تقريب العقيدة الواسطية ـ الدرس الثالث

تقريب العقيدة الواسطية ـ الدرس الثالث

مشاهدات: 562

تقريب العقيدة الواسطية

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 ( 3 )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

فمن أمثلة الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالشفاعة المشتركة بينه وبين غيره وهي :

أولا : الشفاعة فيمن استحق النار من العصاة ألا يدخلها .

ثانيا : الشفاعة فيمن دخلها منهم أن يخرجوا منها .

ثالثا : الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة .

رابعا: الشفاعة في من استوت حسناتهم وسيئاتهم .

قلت :

خلافا للمعتزلة والخوارج ، وإنما يثبتون الشفاعة في الثواب أما العقاب فلا .

ومن أمثلة الإيمان باليوم الآخر :

أن الله عز وجل يُخرج من النار أقوام بغير شفاعة وأنه ينشئ أقواما ويدخلهم الجنة تفضلا منه .

ومن الفوائد :

معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان بالقدر خيره وشره وبمراتبه الأربع، وهي :

أولا : علم الله الأزلي بكل شيء .

ثانيا : كتابة ذلك في اللوح المحفوظ .

ثالثا : خلقه .

رابعا : المشيئة .

قلت :

جمعت في قول الشاعر :

علم كتابة مولانا مشيئته           وخلقه وهو إيجاد وتكوينه

ومن الفوائد :

قال شيخ الإسلام والمرتبة الأولى العلم : أنكرها غلاة القدرية ، وهؤلاء كفرهم العلماء ، ومنكروه اليوم قليل لأنها الطائفة المنكرة للعلم قد اندثرت .

ومن الفوائد :

من الأدلة على مرتبتي العلم والكتابة قوله تعالى { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }الحج70 ، ودليل مرتبة المشيئة قوله تعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29 .

ومن الأدلة على مرتبة الخلق قوله تعالى { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }الزمر62 .

ومن الفوائد :

الإيمان بأن ما شاء الله كائن وما لم يشأ لم يكن وأنه ما من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله ولا يكون في ملكه ما لا يريد وهو قادر على كل شيء الموجود والمعدوم .

ومن الفوائد :

أنه لا تنافي بين القدر والشرع ، فهو سبحانه أمر بطاعته ونهى عن معصيته فهو يحب المتقين ولا يرضى عن الفاسقين .

قلت :

فمن هنا قد أخطأ من لم يفرق بين الإرادتين الكونية والشرعية ، فالكونية بمعنى المشيئة والشرعية بمعنى المحبة .

ومن هنا قال الشيخ رحمه الله ” فالعباد فاعلون حقيقة ، والعبد هو المؤمن والكافر ، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة لها .

والله خلق أفعالهم وقدرتهم وإرادتهم .

وقد ضل في هذا المقام عامة القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة ، والمغالين في إثبات أفعال العباد قالوا إن العباد خلقوا أفعالهم ولم يخلقها الله ، ونقيضهم الجبرية الذين غالوا في إثبات القدر فنفوا أن يكون للعبد مشيئة .

وفي قول الشيخ رحمه الله ( العباد فاعلون حقيقة ) ردٌ على الجبرية .

وفي قوله ( الله خالقهم وخالق أفعالهم ) ردٌ على النفاة القدرية . وفي قوله ( العبد هو المؤمن والكافر ) ردٌ على الجبرية لأنه جل وعلا أثبت أن للعباد مشيئة ، وفي قوله تعالى { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }التكوير29 ردٌ على القدرية .

قلت :

ومن اللوازم الباطلة لمذهب الجبرية انتفاء الحكمة في الثواب والعقاب واتهام الله عز وجل بالظلم لعباده .

ومن اللوازم الباطلة على مذهب القدرية أن مع الله أكثر من خالق .

ومن الفوائد :

أن معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه ” قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .

قلت :

خلافا للمرجئة الذين يقولون هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان فقط ، وخلافا للكرامية القائلين أنه نطق باللسان ، وخلافا للجهمية القائلين أنه اعتقاد بالقلب ، وخلافا للخوارج مع أنهم يوافقون أهل السنة والجماعة في التعريف إلى قولهم ( وعمل بالجوارح )  ولكنهم يفترقون عنهم بأنهم يسلبون أصل الإيمان بارتكاب الكبيرة ، وأهل السنة يقولون إنه ناقص الإيمان ، وقد أثبت الله عز وجل الأخوة الإيمانية مع المعاصي كما في آية القصاص { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }البقرة178 .

فنقول هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يُسلب مطلق الاسم  ولهذا تجتمع النصوص كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )

ومن الفوائد :

أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته في ذلك كما في قوله ( لا تسبوا أصحابي ) وطاعة الله عز وجل في ذلك كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10 .

قلت :

وفيه ردٌ على الروافض الذين يسبون الصحابة ما عدى أهل البيت ، وخلافا للخوارج الذين يسبون عثمان وعليا ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضلهم فقال ( والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )

ومن الفوائد :

أن من اعتقاد أهل السنة والجماعة قبول ما جاء به القرآن والسنة والإجماع من مراتبهم وفضائلهم رضي الله عنهم فيفضلون من أنفق قبل الفتح الذي هو صلح الحديبية على من أنفق بعده وقاتل ، ويشهدون بأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، ويفضلون المهاجرين على الأنصار ، ويشهدون بما تواتر به النقل عن علي رضي الله عنه من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، ويشهدون بالجنة لمن شهد  الله عز وجل له وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم ، ويشهدون أن أصحاب بدر غفر لهم وأن الله عز وجل رضي عن أهل الشجرة ورضوا عنه .

ومن الفوائد :

أن من معتقد أهل السنة والجماعة أن الصحابة أجمعوا على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم .

واختلفوا أيهما أفضل عثمان أو علي وبعضهم توقف .

وأشار الشيخ رحمه الله إلى تقديم عثمان لمناقبه وإجماع الصحابة على تقديمه في البيعة .

قلت :

فترتبيهم في الفضل إذاً كترتيبهم في الخلافة ، ولذلك قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لعلي إني نظرت أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان أحدا ، قال أبو أيوب رضي الله عنه من لم يقدم عثمان على علي بالفضل فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار .

ثم لخص الشيخ رحمه الله ما تقدَّم بقوله ( إن من قدَّم عليا في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ، ومن قدَّمه في الفضل على أبي بكر وعمر فهو ضال ، ومن قدمه على عثمان فلا يُضلل وهو خلاف الراجح )

ومن الفوائد :

أن من معتقد أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وموالاتهم كما قال صلى الله عليه وسلم ( أذكركم الله في أهل بيتي ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) قالها لعمه العباس .

قلت :

ذكر في الحديث السببان الموجبان لمحبتهم :

أولا : إتباع الشرع .

ثانيا : كونهم قرابته صلى الله عليه وسلم ، لكن هذا لمن كان متبعا له أما من خالف كأبي لهب فلا يجوز محبته .

ومن الفوائد :

أن من معتقد أهل السنة والجماعة محبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصا خديجة وعائشة .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم أنهم يتبرءون من طريقة الروافض الذين يسبون الصحابة ومن طريقة النواصب وهم الخوارج الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل .

ومن الفوائد :ومن معتقدهم الإمساك عما شجر بين الصحابة في الفتن والحروب التي كانت بينهم والكف عنها لأن الخوض فيها يولد الحقد ، وطريق السلامة هو السكوت عن ذلك وعدم التحدث به وقد ذكر الشيخ رحمه الله : أن لهم أعذار ، وقد رويت آثار في ذلك :

أولا : أن من هذه الآثار ما هو كذب أتت به الروافض .

ثانيا : أنه قد زيد في بعضها أو نقص منها أو غيرت عن وجهها الصحيح .

ثالثا : أن الصحيح من هذه الآثار هم فيها معذورون إما مجتهدون فمصيبون أو مجتهدون مخطئون فهم بشر وليسوا معصومين عن كبائر الإثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب المحققة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرتها لهم حتى إنه يغفر لهم ما لا يغفر لمن بعدهم لكثرة حسناتهم ولأن الحسنة منهم تضاعف أكثر من غيرهم كما في حديث ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) ثم إنهم قد يتوبون من هذا الذنب و يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم فهم أحق الناس بشفاعته أو يصابون بمصيبة تمحو عنهم الذنب في الذنوب المحققة كيف بالأمور التي اجتهدوا فيها ، فالمصيب له أجران والمخطأ له أجر واحد ، ثم إن ما ذُكر عنهم فمغمور في حسناتهم العظيمة كالجهاد والهجرة وتعلم العلم ونحو ذلك .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم أن الصحابة خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم الإيمان بكرامات الأولياء وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات .

قلت :

خلافا لمن ينفيها من المعتزلة والجهمية وحجتهم أن بها يحصل اللبس بين النبي والولي  ، وخلافا للصوفية والقبورية الذين يغالون في إثباتها سواء جرت على يد رجل صالح أو فاجر ، وقد قال الشيخ ( لا يغرنك الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء حتى تراه عند الأمر والنهي .

والكرامات نوعان :

أولا : علم

ثانيا :  القدرة والتأثر .

قلت : كقول بعض الناس لخالد بن الوليد رضي الله عنه احذر من أن تسقيك الأعاجم السم ، فقام بنفسه وشربه ولم يصبه بأذى .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم الإيمان بما صح منها في سالف الأمم كما هو مذكور في سورة الكهف وغيرها مما صح منها في صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة

قلت :

لكن بشروطها المذكورة في كتاب الله عز وجل  { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62} الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63}

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا .

قلت :

وليست متابعته في آثاره الحسية كمواضع جلوسه في غار ثور وغار حراء ونحو ذلك لأنها سبب في الوقوع في الشرك .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم إتباع سبيل المهاجرين والأنصار كما في حديث ( عليكم بسنتي وسنة الخلاف الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم تقديم كلام الله عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على كلام الناس ، ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة وسموا الجماعة لأنهم يجتمعون على البر والتقوى .

وهم بالكتاب والسنة والإجماع يزِنون ما عليه الناس من أقوال وأعمال فنتج عن هذا الاجتماع ، والإجماع المنضبط ما كان عليه السلف الصالح إذ إنه حصل بعدهم كثرة الاختلاف وانتشار الأمة .

ومن الفوائد :

ومن معتقدهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحج والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا ، يحافظون على الجماعات وهم مترابطون كالجسد الواحد ، ويأمرون بالصبر عند البلاء،  والشكر عند النعمة ، والرضا وعند القضاء  ، ويدعون إلى مكارم الأخلاق وينهون عن سيئها وكل ما يقولونه ويعملونه إنما هو على ضوء الكتاب والسنة وهي الفرقة الناجية ، وهم الصادقون والشهداء والصالحون وفيهم الأبدال وأئمة الدين وهم الطائفة المنصورة ، نسأل عز وجل أن يجعلنا منهم .

وبهذا ينتهي تقريب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .