تفسير سورة ( المجادلة ) الدرس ( 245)

تفسير سورة ( المجادلة ) الدرس ( 245)

مشاهدات: 527

تفسير سورة ( المجادلة )

الدرس (245 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة المجادَلة، ويصح  تنطق بالمجادِلة باعتبار أن المرأة جادلت النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من السور المدنية….

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} وذلك أن خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت، فقال لها أنت عليَّ كظهر أمي، وكان هذا القول يعد في الجاهلية من أنه فراق بين الزوجين إما فراقا مؤبدا، أو أنها تبقى معلقة، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله من أنها كانت تحت أوس، وقد أعطاه الله مني الأولاد، فلما كبرت سني قال لي هذا القول، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وليس هناك حكم من الله حتى يحكم عليه الصلاة والسلام، فقال الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} وهذا يدل على ثبوت صفة السمع لله بما يليق بجلاله وعظمته، وأتى بصيغة الماضي {قَدْ سَمِعَ } والمضارع {يَسْمَعُ} وأتى بصيغة الاسم {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تجادلك وتحاورك {فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} ترفع أمرها، وتشكو أمرها إلى الله، {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} بكل قول {بَصِيرٌ} بكل حال، ومن ذلك أنه سمع ما جرى بينكما، وما قاله أوس لزوجته، وبصير بكل ما دار بينكما، وبين أوس وبين زوجته، فأنزل الله بيانا لحكم الظهار لما قال {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} يعني الزوجة لا يمكن أن تكون أما؛ لأن هناك فرقا، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} يعني أمهاتهم إنما هن من؟ {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} وصفه بأنه منكر باعتبار أنه إثم، وأيضا هو كذب، قال {وَزُورًا} وهذا يدل على أن قول أنت عليَّ كظهر أمي فإنه حرام، {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} يعني يتجاوز لمن وقع منه هذا الذنب، فتاب إلى الله.

{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} قال هنا {مِنْ نِسَائِهِمْ} دل هذا على أن الظهار لا يكون إلا على زوجة، فلو ظاهر من امرأة أجنبية، فإنه لا أثر له من حيث الحكم الشرعي، لكنه لا يجوز له مثل هذا القول؛ لأنه لفظ لا ينبغي أن يقال؛ لأنها ليست زوجة له، وحتى لو كانت زوجة، فإنه منهي عن ذلك. {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} يعني يريدون جماعها، يعني يعزمون على الجماع، ثم يعودون لما قالوا، والعود هنا فيه كلام لأهل العلم، أصح ذلك من أن العود هنا هو الوطء، أو العزم على الجماع، وهو أقرب، العزم على الجماع، ولذلك قال بعض العلماء قال:” العود هنا من أنه لا تلزمه كفارة إلا إذا ظاهر من زوجته مرة أخرى” وهذا ولا شك أنه كلام ترده الأدلة الشرعية يعني من عزم بعد هذا القول على أن يجامع زوجته فتلزمه الكفارة المغلظة.

{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} قالوا ما الواجب عليهم؟ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} من قبل أن يجامعها، وهل يجوز له أن يقبلها، وأن يضمها من غير جماع قبل أن يُكفِّر؟ قولان لأهل العلم، والصواب أنه لا يجوز له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه قال: ” لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به” وهذا يشمل ماذا؟ الجماع وما دون الجماع، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وأطلق هنا الرقبة، وهي عتق رقبة، والصحيح كما دلت عليه آية كفارة القتل أنه يعتق رقبة مؤمنة، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وذلك من باب حمل المطلق على المقيد، فقال تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ} أي ما ذكر من أحكام، ومن كفارة {تُوعَظُونَ بِهِ} من أجل أنكم تتعظون فلا تقدموا على هذا الأمر مرة أخرى {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فالله خبير بكل ما يعمله الإنسان.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} يعني عتق الرقبة لعدم وجودها، أو أنه يجدها لكن لا يجد المال، {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} دلّ هذا على أن هذه الكفارة تكون مرتبة {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} من قبل أن يتماسا، فلو أنه فصل بين هذين الشهرين بأيام أفطر فيها، أو بيوم واحد، فإنه يستأنف  من جديد إلا إن كان لعذر من مرض لا يستطيع الصيام، أو لسفر، أو ما شابه ذلك من الأعذار الشرعية.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} لم يستطع الصيام ليس معنى ذلك المشقة لم يستطع لكبر، أو لمرض، أو نحو ذلك {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} لابد من إطعام ستين مسكينا {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني شرع لكم تلك الشرائع من أجل أن تؤمنوا بالله ورسوله {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} وهذا تعظيم لحدود الله، ومن ذلك ما ذكر في هذه السورة، {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني عذاب مؤلم لمن لم يقم بحدود الله كحال هؤلاء الكفار الذين يجحدونها.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)}

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني أنهم يشاقون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويخالفون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني ذلوا وأهينوا {كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وفي هذا تحذير لكفار قريش، ومن يأتي بعدهم من أن ما حل بالأمم السابقة سيحل بهم من الهوان ولذلك قال {كُبِتُوا} بصيغة الفعل الماضي مع أنه لم يقع شيء باعتبار ان ما وعد الله به فإنه يكون واقعا،{كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أنزل الله الآيات البنيات والواضحات في هذا القرآن، فلا حجة لأحد، بل فيها النور، فيها الخير، فيها السعادة {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} لما ذكر الإهانة لهم فيما يتعلق بالدنيا {كُبِتُوا}  بين لهم ماذا؟ من أن لهم عذابا مهينا أيضا في الآخرة، {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يعني اذكر {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} يعني يخبرهم بما عملوا، وهذا الإنباء يتضمن ماذا؟ الجزاء والحساب، {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ} يعني من أن الله حفظه على هؤلاء {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} كم من ذنب فعله الإنسان ونسيه لكنه كما قال تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فلا تخفى عليه خافية.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يعلم ما في السموات وما في الأرض، ويعلم أيضا {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى} {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ} ما معنى {أَدْنَى}؟ تفسرها كلمة {أَكْثَرَ} يعني أقل، {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} {مَعَهُمْ} المعية العامة المعية العامة كما وضحنا ذلك في أول سورة الحديد، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فالله هو في العلو معتقد أهل السنة والجماعة الله في العلو، لكن هو معنا عز وجل بإحاطته بتدبيره بتصرفه، وليس الله حالا في كل مكان كما يقال، لا، الله في العلو، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}بل إن هناك ما يقرب من ثلاثة آلاف دليل على إثبات علو الله، {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فاختتم الآية بالعلم وافتتحها بالعلم من باب بيان أن معية الله معية عامة لجميع خلقه باعتبار ماذا؟ أنه محيط بهم، وعالم بهم، ومدبر لشؤونهم، فقال الله {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)}

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} من هم؟ اليهود والمنافقون كانوا يتناجون إذا رأوا المؤمنين تناجوا فيما بينهم من غير أن يكون هناك شيء  من باب إدخال القلق في نفوس المؤمنين، فقال تعالى لما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المناجاة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} {بِالْإِثْمِ} الإثم المتعلق بأنفسهم، {وَالْعُدْوَانِ} المتعلق بغيرهم، {وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} يعني أنه نصحهم فلم ينتصحوا، {وَإِذَا جَاءُوكَ} يعني هؤلاء المنافقون {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} لأنهم إذا أتوا يقولون: السام عليكم، لا يقولون السلام، لكن من باب التحريف، السام يعني الموت عليك يا محمد

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ماذا يقولون، فيقول:” وعليكم” فقط لا يزيد، يقول:” وعليكم” يعني إن كانوا قد قالوا السلام عليكم وعليكم، وإن قالوا السام عليكم يعني وعليكم، {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} من باب التمويه، ومن باب بيان ماذا؟ بيان أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بصادق كما زعموا من باب إيهام الناس  من أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس على الحق، يقولون للضعفاء ولغيرهم، {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} فماذا قال الله؟ {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} تكفيهم جهنم المعدة لهم {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} يعني يقاسون حرها {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

يعني فبئس المرجع ما هي؟ النار.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} هنا لما ذكر ما يتعلق بالنهي لهؤلاء عن النجوى نهى أهل الإيمان من أن يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك في هذه النجوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} لكن ما البديل؟ {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} البر والتقوى، البر هو التقوى، والتقوى هي البر، لكن إذا اجتمعتا البر هو العمل الصالح، التقوى هو اجتناب العمل السيء، {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فتقوى الله تجعل العبد يزداد إيمانا بيوم الحشر.

{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} يعني نجوى أولئك المنافقين واليهود {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} يعني أزهم على ذلك الشيطان من أجل ماذا؟ {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} ليدخل عليهم الحزن والقلق {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا} يعني لن يضرهم الشيطان، ولا تلك النجوى، {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يعني بأمر الله، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} فلا يلتفت إلى نجوى هؤلاء، ولا إلى أفعالهم، ولذلك جاءت السنة الصحيحة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر فإن ذلك يحزنه” ويصدق على ذلك من أنه كما في مثل هذا الزمن لو أن ثلاثة لم يتناجوا، ورفعوا الصوت، لكنهم يتحدثون بصوت مرتفع، لكن بلغة لا يفهمها الثالث فإنهم داخلون ضمن هذا الحديث.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} هنا أمر من الله من أنه إذا قدم شخص إلى مجلس فإن على من كان في المجلس أن يوسعوا له، فإن من وسع له فإن الله سيفسح له، وذلك بأن يوسع عليه في الدنيا، وفي الآخرة، فقال تعالى بعد ذلك {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} والمراد من النشوز هنا هو النهوض؛ وذلك لأن {انْشُزُوا} معناه ارتفعوا يعني {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} يعني انهضوا بأن تفعلوا قولا يحبه الله أو فعلا يحبه الله فافعلوا، ولا تتأخروا عن ذلك الأمر، {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} هذه هي العاقبة بأن ترفع درجات هؤلاء في الدنيا، وفي الآخرة، ومن ثم فإن الله يذكر الإيمان مع العلم، مما يدل على أن العلم لا فائدة ولا ثمرة منه إذا لم يكن هناك إيمان، ولذا قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقدم هنا العمل، وأخر اسمه عز وجل؛ لأن السياق يدل على العمل، فلعله ذكر العمل قبل اسمه عز وجل من أجل هذا الغرض، وأخر العمل في الآيات التي ستأتي بعدها من من باب أن  النجوى وهي على وجه السر، فيكون من المناسب أن يقدم الاسم، وهو قوله {خَبِيرٌ} فقال الله هنا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فلا يخفى عليه شيء.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} كثر من يناجي النبي صلى الله عليه وسلم ويأخذ به وحده، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يرد أحدا، فشق ذلك عليه عليه الصلاة والسلام، فأمر الله أن من أراد أن يناجي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدم صدقة فقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}  {ذَلِكَ} يعني الصدقة {خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} {خَيْرٌ لَكُمْ} في الدنيا، وفي الآخرة {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم ولأعمالكم ولأقوالكم {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} يعني صدقة بمعنى أنكم كنتم فقراء، من كان فقيرا فإنها تسقط عنه {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ثم لما كان الأمر قد شقَّ على بعض الصحابة رضي الله عنهم نسخ الله هذا الحكم فقال الله {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا} يعني خفتم {أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} يعني أنه رحمكم، وتاب عليكم فخفف عنكم وتاب عليكم إذن ما الذي يلزمكم بعد ذلك؟ {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قدم اسمه هنا من باب ماذا؟ والله أعلم كما سلف؛ لأن تقديم اسمه الخبير يتوافق مع النجوى، وليعلم أنه جاء في بعض الأحاديث:” من أن من قدم صدقة هو شخص واحد، وهو علي بن أبي طالب، ولذا كان يقول إنه لم يعمل أحد بهذه الآية، ولن يعمل بها أحد بعدي، ولكن تلك الآثار لا تخلو من ضعف،  وأما ما جاء عند الترمذي من أن النبي عليه الصلاة والسلام استشار عليا رضي الله عنه  كم يقدمون من الصدقة أدينار؟ قال يا رسول الله إنه كثير قال نصف دينار؟ قال إنه كثير، بل شعيرة قال إنك لزهيد يا علي” فهذا الحديث ضعيف، ومن ثم فإن عليا رضي الله عنه يقول بي خفف عن هذه الأمة، لكنه حديث ضعيف.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)}

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا} وهذا هو شأن المنافقين، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} تولوا اليهود الذين غضب الله عليهم {مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} يعني أن المنافقين {مَا هُمْ مِنْكُمْ} يعني ليسوا من اليهود، ولا منكم أيها المؤمنون كما قال تعالى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} وهذا أظهر من إرجاع الضمير إلى اليهود،{مَا هُمْ مِنْكُمْ} يعني اليهود {وَلَا مِنْهُمْ} يعني المنافقين، لكن ما تقدم هو الأظهر، قلت هو أظهر؛ لأن السياق يتعلق بالمنافقين {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} شأنهم وطريقتهم الحلف الكاذب مع أنهم يعلمون أنهم كاذبون، فالحلف الكاذب لا يجوز، فكيف إذا كانوا على علم بأنهم كذبة {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} هيأ الله لهم عذابا عظيما {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أعمالهم أعمال سوء، ومن ذلك ما كان منهم من إبطان الكفر وهذا الحلف الكاذب.

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يعني من أنهم حلفوا فاتخذوا أيمانهم جنة يعني يستترون بها من أجل ماذا؟ أن يحفظوا أموالهم وأنفسهم حتى لا يقاتلهم المسلمون، {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أيضا مع ذلك كله كانوا سببا في صد الناس عن طريق الله، وأيضا في صد المسلمين عن مقاتلة هؤلاء لو أظهروا الكفر، فقال الله {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} يعني يهينهم ويذلهم.

{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} من أن تلك الأموال والأولاد لن تفيدهم شيئا، وهذا كما قال تعالى عن الكفار {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} وقال هنا {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وهذا يدل على أنهم مصاحبون للنار، وهم خالدون ماكثون فيها {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} فلا يبقى منهم أحد إلا وقد بعث {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} يحلفون لله من أنهم على الإيمان {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ}، يظنون أنهم سيسلمون؛ لأن الله علام الغيوب لا يخفى عليه شيء، ليس كالبشر الذين تحلفون لهم كذبا، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وأكد ذلك من أنهم هم الكاذبون {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.

ما سبب ذلك؟ {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} بمعنى أن الشيطان استولى عليهم استيلاء كاملا {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} فكان ذلك أنه أنساهم ماذا؟ {فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} أنساهم ذكر الله، وأعظم هذا الذكر هو القرآن العظيم، {فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} يعني جند الشيطان، {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} في الدنيا وفي الآخرة.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني أنهم يحادون الله ويخالفون الله ورسوله عليه الصلاة والسلام {أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} يعني أنهم قد انغرقوا فيمن؟ في جملة الأذليين، ولذلك قال الله في أول السورة {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وقال هنا {أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}  يعني من جملة هؤلاء الذين انغمسوا في دركات الذل والهوان.

{كَتَبَ اللَّهُ} كتب الله في اللوح المخفوظ {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} فالغلبة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين كما قال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} فهو القوي العزيز الغالب الذي لا يعجزه شيء، ومن ذلك هلاك هؤلاء.

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} يعني من أن من يحب الكفار فإن في إيمانه خللا، وقد مر معنا من أن محبة الكفار من أعظم ما يكون من الذنوب العظام، وهل يكفر بهذا أو لا؟ مر معنا الحديث مفصلا متى يكفر ومتى لا يكفر؟ في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} فقال الله مبينا خطورة محبة الكفار {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني يحبون من حاد الله من خالف الله ورسوله، {وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ولذلك ذكر من ذكر أولا، {وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ} لأنهم هم الأصول، ثم الأبناء وهم الفروع، ثم الإخوة لأنهم هم الحواشي ثم القبيلة،

{وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} يعني قبليتهم {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} كتب الله في قلوبهم الإيمان لما قدموا محبة الله ومحبة دينه على محبة هؤلاء الكفار فقال الله {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}  وهذه خصيصة لهؤلاء {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} {وَأَيَّدَهُمْ} يعني قواهم {بِرُوحٍ مِنْهُ} يعني بقوة وبنصر منه عز وجل، {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} رضي الله عنهم لما قدموه من أعمال، ورضوا عنه لما لاقوا ثواب الله، ومن ثم فإن في هذا إثبات صفة الرضا لله بما يليق بجلاله وبعظمته {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هذا الحزب ليس كالحزب السابق الذي مر {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال هنا {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الذين حصل لهم مبتغاهم، وزال عنهم ما يكرهونه، ولذا قال الله {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.

وبهذا ينتهي تفسير سورة المجادلة….