تفسير قوله تعالى ( أولئك الذين أنعم الله عليهم …. ) سورة مريم الآيات ( 58 ــ 63 )

تفسير قوله تعالى ( أولئك الذين أنعم الله عليهم …. ) سورة مريم الآيات ( 58 ــ 63 )

مشاهدات: 512

تفسير قوله تعالى :

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

تفسير قوله تعالى :

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }

أما بعد  :

مما تلوناه في هذه الليلة قوله تعالى :

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ  }إلى ما ذكره عز وجل من آيات عن هذه الكوكبة من الأنبياء الذين ذكرهم الله  في هذه السورة

فقوله عز وجل  { أُولَئِكَ } المقصود به ما ذكرهم الله عز وجل في هذه الآية ومن لم يذكرهم من الأنبياء، كمال قال ابن كثير رحمه الله

فهذه الآية لا تخص الأنبياء المذكورين في هذه الآية بل تتعداهم

فقال سبحانه وتعالى { أُولَئِكَ } اسم إشارة يراد منه البعد ولم يُرد منه القرب ، لم يقل هؤلاء ، وإنما قال { أُولَئِكَ }

ما فائدة الإشارة بالبعيد  ؟

الفائدة من ذلك هو بيان أن هؤلاء قد وصلوا إلى هذه المنزلة الرفيعة ، ولا يمكن أن يصل إليها أحد بالأماني ولذلك وصفهم عز وجل بأنهم مُنعَم عليهم

ما هي النعمة التي نالها هؤلاء ؟

 الدنيا أم الدين ؟

 الدين   

ولذا أعظم ما ينعم الله به على الإنسان نعمة الدين ، إذا أردت أن تعرف نعمة الله عز وجل على هؤلاء فأنت تقرأ في كل ركعة من صلاتك سورة الفاتحة  ماذا فيها ؟ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ } نحن ندعو الله أن يهدينا صراط  الذين أنعم عليهم

ما صراطهم  ؟

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } {الفاتحة:7} المغضوب عليهم اليهود ، والضالين : هم النصارى

إذاً من يتبع صراط اليهود أهو مُنعم عليه أم مسخوط عليه  ؟ مسخوط عليه ومن اتبع ملة النصارى كذلك ، فمن فارق هاتين الملتين ”  ملة اليهود وملة النصارى ” فإنه وشيك أن يكون في ماذا ؟ في صراط الله المستقيم

ولذا في هذه الآية ما الذي بعدها ؟ { غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ  } هؤلاء اليهود والنصارى ومن تبعهم  وسار معهم من هذه الأمة ، { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ } مثل نوح وإن كان الكل مما ذكرهم الله من ذرية آدم ، لكن التصنيف من باب التعظيم  لهؤلاء الأنبياء ،

{ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } حملهم على ماذا ؟ على السفينة  وهو إبراهيم عليه السلام  { وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ } كإسحاق ويعقوب ، وَإِسْرَائِيلَ من هو  ؟ يعقوب عليه السلام  { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا } يعني من جملة هؤلاء من هداه الله وسار مع هؤلاء فاجتباه الله عز وجل و هداه { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }لا يتلون وإنما تتلى عليهم

ولذا يقول بعض العلماء ”  إن من المناسب في بعض الأحيان لقلب المؤمن أن يُتلى عليه كلام الله ولا يتلوه   “

ولذلك :

كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ماذا قال لابن مسعود رضي الله عنه ؟   قال ((  إقرأ عليّ ، قال أأقرأ عليك وعليك أُنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري  ))

بل قال سبحانه وتعالى عن المؤمنين  { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } بخلاف غيرهم

بعض الناس نسأل الله العافية يسمع الآيات والمواعظ ولا يستفيد منها ، بينما هؤلاء الصالحون المفضلون إذا تتلى عليهم آيات الرحمن { خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }بينما غيرهم لا يصنعون هذا ، ولا يهتمون تمر عليهم الآية تلو الأخرى ولا ينتفعون بها

ولذا وصف الله عباده المؤمنين في سورة الفرقان { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }

بعض الناس تمر عليه المواعظ والآيات وكأنه أصم كأنه أعمى ، مع أن الله أكرمه بنعمة السمع والبصر ولكنه لا يستفيد منها ، { خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا }

عمر بن الخطاب لما قرأ هذه الآية فسجد رضي الله عنه  قال :” هذا السجود فأين البكاء  ؟ ” يوعظ نفسه أن يتشبه بأمثال هؤلاء ، ولا شك أنه رضي الله عنه أنه ممن سار على طريقتهم  ، ماذا جرى ؟

  { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ  } أي هذه الكوكبة الطيبة النيرة  { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ } لم يقل لم يصلوا  وإنما أضاعوا الصلاة ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه  ”  إنهم ما تركوها كليةً وإنما أخروها عن وقتها  “

فتضييع الصلاة هو تأخيرها عن وقتها ، و ما من إنسان يضيع الصلاة إلا وسيقع في كل رذيلة  ما الذي بعدها ؟

 { وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ } لم ؟ لأن الصلاة كما قال تعالى {  تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }

فمن ضيّع الصلاة كما قال  عمر رضي الله عنه ” فهو لما سواها أضيع “

ولذلك من ترك الخير وقع في الشر ، ومن ترك الكلام الحق تكلم بالكلام الباطل ، ومقولة السلف رحمه الله  ”  النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية  “

ولذلك اليهود لما تركوا كتاب الله – كلام الله – وقعوا في السحر اقرأ قول الله تعالى { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } {البقرة:101}

ما الذي بعدها ؟

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } {البقرة:102}  إما طريق الخير أو طريق الشر لا طريق آخر

ولذا يقول ابن القيم رحمه الله : ” إن النفس مثل الرحى الدائرة التي لا تقف لابد أن تطحن شيئا فماذا عساك أن تضع فيها ؟ يقول رحمه الله : ” بعض الناس يطحن حبا فيستفيد منه خبزا ، وبعض الناس يطحن حصى ورملا فيخرج له حصى وتبن ورمل وما شابه ذلك

 فما عقوبة هؤلاء ؟

 { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } الجزاء من جنس العمل ، يعني هلاكا و عذابا ، ومن بين هذا الهلاك والعذاب واد في جهنم يصلون حره ويتلقون شره لأنهم لما غووا واجهوا هذا المصير { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا } {البقرة:160}  ثم فسر الجنة { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي إقامة – دائمة –{  الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالغَيْبِ  } ما رأوها  ولكنهم آمنوا بالله وبموعوده وعملوا الطاعة { مَأْتِيًّا }يعني آتٍ لا محالة

ثم ما الذي بعدها ؟

{ تِلْكَ } تلك تدل على البعيد يعني لها منزلة رفيعة  ولا يمكن أن ينالها إلا الرفيع من هو الرفيع المذكور في هذه الآية  { تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا }

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .