تفسير قوله تعالى ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار …) سورة آل عمران ( 75 ـ 76 )

تفسير قوله تعالى ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار …) سورة آل عمران ( 75 ـ 76 )

مشاهدات: 501
تفسير قوله تعالى :
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }
الآية : آل عمران75، 76
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أما بعد :
فمما تلي في هذه الليلة ، قول الله تعالى :
{ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون{75} بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين {76} }
في هذه الآية صنَّف الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب وجعلهم صنفين ، وهذا إن دل ، يدل على كمال عدل الله سبحانه وتعالى ، فإنه لما ذكر أهل الكتاب صنَّفهم ، فجعل منهم قسماً خيّرا ، وقسماً آخر هو ذو شر ، بل من كمال عدله سبحانه وتعالى أنه لما ذكر في تصنيفه لأهل الكتاب ، ذكر أول ما ذكر ، ذكر الشيء الحسن { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } ومعنى هذه الآية : أن بعض أهل الكتاب إذا أودعته مالا كثيرا ، وهو المعبر عنه بالقنطار ، والقنطار عبارة عن المال الكثير ، إن أودعته أو أقرضته مالا كثيرا فإنه يؤديه إليك،{ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا } هناك صنف خبيث من أهل الكتاب لو أودعته أو أقرضته دينارا واحدا لا يمكن أن يؤديه إليك إلا إذا كنت قائما عليه ، ملازما له ، مطالبا حقك منه ، بمعنى أنك تتابعه أينما ذهب وأينما سار وأينما حلَّ، حتى تحصل على هذا الدينار ، ومن هنا نأخذ فائدة ، وهي: أن الواجب على المسلم أن يكون منصفناً في أحكامه ، لأن بعضا من الناس إذا صدر من أخيه المسلم ما لا يتناسب معه ، أو ما لا يليق به حكم عليه بحكم جائر ، وهذا منافٍ لعدالة الإسلام ، ولذلك الله سبحانه وتعالى لما صنَّف في هذه السورة أهل الكتاب ، قال { لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } آل عمران113 ، وهذه نقطة مهمة – أيها الأحبة في الله – ولا سيما فيما يتعلق بأهل الحسبة ، لأن الأمر شاع وانتشر في هذا الزمن ، إذا صدر خطأ من أحدهم عُظِّم من هذا الأمر حتى حُكم على الكل بأنهم ليسوا على خير أو ليسوا على هدى – وهذا خطأ كبير – لو أننا جازفنا بأحكامنا على وجه العموم ما سَلِم منا أحد ، لو أخطأ شرطي من الشرطة وعممنا الحكم ، ما سلم أحد ، لو أخطأ إمام أو مؤذن أو موظف وعممنا الحكم ، ما سلم أحد ، فالإسلام حكيم وعادل حتى مع الكفار ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ) يعني لا يبغض مؤمن مؤمنة ، على وجه العموم
( لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخر ) يعني لو كرهت من أخيك المسلم صفة معينة ، فلتعلم أن فيه صفات طيبة خيرة ، ولا نكن مجازفين ، بل نكن منصفين متريثين متزنين ، ولذلك في الحديث الذي صححه الألباني رحمه الله ( أحبب حبيبك هوناً ما فلعله أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما ، فعله أن يكون حبيبا يوما ما ) وهذا شيء مشاهد ، أحيانا نجازف فنحب شخصا حبا عميقا وإذا بالحال ينقلب ، وأحيانا يكون العكس ، بعض الناس حينما تراه تشمئز منه ولا تحب أن تخالطه ويحصل في نفسك انقباض ، وهذا خطأ ولا شك في ذلك ، فإذا خالطته وجدت أن الأمر قد انعكس ، إذاً فما الواجب علينا نحن كمسلمين ؟ أن نكون منصفين .
قال جل وعلا  { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ } يعني لهم حجة ودليل وبرهان في ظنهم ، وهذا هو دأب اليهود ، فإنهم يقولون على الله الافتراء والكذب{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } يقولون العرب لو أخذنا أموالهم وسلبنا ما لديهم فإنه لا إثم علينا ، لأننا أعلى وأرفع منهم منزلة ، وهذا ما يشاهد الآن من ذريتهم في هذا العصر ، فإنهم لا يرون العرب شيئا ، والعرب في الحقيقة لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعروبتهم ، لأن العروبة والقومية والله ما جمعت العرب في يوم من الأيام ، ولا يمكن أن يجمع العرب إلا الدين .
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } وهذا افتراء ، ليس لهم حجة ولا برهان ، وإنما افتروا على الله الكذب { وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } إذاً ما الميزان الحقيقي عند الله ؟  { بَلَى } يعني عليهم إثم وجناح فيما لو أخذوا مالا من غير طريقه وحِله، قال جل وعلا { بَلَى } ثم استأنف مبينا أن الميزان الحقيقي الذي يرفع العبد عند الله سبحانه وتعالى أمر { مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } فمن أوفى بعهد الله وما أمره الله عز وجل به واتقى ، ماذا قال ؟
{  فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .