تفسير سورة النحل من الآية (51) إلى ( 67 ) الدرس ( 152)

تفسير سورة النحل من الآية (51) إلى ( 67 ) الدرس ( 152)

مشاهدات: 558

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النحل

من آية (٥١) إلى آية (٦٧)

الدرس (١٥٢)

للشيخ زيد البحري – حفظه الله –

 

قال تعالى :

﴿وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذوا إِلهَينِ اثنَينِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارهَبونِ﴾ [النحل: ٥١]

 

﴿وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذوا} يعني بعد تلك الدلائل من أن أولئك يسجدون لله عزّ وجل فكيف يتخذ هؤلاء أنداداً مع الله فنهاهم عن ذلك ﴿وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذوا إِلهَينِ اثنَينِ) وأكد الإلهين بكلمة اثنين وإنما ذكر الإثنين باعتبار ماذا؟ باعتبار أنه إذا كان لا يجوز أن يشرك مع الله غيره فكذلك لو كانوا أعداداً كثيرة، ولذا قال بعدها (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) إله واحد لا معبود بحق إلا هو عزّ وجل {إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارهَبونِ} والرهبةُ: هي الخوف مع الترقب وقدم {فإياي} على {فارهبون} من باب التأكيد من أن الإنسان لا يرهبُ إلا من الله عزّ وجل ومرَ معنا ما يتعلق بذلك في سورة البقرة.

 

﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلَهُ الدّينُ واصِبًا أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقونَ﴾ [النحل: ٥٢]

 

﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ) إذاً له ما في السموات والأرض فكيف يكون هناك أحدٌ شريكا مع الله والله هو الذي يملكه ويملك الملائكة ويملك الأنبياء وما شابه هؤلاء فكيف يُتخذون مع الله عزّ وجل أنداداً!

﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَلَهُ الدّينُ واصِبًا) يعني له الدين الواصب المستمر الذي لا ينقطع بخلاف غيره فإنه إذا عُبد فإن عبادته تنقطع وذلك باعتبار موتِه أو باعتبار هلاكه فلا عبادة مستمرة الا لله عزّ وجل، فإنه وإن عُبد مع الله غيره فإن تلك العبادة تنقطع (أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقونَ﴾ وهذا من باب الإنكار عليهم (أَفَغَيرَ اللَّهِ تَتَّقونَ﴾ أتتقون غير الله عزّ وجل مع وضوح هذه الأدلة!

 

﴿وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ﴾ [النحل: ٥٣]

 

{وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} بمعنى أن أيَّ نعمة حصلت للعبد فإنها من الله عزّ وجل فإذا لم يشكر الله عزّ وجل على هذه النعمة سلبها منه، ولذا قال عزّ وجل ﴿وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ﴾.

 فقال هُنا ﴿وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) والضُر هو الذي يضر الإنسان في بدنهِ أو في مالهِ أو في شيء من أحواله، هؤلاء الكفار إذا مسهم الضُر فقال هُنا (ثم إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ﴾ أي تدعون الله بأصواتٍ مرتفعة تجأرون أي ترفعون أصواتكم بالدعاء كما قال عزّ وجل ﴿وَإِذا مَسَّ الإِنسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنبِهِ أَو قاعِدًا أَو قائِمًا﴾ إلى غير ذلك في الآيات كما قال تعالى ﴿فَإِذا رَكِبوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُم إِلَى البَرِّ إِذا هُم يُشرِكونَ﴾ فقال هنا: {ثم إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرونَ}.

 

﴿ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُم إِذا فَريقٌ مِنكُم بِرَبِّهِم يُشرِكونَ﴾ (54)

 

{ثم إذا كشف} يعني أزال ﴿ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُم إِذا فَريقٌ مِنكُم بِرَبِّهِم يُشرِكونَ﴾ إذاً دعاؤكم ذلكم الدعاء إنما هو في حال الضّراء، وإنما في حال الرخاء فإنكم تكفرون بالله عزّ وجل، وتظنون أنكم خارجون عن قدرته وعن سلطانه وملكه.

 ﴿ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُم إِذا فَريقٌ مِنكُم بِرَبِّهِم يُشرِكونَ﴾ وقال: {فَريقٌ مِنكُم} من باب ماذا؟ من باب أن بعضهم قد يسلمُ بعدما يرى ما يرى كما مر في قصةِ عكرمة ابن أبي جهل الذي قال: “والله لإن نجَّيتني عَهْدٌ عليَّ أن آتيَ إلى محمد ” لما أتت الأمواج في البحر كما ثبت ومر معنا ذلك فإنه لما أنجاه الله عزّ وجل أتى فأسلم رضي الله عنه فقال هنا (إِذا فَريقٌ مِنكُم بِرَبِّهِم يُشرِكونَ﴾

 

﴿لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم فَتَمَتَّعوا فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾ [النحل: ٥٥]

 

(لِيَكفُروا) العاقبة بعد أن نجاهم ﴿لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم) أي بما أعطيناهم من النجاة وما شابه ذلك من هذه النعم ﴿لِيَكفُروا بِما آتَيناهُم فَتَمَتَّعوا فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾ بمعنى أنه لو نجَّاكم عزّ وجل فإن فهناك وعيدا شديداً (فَتَمَتَّعوا فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾ كما قال عزّ وجل ﴿نُمَتِّعُهُم قَليلًا ثُمَّ نَضطَرُّهُم إِلى عَذابٍ غَليظٍ﴾ وكما قال تعالى (قُل تَمَتَّع بِكُفرِكَ قَليلًا إِنَّكَ مِن أَصحابِ النّارِ﴾ وكما قال تعالى ﴿قُل تَمَتَّعوا فَإِنَّ مَصيرَكُم إِلَى النّارِ﴾

 

﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا مِمّا رَزَقناهُم تَاللَّهِ لَتُسأَلُنَّ عَمّا كُنتُم تَفتَرونَ﴾ [النحل: ٥٦]

﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا} هذا شيءٌ غريب ومستغرب من هؤلاء وإنكارٌ على هؤلاء.

﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا مِمّا رَزَقناهُم) كما في قوله تعالى ﴿وَجَعَلوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرثِ وَالأَنعامِ نَصيبًا ﴾ [الأنعام: ١٣٦] فيجعلون لهذه الأصنام نصيبا من رزقِ الله عزّ وجل فقال هُنا ﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا مِمّا رَزَقناهُم) بمعنى لا يعلمون (لما) هنا موصولية بمعنى أنها لا تنفع ولا تضر وإنما بها الجهل ولذا قال (لِما لا يَعلَمونَ) فهي جمادات جاهلة ولا تعلم من أين تأتي بالضر أو من أين تأتي بالنفع أو تدفع الضُر، فلا تملك شيئاً من ذلك.

 ﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا مِمّا رَزَقناهُم) ووصفهم بأنهم لا يعلمون باعتبار التقبيح والتنكير لهذه الأصنام ولم يصرح بها ﴿وَيَجعَلونَ لِما لا يَعلَمونَ نَصيبًا مِمّا رَزَقناهُم تَاللَّهِ لَتُسأَلُنَّ عَمّا كُنتُم تَفتَرونَ﴾ [النحل: ٥٦] لَتُسأَلُنَّ: قَسم من الله عزّ وجل من أن هؤلاء سيسألون كما قال تعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعين *عَمّا كانوا يَعمَلونَ﴾ [الحجر: ٩٣] قال هُنا (تَاللَّهِ لَتُسأَلُنَّ عَمّا كُنتُم تَفتَرونَ﴾ فقد افتَروا على الله الكذب، والافتراء: هو أشد الكذب، ومن افترآتهم من أنهم جعلوا نصيباً لهذه الأصنام كما مر معنا في سورة الأنعام (تَاللَّهِ لَتُسأَلُنَّ عَمّا كُنتُم تَفتَرونَ﴾ .

 

﴿وَيَجعَلونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبحانَهُ وَلَهُم ما يَشتَهونَ﴾ [النحل: ٥٧]

 

{وَيَجعَلونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبحانَهُ} بمعنى أنهم يقولون إنَّ الملائكةَ بناتُ الله مع أنهم إذا أنجبت زوجةُ أحدهم بنتا فإنه يشمئزُ من ذلك فلا يرغب بها وإنما يرغب في البنين ومع ذلك يجعل هؤلاء البنات اللواتي يكرههن يجعلهن بنات لله عزّ وجل، كما قال عزّ وجل فيما يتعلقُ بهؤلاء الملائكة ﴿وَجَعَلوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزءًا إِنَّ الإِنسانَ لَكَفورٌ مُبينٌ﴾ [الزخرف: ١٥].

 وكما قال تعالى ﴿وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذينَ هُم عِبادُ الرَّحمنِ إِناثًا أَشَهِدوا خَلقَهُم سَتُكتَبُ شَهادَتُهُم وَيُسأَلونَ﴾ [الزخرف: ١٩] فقال عزّ وجل هنا ﴿وَيَجعَلونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبحانَهُ وَلَهُم ما يَشتَهونَ﴾ سبحانه نزه نفسه عما لا يليقُ به سُبحانه {وَلَهُم ما يَشتَهونَ} يشتهون ماذا؟ يشتهون البنين ولا يشتهون البنات.

 

﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾ [النحل: ٥٨]

 

﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى﴾ وهنا لو قال قائل كيف: يُبَشر بالأنثى مع أنه لا يرغب فيها فكيف يكون هذا بِشارة؟ الجواب عن هذا:

إما أن يقال ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى﴾ التبشيرُ هنا من باب ماذا؟ من باب أنه بُشِّرَ فقط بولادة زوجته دون أن يُذكر لها هذا المولود.

وقيل: ولعله هو الأقرب من أن البِشَارة تأتي بمعنى الإخبار كما هُنا ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا} بمعنى أن وجهه يتغير تغيراً عظيماً إلى درجة أنه ربما يصل إلى السواد، لأن بعضهم قد لا يسود وجهه وإنما يتغير وجهه وقد يزيد بعضهم إلى أن يسود وجهه.

 فقال عزّ وجل هنا ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾ يعني كظيم من حيث القلب، فهو كظيم يكظم هذا الخبر الذي أتاه لكن هذا الخبرَ لا يكون خفياً فإنما يظهر على وجهه، ومن ثمَ فإن مثل هذه الآية تُضَمُّ إلى الآيات التي مرت معنا من أن الإنسان ما أخفى شيئا في قلبه إلا ظهر على فلتات لسانه أو على تقاسيم وجهه فلما قال {ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾ دلّ هذا على أنه كظم ذلك في قلبه لكن ظهر على تقاسيم وجهه،

﴿يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ﴾ [النحل: ٥٩]

 

{يتوارى} يعني يختفي يتوارى من القوم يختفي من قومه لمَ؟ لأنه يقول إنَّ هذا عار! وهذه سنة جاهلية ولذا أرشد الرسول ﷺ في أحاديثَ كثيرة إلى الاهتمام بالبنات، بل جعل الجنة لما قام على بنتين فرعاهما وأحسن تربيتهن فإن له الجنة إلى غير ذلك من الأحاديث التي حَّث فيها ﷺ على البنات ولا أدلَّ من فعله ﷺ مع ابنته فاطمة كيف حالُهُ معها من حيث الرحمّة وما شابه ذلك.

 

فقال عز وجل: ﴿يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ﴾ [النحل: ٥٩]

 

﴿يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ} أي بسبب {ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ} {أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ } باعتبار أنه لا يقتل هذه البنت بمعنى أنه يمسكه على إهانةٍ تُصيبه {أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ} بمعنى أنه يئدُها كما كانوا يصنعون في الجاهلية،

وقيل: {أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ} بمعنى أنه يمسكه على هونٍ بتلك البنت فإنه لو أبقاها فإنه لا يُعطيها من حقوق كما يعُطي الأبناء وكِلا المعنيين يصِحانِ فيه هذه الآية.

فقال هُنا {أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ} (أَلا ساءَ) ألا: للتنبيه، ساء: فعلٌ لإنشاء الذّم مثل بئسً {أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ} أي هذا الحكم الذي حكموا به من هذا الصنيع تجاه هؤلاء البنات وأيضاً تجاه ما جعلوا لله عزّ وجل البنات، فقال هُنا {أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ}

 

﴿لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [النحل: ٦٠]

 

قال {لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ} دلّ هذا على ماذا؟ على أن هؤلاء ما آمنوا بالآخرة، وإلا لو آمنوا بالآخرة ما قالوا هذا القول {لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوءِ} أي صفة السَّوء التي هي تناسبهم، أما ما ضربوه لله عزّ وجل من تلك الأمثال فإنها لا تليق بالله عزّ وجل إنما الأمثلة السيئة إنما تكون لهم {لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى} له المثلُ الأعلى فلهُ الأسماء الحُسنى ولهُ الصفات العُلى {وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى} ولذا ختم الآية بقوله {وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ} القوي الغالب الذي لا ينال سوء، الحكيم في أقواله وفي أفعاله وفي أحكامه فإنه عزّ وجل له المثل الأعلى الصفات العُليا والأسماء الحُسنى فقال عزّ وجل هنا {وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ} أما هم فلهم مَثَلُ السَّوء فكيف يجعلون لله عزّ وجل البنات.

 

 

﴿وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم ما تَرَكَ عَلَيها مِن دابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ [النحل: ٦١]

 

{وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم} {وَلَو يُؤاخِذُ} يعني يعاقب كما قال عزّ وجل {وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ} أي عاقبها

﴿وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ القُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليمٌ شَديدٌ﴾

 {وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم} بسبب ظلمهم {ما تَرَكَ عَلَيها مِن دابَّةٍ} يعني على الأرض كما قال عزّ وجل {وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبوا ما تَرَكَ عَلى ظَهرِها مِن دابَّةٍ} فقال هُنا {وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم ما تَرَكَ عَلَيها مِن دابَّةٍ} قال ما ترك عليها من دابة وهذا يشملُ ماذا؟ يشمل حتى البهائم التي لهم فإنها لا تبقى باعتبار أنهم ينتفعون بها فلا هم يبقون ولا بهائمهم ولا حيواناتهم ودوابهم.

 فقال هُنا { وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} يؤخرهم إلى زمنٍ مسمى عنده محدد { فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم} أي المدة التي قدرها الله عزّ وجل لهم بإنزال العذاب إما في الدنيا أو بقيام الساعة { فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ} لا يستأخرون عن تلك الساعة ولا يستقدمون بمعنى أنهم لا يتقدمونها.

ولذلك إذا عاقب الله عزّ وجل أحداً فإنما يعاقبهُ ببعض ذنوبه ولو عاقبه بكل ذنوبه لهلكَ ولذا قال تعالى ﴿وَما أَصابَكُم مِن مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَت أَيديكُم وَيَعفو عَن كَثيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] وغيرها من هذه الآيات.

 

﴿وَيَجعَلونَ لِلَّهِ ما يَكرَهونَ وَتَصِفُ أَلسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الحُسنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ وَأَنَّهُم مُفرَطونَ﴾ [النحل: ٦٢]

{وَيَجعَلونَ لِلَّهِ ما يَكرَهونَ} وَيَجعَلونَ لِلَّهِ ما يَكرَهونَ من هؤلاء البنات وكذلك مما يجعلونه من نصيب الحرث وما شابه ذلك كما مر معنا في سورة الأنعام، فيجعلون لله الردَيء من هذه الزروع ويجعلون لأصنامهم الشيءَ الطيب، فقال هُنا {وَيَجعَلونَ لِلَّهِ ما يَكرَهونَ} ومع ذلك عندهم إعراض وتكبر وتطاول.

{وَتَصِفُ أَلسِنَتُهُمُ الكَذِبَ} الوصف يدُل على ماذا؟ يدل على أنهم بلغوا في الكذب مبلغه حتى أنهم ليصفون الكذب بألسنتهم من غير أن يكونَ هناك شيء يتعلق بما يقولونه من حجة أو تمعُن.

{وَتَصِفُ أَلسِنَتُهُمُ الكَذِبَ} ما هو الذي تصفه ألسنتهم؟ أن لهم الحُسنى يعني كما مرَ معنا ﴿وَأَقسَموا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللَّهُ مَن يَموتُ بَلى﴾ [النحل: ٣٨] فيقولون: لو بُعثنا من أن لنا العاقبة الحسنةَ في الآخرة {وَتَصِفُ أَلسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الحُسنى} أي الحالة الطيبة والحسنة في الآخرة.

{أَنَّ لَهُمُ الحُسنى لا جَرَمَ} يعني حقا {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ وَأَنَّهُم مُفرَطونَ} بل إن لهم النار وليست الحالة الحسنة، وأنهم مفرطون، بمعنى: أنهم متروكون في العذاب، وكذلك يدخل فيه قول من يقول: مفرطون بمعنى أنهم مقدمون على غيرهم في العذاب، كما قال عزّ وجل عن فِرعون {يقدم قومه يوم القيامة} إذاً لهم النار، وأيضاً يتقدمون إلى هذه النار قبلَ غيرهم وإذا وقعوا فيها فإنهم مترُوكون فيها أبد الآباد.

 

﴿تَاللَّهِ لَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَومَ وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [النحل: ٦٣]

{تَاللَّهِ لَقَد أَرسَلنا} قسم من الله من باب التسلية للنبي ﷺ لصنيع هؤلاء وتكذيبهم.

﴿تَاللَّهِ لَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم} بمعنى أنهم زين لهم الشيطان وحَسَّن لهم الشيطان الكُفر والتكذيب فأنزلنا بهم العذاب فكذلك شأنُ قومك {تَاللَّهِ لَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم} أعمالهم الخبيثة، {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَومَ} الشيطان وليُهم كما قال تعالى كما مرَ معنا في سورة الأعراف ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطينَ أَولِياءَ مِن دونِ اللَّهِ وَيَحسَبونَ أَنَّهُم مُهتَدونَ﴾ [الأعراف: ٣٠].

 فقال هُنا {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَومَ} اليوم هل المقصود منه في الدُنيا أو المقصود في الآخرة؟

قيل بهذا ولا تعارض بين القولين، فإنه وليهم في هذه الدُنيا لما أطاعوه وكذلك هو وليهم في الآخرة إذا أرادوا أن يأتوا إليه من باب أن يحاجج عنهم أو يدفع عنهم شيئاً، فيتبرأ منهم كما مرَ معنا في سورة إبراهيم:

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } الآية، فما أعظمَ خسارةَ هؤلاء في الدُنيا وفي الآخرة  {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليَومَ وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ لهم عذابٌ أليم مؤلمٌ يقاسون هذا العذاب.

 

﴿وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ [النحل: ٦٤]

 

{وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ} مما اختلفوا فيما يتعلق فيما يكون بينهم {وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ} بمعنى أن في هذا القرآن بيانا لكلِ شيء، ولذا كما سيأتي معنا في آخر السورة ﴿وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ﴾ [النحل: ٨٩] وكل ما اختُلف فيه في هذا القُرآن البيان والتوضيح.

 {وَما أَنزَلنا عَلَيكَ الكِتابَ إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ} وهذا يدل على ماذا؟ على أن الأمةَ الإسلامية لو أخذت بهذا القرآن وطبقته فإنه يُزيل كل اختلافٍ بينهم، لكن لما أعرضوا عاقبهم الله عزّوجل بهذه الفُرقة، والجزاءُ من جنس العمل ﴿وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].

 فبين هنا من أنه ما أنزل القرآن إلا لهذه الأمور {إِلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اختَلَفوا فيهِ} ثم قال {وَهُدًى} هدى من الضلالة، فبه العلم النافع {وَهُدًى وَرَحمَةً} فمن أخذ بهِ فإن الرحمة تنالُه من حيثُ الأجور، ومن حيثُ الراحة، ومن حيثُ الطمأنينة ﴿أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ﴾ [الرعد: ٢٨] إلى غير ذلك مما يتعلق بهذه الرحمة.

قال {لِقَومٍ يُؤمِنونَ} يعني لأنهم هم المنتفعون بذلك، فمن ثمَ فإنه كما مرَ معنا في أواخر سورة إبراهيم ﴿هذا بَلاغٌ لِلنّاسِ وَلِيُنذَروا بِهِ وَلِيَعلَموا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلبابِ﴾ [إبراهيم: ٥٢] فأنزل القرآن لأمور شريفةً عظيمةً نوَّعَ الله عزّ وجل ذكرها في هذا القُرآن كما مرَ معنا في سورة إبراهيم وكما في هذه السورة وكما سيأتي في سورٍ أخرى.

 

﴿وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَسمَعونَ﴾ [النحل: ٦٥]

{وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} سُبحان الله هُنا ذكر الله عزّ وجل الدلائل على عظمة الله، وعلى تفردهِ بالتوحيد، فقال هنُا {وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} أولئك لما أنكروا البعث وأنكروا التوحيد ذكر عزّ وجل الدلائل.

{وَاللَّهُ } وقَدَّمَ أسمه عز وجل من باب ماذا؟ من باب التعظيم ومن باب التخويف لهؤلاء ومن باب أنه كما أنكم تقولون إنه هو الرب هو الله الذي لا يستحق العبودية إلا هو.

 {وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحيا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها} كانت ميتة فأحياها الله عزّ وجل ومر معنا ذلك معنا مفصلاً في آيات كثيرة بما يتعلق بدلالة نزول هذا المطر.

 {إِنَّ في ذلِكَ} يعني في إنزال المطر وإحياء هذه الأرض {إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً} لعلامة {لِقَومٍ يَسمَعونَ} سماع تَفَهُم وتدبر وعِظة، ليس مجرد سماع {إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَسمَعونَ}

 

{وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ} [النحل: ٦٦]

 

{وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً} الأنعام: هي الإبل والبقر والغنم {وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً} يعني لعِظَة في خلقها {أَفَلا يَنظُرونَ إِلَى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت} [الغاشية: ١٧] وكما مرَ معنا في أول السورة {وَالأَنعامَ خَلَقَها لَكُم فيها دِفءٌ وَمَنافِعُ وَمِنها تَأكُلونَ *وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ* وَتَحمِلُ أَثقالَكُم إِلى بَلَدٍ لَم تَكونوا بالِغيهِ إِلّا بِشِقِّ الأَنفُسِ}.

 فقال هنُا {وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً} لو تأمل الإنسان هذه الأنعام كل صنف على حِدَه فإنه سيجد العبر العظيمة، لما قال {وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً} ذكر شيئاً واحداً مما يتعلق بتلك الأنعام وهي دلالةٌ عظيمة تدل على عظم الله وعلى تفرده بالتوحيد قال:

 {نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ} وهو هذا اللبن، وأقول ذلك باختصار قبل توضيح هذه الآية من أنه عزّ وجل يسقي الناسَ من هذه الأنعام، يسقيهم ماذا؟ اللبن ذلكم اللبن الذي يخرج إنما يخرجُ من مكان يدلُ على عظم الله عزّ وجل، ذلكم اللبن يخرج من الكَرش الذي به الطعام المهضوم وكذلك من الدم ومع ذلك هذا اللبن يخرج من بين الفرث ومن بين الدم يخرج ماذا؟ يخرج هذا اللبن لبناً صافياً نقياً لا يتلوث لا بدم ولا بالفرث، وأيضاً سائغ يعني مستساغ الشرب ولذيذ، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أنه من أخرج هذا اللبن من هذا المكان ومن هذين الشيئين المختلطين ويخرجُ بهذه الصورة فإنه يدُل على عظم الله عزّ وجل، فكيف يُعبَدُ غيرهُ عزّ وجل.

 {نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ} قال مما في بطونه ولم يقل مما في بطونها لأن الضمير عائد على النَّعم على النَّعم.

 فقال هُنا {مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ} الفرث: هو الطعام الذي هُضِم من بين الدابة في كرشها فيسمى فرثا لكن لو خرج فإنه يسمى روثا {مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ} ما الذي يخرج؟ {لَبَنًا خالِصًا} يعني لم يَشُبْهُ شيء لا من الدم ولا من الفرث {سائِغًا} بمعنى أنه مستساغ مع اللذة التي بهِ، ولذا النبي ﷺ قال كما ثبت عنه:

( اللبن في المنام فطرة ) يدل على الفطرة، ولذلك في ” قصة الإسراء والمعراج كما ثبت لما خُير ﷺ بين إناءين بين لبن وآخر من خمرٍ فاختار اللبن، فقال له جبريل: هُديت إلى الفطرة” وفسر ﷺ كما ثبت عن اللبن في المنام بأنه هو العلمُ الشرعي، وقد قال النبي ﷺ كما ثبت عنه قال : “إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم ارزقنا خيراً منه وإذا شرب لبناً فليقل اللهم زدنا منهُ ” ثم قال: “ليس هناك شيءٌ يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن” فقال هُنا {خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ} لأي شارب فإنه يكون بهذه الصفاتِ المحمودة.

 

﴿وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ تَتَّخِذونَ مِنهُ سَكَرًا وَرِزقًا حَسَنًا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ﴾ [النحل: ٦٧]

{وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ} يعني من ثمرات النخيل والأعناب ثمر فيها عبر أيضاً {وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ تَتَّخِذونَ مِنهُ سَكَرًا وَرِزقًا حَسَنًا} قال بعضُ المفسرين: إن هذه الآية أول آية تُحذرُ من الخمر بطريق خفي لأنه قال سَكرا، لما ذكر الرزقَ وصفة بأنه حسنَ ولذلك في ختام الآية ماذا قال؟ {إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ} فالذي يعقلُ فإنه يدع ماذا؟ يدع شرب هذا المُسكر.

 فقال هذه أولُ آية لكنها نُسخت، لكن بعض العلماء يقول: ليست هذي أول آية في تحريم الخمر لمَ؟ لأن هذا خبر والأخبارُ لا يدخلها النسخ، لكن رُدَّ على هؤلاء من أن السياق سياق خبر لكنه يتضمن الأمر، فنُسخ الأمر وليس المقصود أن يُنسخَ الخبر، ومن ثم قال هؤلاء {وَمِن ثَمَراتِ النَّخيلِ وَالأَعنابِ تَتَّخِذونَ مِنهُ سَكَرًا} السَّكَر قالوا إنما هو ما يكون من هذه الثمار من خلِ وما شابه ذلك من هذه الأشياء.

 قال {وَرِزقًا حَسَنًا} بمعنى أن هذا رزقٌ حسن تأكلون منه وتخلطونه بأشياء، هذه الثمار تزببونها كالعنب وتدخرونها كالتمر وما شابه ذلك {وَرِزقًا حَسَنًا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً} لعلامة {لِقَومٍ يَعقِلونَ} إذ إنهُ عزّ وجل أخرج لكم من هذا النخيل وهذه الأعناب ثمرات، تلكم الثمرات هداكم الله إلى أن تتخذوا منها هذه الأشياء فرزقكم هذا الأمر، فأين عقولكم في التمعن في قدرة الله عزّ وجل {إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ}.