لأن ثمود بعد عاد {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} يعني بنذر من؟ بنذر صالح عليه السلام، وقال بعض المفسرين يعني كذبوا بجميع الرسل؛ لأن من كذب برسول فقد كذب بالرسل كلهم، فقال الله {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} يعني كيف نتبع بشرا واحدا من بيننا؟ {إِنَّا إِذًا} لو اتبعناه {لَفِي ضَلَالٍ} يعني في ضياع {لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} يعني {لَفِي ضَلَالٍ} في ذهاب عن الرأي السديد، {وَسُعُرٍ} يعني في عذاب في دنيانا ومن ذلك يدخل الجنون، {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} يستغربون أتلقى عليه الرسالة من بيننا {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} جمع مع الكذب ماذا؟ الكبر وعظيم الغطرسة، {سَيَعْلَمُونَ غَدًا} حينما ينزل العذاب بهم {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} هم أم صالح؟ {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} يعني اختبارا لهم، {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} انتظر يا صالح ماذا سيفعلون، واصبر على أذاهم، وما ينتج من هؤلاء، واصبر على ما سيحصل لهم لهذه الناقة. {وَنَبِّئْهُمْ} يعني أخبرهم {أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} يعني بينهم، وبين الناقة {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} كل منهم، ومن الناقة تحضر ويحضرون في وقتها، {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} فقال الله {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} لكنهم سئموا {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} يعني هو قدار بن سالف على المشهور عند المفسرين، {فَتَعَاطَى} يعني أخذ السيف فعقر الناقة، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} يعني لما نزل بهم كان عذابا شديدا، وكان إنذاري شديدا. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} يعني أصبحوا هلكى بهذه الصيحة كالشخص الذي يهيئ لإبله أو لماشيته حظيرة يضع تحتها ماذا؟ يضع تحتها الأخواص، وما يبس من الأشجار، وما شابه ذلك. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ومرت معنا..

 

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)}

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} يعني بنذر من؟ بنذر لوط عليه السلام، {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} وهي الريح التي بها حصباء، ولذلك قال بعض المفسرين مع تلك الحجارة أرسلت عليهم ريح بها حصباء وهي الحصا الصغيرة، {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} قال الله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}

{إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} لما نجيناه، ومن آمن معه من أهل بيته {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} كما جزينا لوطا الذي شكر نجزي كل من شكر، {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} يعني عقوبتنا {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} يعني جادلوا وخاصموا بالنذر وبالتخويف الذي أتى به لوط، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} من أجل أن يفعلوا بهم الفواحش، وكان أولئك الملائكة كما مر معنا {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} يعني قال المفسرون أتى جبريل، فطمس أعينهم فخرجوا وهم لا يبصرون {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} فذوقوا عذابي الذي وعدكم به، ونذر يعني عاقبة النذر التي أنذركم بها من؟ لوط عليه السلام.

{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} عذاب استقر بهم متى؟ في الصباح، {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} واستمر هذا إلى الإشراق قال الله {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} فقال الله {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}.

{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} كررها مرة أخرى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ومرت معنا.

{وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)}

{وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} على يد من؟ موسى وهارون عليهما السلام، {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا} لم يؤمنوا بشيء منها كما ذكر عز وجل في سورة الأعراف، وفي سورة طه، {كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} أخذ بقوة؛ لأن الله هو العزيز القوي الغالب المقتدر عليهم، وعلى غيرهم.

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} يعني يا كفار قريش أأنتم خير من الكفار السابقين؟ {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} الجواب: لا، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} يعني ألكم براءة من عذاب الله في الزبر في الكتب التي أنزلها الله على أنبيائهم عليهم السلام.

{أَمْ يَقُولُونَ} من باب الكبر والطغيان {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} يعني في غزوة بدر.

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} يولون الأدبار وهزموا {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} هذا عذاب في الدنيا، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} {أَدْهَى} يعني أعظم داهية وعقوبة {وَأَمَرُّ} أشد مرارة عذاب الآخرة، وعذاب الساعة أشد مرارة من عذاب الدنيا.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ} في ذهاب عن الحق {وَسُعُرٍ} يعني في عذاب، وأعظم ذلك العذاب النار، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} كما قال عيه الصلاة والسلام كما ثبت عنه: ” إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم” {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ} سحبا، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ} ومع هذا السحب يقال لهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} يعني عذاب سقر جهنم، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ما من شيء يقع في هذا الكون إلا بقدر من الله، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وفي هذا رد على القدرية؛ لأن القدرية يقولون إن العبد يخلق فعل نفسه، سبحان الله! يقولون القرآن مخلوق، جعلوا القرآن الذي هو صفة من صفاته عز وجل جعلوا القرآن مخلوقا، جعلوه مخلوقا خلقه الله، وأما ما يفعله العبد جعلوه ليس من خلق الله، أعوذ بالله من التناقض.

{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} بكلمة كن {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ومن ذلك الساعة، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} كلمح بالبصر كما تطرف العين {إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}.

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} يعني من شايعكم وكانوا على طريقتكم في الكفر {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هل من أحد يتعظ ويعتبر كما أهلكنا الأمم السابقة التي كانت على طريقتكم.

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} يعني أنه مكتوب في الكتب التي عند الملائكة، وقيل في اللوح المحفوظ، ولا تعارض بينها.

{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} ما من شيء صغير وكبير إلا هو قد كتب وسجل على الإنسان.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} يعني في أنهار {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} يعني في مكان، وأضيف إلى الصدق، وهو وعد من الله حق، وأيضا هو صدق لما فيه من الخيرات والنعيم العظيم، {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} عند المليك عز وجل المقتدر الذي وهب لهم هذه الأشياء من هذا النعيم العظيم.

وبهذا ينتهي تفسير سورة القمر……..