تفسير سورة فصلت من الآية ( 1 ) إلى ( 29 ) الدرس (225 )

تفسير سورة فصلت من الآية ( 1 ) إلى ( 29 ) الدرس (225 )

مشاهدات: 571

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الشامل

تفسير سورة فصلت من الآية (1) إلى الآية (29)

الدرس (225)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

﴿حمٓ (1) تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (2) كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (3) بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ (4) وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ (5) قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ (6) ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ (7) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ (8)﴾

 

سورة فصلت من السور المكية.

 ﴿حم﴾ وهذه من الحروف المقطعة، ومَر الحديثُ عنها في أول سورة البقرة.

 ﴿تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ هذا القرآن تنزيل ممن؟ ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وكما قلت لكم إذا ذكر الله عز وجل تنزيل القرآن ذكر أسماءه، فنزول هذا القرآن رحمةٌ من الله، ولذلك وصف الله هذا القرآن بأنه رحمة.

﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ﴾ وهو القرآن، فصلت ووضحت وبينت آياته، كما قال عز وجل في سورة هود ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1]

 ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ بُينت ووضحت ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ حالةَ كونه قرآناً عربياً ليس أعجميًا

﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ فهم أصحابُ علم لأنهم يمتعنون ويتدبرون هذا القرآن.

﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ هذا القرآن بشير لمن أطاع الله، ونذير لمن عصى الله، ومع ذلك: ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ أعرضوا عن هذا القرآن بأنهم لا يسمعون سماعَ تفهُّم وتعقُّل.

 ﴿وَقَالُوا﴾ للنبي ﷺ ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ يعني في غطاء وغلاف ﴿فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾ يعني أن بها صمما لا تسمع ما تقول ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ ساتر، يعني نحن وما بيننا وبينك نزاعٍ وشقاق، فلن نستمع منك ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ فاعمل على طريقتك، ونحن عاملون على طريقتنا.

﴿قُلْ إِنَّمَا﴾ قل يا محمد لهؤلاء ﴿أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ وقال هنا قل إنما أنا بشر لأنهم قالوا إنما أنت بشر، يعني لو لم تكن بشرا أو أرسِلَ غيرُك من الملائكة لآمنّا به، فدل هذا على أن في قلوبهم الطغيان، الذي منعهم من الإيمان أنه بشر، وإلا لآمنوا بهذا القرآن.

 فقال الله عز وجل للنبي ﷺ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ يوحي الله عز وجل إلي، وله مِن الصفات العظيمة البشرية الأكمل منها كما قال ابن القيم رحمه الله، لكن لا يُرفَع إلى مرتبة الخالق.

﴿يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا﴾ هنا قال (أنما) لم يقل (إنما) لأنها للتعليل، يوحى إلي لأجل أن تعبدوا الله.

 ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لأجل أن تعترفوا وتُقروا بأن إلهكم إله واحد.

﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ وقال: فاستقيموا إليه إخلاصا لله وهذا يتضمن التوحيد، لأن أعظم الاستقامة التوحيد، ولا استقامةَ إلا بالتوحيد.

وهذا يدل كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله: أن التوحيد والاستغفار مهمان في حياة الإنسان، فالتوحيدُ به النجاة، والاستغفار يُرقع ما يحصل من خلل من الإنسان من ذنوب وغيرها، ولذلك قُدمت الاستقامة هنا لأهميتها لأن النبي ﷺ لما قال له رجل أوصني قال: “قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ”.

 

﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ وعيد للمشركين، من هم؟ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ وهي الزكاة المفروضة لأنها فُرضت في مكة؛ لكن الأنصبة فُرضت في المدينة، وأيضًا يشمل: أنهم لا يزكون أنفسَهم.

 ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ كفرُهُم بالآخرة ﴿وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ نص على أنهم لا يرجون قيام الساعة، وإلا لاتبعوا النبي ﷺ.

لما ذَكَر مَن أعرض، ذَكَر مَن أقبل ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾

{غَيْرُ مَمْنُونٍ} يعني: غير منقطع، فهو أجر مستمر؛ غير منقطع وغير ناقص.

وقال بعض المفسرين -ورُد عليه- ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قال غير ممنون عليهم، يعني لا يمن عليهم!

 فرُد عليه: أن المنةَ لله عز وجل على عباده حتى ولو كان على أهل الجنة، ولذلك قال الله عز وجل:

 ﴿قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات:17] ولذلك أهل الجنة يقولون ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور:27] فقول مَن يقول إنه لا منة عليهم! بل المنة من الله عز وجل على جميع عباده.

 

﴿۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ (10) ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ (11) فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ (12)﴾

فقال الله عز وجل ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾ استبعاد وإنكار ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا﴾ مع ذلك كلِّه تجعلون له أنداداً ونُظراءَ وأشباه

 ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ذلك الذي خلق الأرض هو رب العالمين فوحدوه واعبدوه.

﴿وَجَعَلَ فِيهَا﴾ أي الأرض ﴿رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا﴾ يعني: الجبال رواسي، صفة لموصوف محذوف، أي جعل فيها جبالًا رواسي مِن فوقها، نحن نراها حينما نسير فهي آية.

 ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ بارك في الأرض، بأن جعل فيها الخيرات من الكنوز والثمار والأشجار وما شابه ذلك ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ قدر فيها ما يحتاجون إليه ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] مما يحتاجُ إليه المخلوقون من البشر وغيرهم.

﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ يعني ذلكم الخلق استوى استواء كاملًا لا زيادة ولا نُقصان في أربعة أيام، في تمام أربعة أيام، سواء للسائلين لمن سأل عن خلْقِ الأرض، ولمن لم يسأل فهذا هو الجواب.

﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ ومن ثَم فإن الأرض خُلقت في يومين، ولم تدحَ ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات:30] وخُلقت السماء بعدها في يومين، ثم بعد ذلك دُحِيَت الأرض في يومين ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت] ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات:30]

وبينا أن أول ما خلق: خَلَق اللهُ الأرضَ قبل السماء، بينا ذلك في سورة البقرة ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:29] بينا ذلك وبينا الرأي الآخر ورددنا عليه.

 

فقال هنا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ يعني: علا إلى السماء، أو قَصَد إلى السماء كما قال بعض المفسرين ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ [البقرة:29] وبينا هناك الأقوال.

﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾ وهو بخار الماء المتصاعد من الأرض بعد خَلْقِها كما قال المفسرون

 ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ يعني طائعة أو مُكرَهة ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ لم تقولا طائعتين، {طَائِعِينَ﴾  يعني نحن طائعون وبمن فينا، وهذا يدل على القول الصحيح أن لهما إدراكا، وأنهما خاطَبا الله عز وجل وأجاباه بهذا الجواب.

﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ طائعين بأن الأرض تُخرِجُ أقواتَها، والسماء تُخرِجُ وتُبزِغُ شمسَها وقمَرَها وما شابه ذلك مما خَلَقَه اللهُ عز وجل فيهما.

﴿فَقَضَاهُنَّ﴾ أتمهن ﴿سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ أي مما أمر الله عز وجل بأن يكون فيها،

ولذلك كما في الأحاديث الصحيحة أن لكل سماء أبوابا، وأن لها ملائكة كما جاءت بذلك الأحاديث.

﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾ يعني القريبة منا ﴿بِمَصَابِيحَ﴾ للزينة ﴿وَحِفْظًا﴾ حفظاً من الشياطين ﴿ذَلِكَ﴾ الخلق ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ما أحد يستطيع أن يُقدر هذا، تقدير العزيز القوي الغالب، والعليم بحال خَلْقِه مما يحتاجون إليه.

 

﴿فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ (13) إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ (15) فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (17) وَنَجَّيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (18)﴾

﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ يا محمد بعد هذا البيان ﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ﴾ حذّرتكم وخوفتُكم ﴿صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ﴾ يعني: عاد وثمود ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾

﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} معلوم، لكن {وَمِنْ خَلْفِهِمْ}؟

ولذلك قال بعض المفسرين ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ يعني أن الرسل الذين تقدموهم كنوح، والذين أتوا من بعدهم؛ كلٌّ منهم يدعو إلى عبادة الله عز وجل ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ فالدعوة واحدة.

 وقال بعض المفسرين ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ جاءت آباءهم

﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي جاءت الرسل لمن أتى في أواخِرِ هؤلاء.

﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ لماذا؟ ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا﴾ اعتذار باطل ﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا﴾ وهذا عذر وحجة كل أهل الباطل كما مر معنا في سورٍ كثيرة

﴿ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ بما أرسلتم به أيها الرسل كافرون، كما قال الله عز وجل عن قوم صالح ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف:76].

 

وهنا تفصيل لحال عاد وثمود، فحال عاد ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ ولا حق لهم في الاستكبار ﴿وَقَالُوا﴾ مُتبجحين ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ لأنهم كانوا أصحاب قوة، قال لهم نبيهم كما في سورة الأعراف: ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:69]

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ قادر عليهم، وأنَزَل بهم العذاب ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ يعني يُنكرون آيات الله، فسيحلُّ بهم العذاب.

﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ قيل: شديدة البرودة، وقيل: شديدة الحرارة، وقيل أيضًا: من القوة كما قال الله عز وجل ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ [الذاريات: 29] يعني في صوت.

 ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ نحسات مشؤومات عليهم، ولذلك ما يُذكر من أحاديث أن يوم الأربعاء يوم نحس فإنها أحاديث لا تصح، ولو صحت فإن النحسَ والشؤمَ حاصلٌ على هؤلاء بسبب ذنوبهم، لا لأن يوم الأربعاء يوم نحس! فليُتَنبه لهذا.

﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ عذاب الهوان والعار في الحياة الدنيا ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى﴾ أشد خِزيًا وهوانًا وتحقيرًا ﴿وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ﴾ لا أحد ينصرهم.

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ بينا لهم، وهنا هداية بيان ليست هداية توفيق وإلهام، لو كانت هداية توفيق لآمنوا ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ بينا لهم عن طريق إرسال الرسول، وإنزال الكتاب عليه ﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ قال: فاستحبوا دل على أنهم محبون لهذا الأمر، ﴿ففَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ العمى يفسره ما بعده، ما ضد الهدى؟ ج/ الكفر.

﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ العذاب الذي أهانَهم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بسبب كَسْبِهم.

 وقال في سورة الأعراف ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف:78] ولا تعارضَ بينها، فأخذتهم الصاعقة، فأخذتهم الرجفة، فأخذتهم الصيحة.

﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ آمنوا بعقيدة التوحيد، ويتقون عذابَ الله كما بين عز وجل:

 ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ [هود:66].

 

﴿وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ (19) حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (20) وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ (22) وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (23) فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ (24)﴾

 

﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ﴾ أعداءُ الله يُحشرون بعنف ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يُجمعون فيوقَف أولُهم حتى يصلَ إليهم آخِرُهم، فيُجمعون ويُساقون ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر:71].

﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا﴾ (ما) زائدة للتأكيد ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم﴾ يعني: إذا جاؤوها تشهد عليهم هذه الجوارح ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وذلك حينما يُختَمُ على أفواههم ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[يس:65] وأيضًا في موطِنٍ آخَر يَشهدون عليهم ولو لم تُختم أفواههم ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ﴾ الجلد يشهد، السمع يشهد بأنه سمِع كذا، البصر يشهد بأنه شاهَد كذا ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بسبب أعمالهم.

﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بعضُ المفسرين يقول: وهو خلَقَكم أول مرة، وما بعدها هو كلامٌ للجلود.

 وبعضهم وهم الأكثر قالوا: إن الكلامَ للجلود وَقَف عند قوله ﴿أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

 استئناف ﴿وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ومَن خَلَقكم أول مرة قادرٌ على أن يعيدَكُم، فهو أعادَكُم فشاهدتم الآن هذا العذاب.

﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ﴾ أقوال في قوله ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾ الأظهر أن التستر على بابه، يعني على نفس الكلمة وهو الاختفاء

﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ يعني: أنكم إذا عمِلتُم الذنوب في الخفاء أنتم لا تسترون خيفةً من أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، لكنكم تستترون لأن عندكم عقيدة فاسدة تعتقدون أن الله يعلم الجهر ولا يعلم الخف!، فلذا قال ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ} يعني: من أجل. {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ﴾ ولكن ما استترتم إلا للظن السيء

﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾، ولذلك قال تعالى ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الملك:13].

﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ ذلكم الظن الذي ظننتموه بالله عز وجل من أن الله لا يعلمُ ما أخفيتم عنه! {أَرْدَاكُمْ﴾ أهلككم بسبب هذا الظن ﴿فَأَصْبَحْتُمْ﴾ يعني: صرتم من الخاسرين، خسروا أنفسهم وأهليهم. ﴿فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ فلا محيصَ عنها، فهي مستقرٌّ لهم.

 ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾

﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} يعني: لو طلبوا رضا الله بأن يعملوا صالحًا أو يعودوا إلى الدنيا

﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ يعني: لن يُمَكّنوا من ذلك.

 

﴿۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ (25) وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (27) ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ (28) وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ (29)﴾

﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ هذا هو السبب، وهيئنا لهم قرناء، أصحاب سوء من شياطين الإنس والجن، وخصوصًا شياطين الجن ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ بمعنى أنهم زينوا لهم ما يتعلق بالدنيا ومُتَعِها، وزينوا لهم أنه لا بعثَ ولا نشور، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:36].

﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ﴾ أي في جملة أمم ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنس﴾ يعني هناك أمم قد خلت من الجن والإنس حقت عليهم كلمةُ الله وأنتم داخلون من ضمن هؤلاء ﴿فِي أُمَمٍ﴾ لأن تلك الأمم حق عليها قولُ الله بعدلٍ منه، لأنهم لما زاغوا ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5]

 ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ لبُعدهم عن الهدى.

انظُر! بسبب الإعراض ﴿قَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ ما ظلمهم الله ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} ليس بظلمٍ منه، بل بعدل، لأنهم عند القرآن، ما هو حالهم؟

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني الزعماء ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ انتبهوا! وهذا يدل على أنهم يعرفون أن لهذا القرآن تأثيرًا، ولذلك يحذرون غيرَهم انتبهوا ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ يعني: وفَرَضاً لو سمعتموه ﴿وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ أكثِروا من الصياح واللغو والكلام الباطل لعلكم تغلبون، فترتفع أصواتُكم حتى لا يتبين ما في هذا القرآن ويظهر لكم دينُكم.

﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ وذلك لشدة ما وقعوا فيه من الضلال ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وإذا جزاهم أسوأ الذي كانوا يعملون وهو الكفر بالله عز وجل، إذًا سيُجازَون بغيره، وهذا فيه إشارة إلى أنهم حتى في فروع الشريعة يُحاسَبون حتى على تركهم الصلاة والزكاة ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ- قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ- وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ- وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ- وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ- حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر:42-47].

﴿ذَلِكَ﴾ العذاب ﴿جَزَاءُ﴾ من؟ ﴿ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ﴾ الجزاء هو النار ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ﴾ في هذه النار فيها دار الخلد لا يخرجون منها أبدًا ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ جزاءً بسبب كفرهم بآيات الله، وأضافها إليهم باب التشريف كيف يُقدم هؤلاء على الجحد بآيات الله!

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا﴾ في يوم القيامة، وهم في النار يقولون: يا رب ﴿أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ﴾ قال بعض المفسرين: {مِنَ الْجِنِّ} يعني: الشيطان {وَالإِنْسِ﴾ يعني: الذي قَتَلَ أخاه، وهما ابنا آدم كما في سورة المائدة، وعلى كل حال هذا لا يُحصر به فالمعنى شامل.

 وهذا يدل على الآيات التي قبلها ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ هذا في الدنيا، إذا جاء يوم القيامة وهم في النار يقولون ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ﴾ يعني: ليكونا من الأسفلين في النار، ليُقاسوا أعظمَ ما فيها من الحرارة في الدركات السُّفلى.