الألفية
كان وأخواتها
قول الناظم :
155- وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ… وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
156- وَبَعْدَ أنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ…… كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ
157- وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ … تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقبل شرح هذه الأبيات سألني شخص عبر رسالة بعد انتهاء الدرس الماضي ، فقال ابن عقيل في شرحه وكذا غيره :
قالوا : إنَّ [ كان ] لا تزاد إلا سماعا مما سمع من العرب وأن القياس لا يكون إلا في ما التعجبية والفعل التابع لها
هكذا
فما هو التعليق ؟
نحن قلنا : حرصنا على أن نشرح الألفية بشكل مختصر ميسر لتفكيك وتسهيل مفردات ابن مالك
لكن مثل هذا السؤال جميل وجماله :
أن طالب العلم يستفيد متى ما رأى أن هناك شيئا يخالف ما شرح له
فنحن نقول:
نتأمل ما ذكره ابن مالك رحمه الله في هذا البيت الذي ذكر فيه زيادة كان:
ماذا قال ؟
وقد تُزادُ كانَ في حَشْوٍ كَما كانَ أَصحَ علمَ مَنْ تَقَدَّما
لو أتينا إلى هذا البيت نستفيد منه فوائد على حسب ظاهره كما ذكره رحمه الله :
الفائدة الأولى :
أنه قال : وقد تزاد كان:
قد هنا للتقليل يعني : تقل زيادة كان وإنما إذا أتت كان فإنها تكون على حالها ترفع الاسم وتنصب الخبر
الفائدة الثانية :
أنه قال :
تزاد كان :
أتى بلفظة ” كان “ بلفظ الماضي فدل هذا على أن الزيادة في كان إنما في كان بلفظ الماضي أما لفظ المضارع فإنها لا تأتي
وإنما ندر وقوعها في كلام العرب
هذا نادر :
أن تأتي بلفظ المضارع
الفائدة الثالثة :
أن قوله ( كان ) هنا يفيد أن ما عدا كان من أخواتها كـ “أصبح وأمسى ” وغيرها أنها لا تزاد
وإنما الحكم يختص بها
وقد جاء شذوذا عن العرب زيادة أمسى وأصبح
كقول بعضهم :
ما أصبح أبرد الشتاء !
لو حذفنا أصبح ـــــــــ ما أبرد الشتاء
وأتت في أمسى :
ما أمسى أدفأ الصيف
لو حذفت أمسى ــــ ما أدفأ الصيف !
لكن قالوا : إن هذا ورد شذوذا
الفائدة الرابعة :
أن بعض النحاة قال :
إن الزيادة تكون في كان وفي أصبح وأمسى وغيرها إذا لم يختل المعنى
الفائدة الخامسة :
أنه قال (( في حشو )) :
فدل هذا على أنها لا تزاد إلا في حشو بمعنى أنها إذا حذفت يبقى الكلام على ما هو عليه
بينما الفراء رأى زيادتها آخرا
الفائدة السادسة :
أن قول ابن مالك:
وقد تزاد كان في حشو:
أنه لم يقل قياسا أو سماعا
وهذا هو محل السؤال
لم يقل سماعا ولا قياسا إنما تزاد في حشو
ولذلك قال ابن عصفور ما قلناه لكم :
من أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين
وأتى الفراء بما هو أعظم كما أسلفنا
ولاشك وهي قاعدة يذكرها بعض أهل العربية :
الأصل : بقاء ما كان على ما كان
هذه قاعدة شرعية هم يقولون أيضا هي قاعدة لغوية فهم يبقون على الأصل والأصل أن ( كان ) تكون أصلية ولا تكون زائدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله :
155- وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ……وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــ
ويحذفونها :
الضمير يعود إلى كان
وأنتم تلحظون أن ” كان “ بعد ما ذكرها الناظم ونحن في أواخر ما يخص” كان “
هذه الأبيات هي آخر ما ورد في ” كان “
لو تأملتم لوجدتم أن [ كان وأخواتها ] في أول الأبيات المتعلقة بها كان الحكم لها ولأخواتها لكن في النهاية :
إذا بـ ( كان تفرد بأحكام )
وهذه هي القاعدة عند النحويين :
أن أم الباب تميز فالأم كما أن لها قدرا في شرع الله كذلك أم الباب لها قدر ومكانة فلابد أن نعطيها حقا كما تعطى الأم التي تلدك حقها
ولذلك [ كان ] هنا أم الباب وهي جديرة بأشياء تميزها
فيقول هنا:
قال رحمه الله :
155- وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ……
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــ
يحذفون [ كان ] :
ويبقون الخبر :
لم يقول يبقون الاسم والخبر
قال :
155- وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ……
فدل على أنها تحذف ويحذف معها اسمها
أين الدليل قوله هنا :
يحذفونها ويبقون الخبر
اسمها ما ذكر فيكون اسمها قد لحق به الحذف
155- وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ……
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
ـــــــــــــــــــــــ
الشرح:
ــــــــــــــ
وبعد [ إن ولو ] :
يعني يشتهر حذف” كان واسمها ” بعد ماذا ؟
بعد ” إنْ و لو “
فمثال إن :
قول الشاعر :
قدْ قِيلَ ما قيلَ إنْ صِدقا وإنْ كَذِبا
فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قِيلا
قال :
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا
صدقا ما إعرابها وكذبا ما إعرابها ؟
خبر كان المحذوفة مع اسمها
فيكون التقدير:
قد قيل ما قيل إن كان المقول صدقا وإن كان المقول كذبا
فحذفت كان وحذف اسمها الذي هو المقول
فإذاً :
يكثر حذف [ كان ] مع اسمها بعد [ إنْ ]
هذا هو الأمر الأول
الأمر الثاني الذي يكثر فيه حذف كان مع اسمها بعد لو :
قول النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل :
” التمس ولو خاتما من حديد “
خاتما ما إعرابه ؟
خبر كان المحذوفة مع اسمها
التقدير :
ولو كان الملتمَس خاتما
ولو كان المهر خاتما
ائتني بفاكهة ولو موزا
ولو كان المأتي به موزا
حينما ترى أن ما بعد( لو )تراه منصوبا فتأمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله :
156- وَبَعْدَ أنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ…
كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح:
ــــــــــــــــــــــــــ
أراد الناظم هنا :
أن يبين أن كان تحذف لكن متى تحذف ؟
تحذف بعد ” أنْ المصدرية “
ليست إنْ ، تحذف بعد ” أنْ المصدرية “
فإذا حذفت بعد ” أنْ المصدرية “
اسمها باق ليس كما مر معنا بعد” لو وإن “
هنا ” أن ” تحذف كان وحدها
هناك بعد ( إن ولو ) يحذف الاسم معها
هنا لا يحذف الاسم تحذف كان وحدها بعد أن المصدرية
هذا المحذوف لابد أن نعوض عنه شيئا كلمة ما فتكون ما زائدة
ولذلك مثل هنا :
أما أنت برا فاقترب
إذا أتت كان بعد أن المصدرية نحذف كان ونعوض عنها (ما)ثم نأتي إلى [ ما الزائدة ] مع [ أن المصدرية ] وندغم إحداهما بالأخرى فيتولد عندنا [ أما ]
فهنا أما أنت برا فاقترب
أصل [ أما ] نعربها هكذا
لأن أصل الكلام : أن كنت برا فاقترب
هذا هو أصل الجملة : أنْ كنت برا فاقترب
نأتي إلى كان نحذفها : أين اسمها ؟
التاء هو أنت
هنا :
لما نحذف كان نعوض عنها ما فندغم ما في أن
أما أنت برا فاقترب:
أما : هي أن المصدرية وما زائدة أدغمت فيها عوضا عن
[ كان ]
أنت : اسم كان انفصلت التاء من كنت فأصبحت
أنت فيكون أنت اسم [ كان ]
برا : خبر كان
أما أنت برا فاقترب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله :
157- وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ……
تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان هنا في آخر بيت عن كان
كان هنا :
فعلها المضارع ـــــــــــ يكون
كان ــــــــــــ يكون
يكون الذي هو فعله المضارع لو أتى جازم فجزم يكون لأن الفعل المضارع يجزم
لو أتينا إلى يكون:
فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره
أتي بجازم قبله : لم يكن
لا يصلح أن نقول لم يكون
لأن النون سكنت في آخر الفعل المضارع سكنت من أجل
[ لم الجازمة ]
هنا عندنا نون ( يكون ) ساكنة من أجل الجازم
الواو في يكون ساكنة أصلا ولا يجتمع ساكنان فحذفت النون في يكون لالتقاء الساكنين فأصبح لم يكن
قال عز وجل :
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }البينة1
لم : أداة جزم نفي وقلب
يكن : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون
[ والواو ] التي في يكون حذفت لالتقاء الساكنين الواو والنون
يفترض مع وجود هذا الجازم أن يكون المحذوف شيئا واحدا الذي هو الواو
لكن قالوا : يلحق بالواو النون فليست بذلك القدر كما أن الواو حذفت وهي الأساس إذاً : يلحق بها النون لكثرة الاستعمال
نقول : لم يكُ ونضع على الكاف ضمة
أين النون ؟
حذفت تخفيفا لكثرة الاستعمال
إذاً :
لم يكُ :
لم : أداة جزم ونفي وقلب
يكُ : فعل مضارع مجزوم بـ (لم ) وعلامة جزمه السكون وحذفت الواو منه لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون منه تخفيفا
وقد قرئ لكنها قراءة ليست سبعية : (( لم يك الذين كفروا ))
وإن لم تكن سبيعة لكنها تؤخذ من حيث الاعتبار يؤخذ بها في الأحكام في اللغوية كما أنه يؤخذ بها في الأحكام الشرعية إن كانت ثابتة ولو كانت شاذة
كما أخذ العلماء من قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين ((فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ))
في قراءة ابن مسعود (( فصيام ثلاثة أيام متتابعات )) فأخذ الجمهور بها
الجمهور يرون أنها شاذة لكن يؤخذ بها
فمن حلف ولم يستطع أن يكفر بإطعام عشرة مساكين أوكسوتهم أوتحرير رقبة هنا يلجأ إلى الصيام
ثلاثة أيام متتابعة
الدليل ؟
قراءة ابن مسعود
لو قال قائل :
هي شاذة
نقول : هي شاذة من حيث القراءة لكن من حيث الحكم الشرعي فإنها تكون ثابتة إذا صح إسنادها
إذاً :
يكثر حذف النون مع مضارع كان يكون
لو قال قائل :
قوله هنا : مضارع لكان
هل قال كان الناقصة أو كان التامة ؟
لا لم يقله
فيصدق هذا الحكم على مضارع [ كان ] سواء كانت ناقصة أو تامة
الناقصة تحتاج إلى اسم وخبر
أما التامة فهي التي تكتفي بمرفوعها فاعل
ولذلك قرئ وهي قراءة شاذة غير سبعية : (( وإن تك حسنة يضاعفها ))
إن : أداة شرط تجزم فعلين فعل الشرط وجواب الشرط
تك : ” فعل الشرط تك مجزوم وعلامة جزمه السكون وحذفت الواو لالتقاء الساكنين
أين النون ؟
حذفت تخفيفا
يضاعفها : جواب الشرط فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون
حسنة :
على القراءة السبعية وإن تك حسنةً :
حسنة هنا خبر ( تكُ )
وإن تك هي
الاسم هي ضمير تقديره هي
حسنة : خبر تك
لكن على هذه القراءة لم ننصب حسنة وإنما رفعناها
(( وإن تك حسنةٌ يضاعفها ))
لأن حسنة هنا بالرفع : فاعل لـ “تك” لأن تك هنا تامة وليست ناقصة لكن على ما نقرأ بها الآن القراءة السبعية هي ناقصة لكن على هذه القراءة تامة
الأمر الأخير:
أن هذا مطرد في الفعل المضارع لكان إلا في حالة واحدة :
إذا اتصل بها ضمير متحرك
أو نقول : إذا أتى بعد النون بعد نون يكون إذا أتى بعدها ضمير متصل متحرك فلا يجوز حذف النون
مثاله :
قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين في شأن ابن صياد الذي ارتاب الصحابة في شأنه هل هو الدجال الأكبر أم لا ؟ وأتى النبي عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب لكي يتفقدوا حاله فبين النبي عليه الصلاة والسلام أنه دجال لكنه دجال أصغر وليس هو المسيح الدجال لأنه كان يزعم أنه المسيح الدجال
ابن صياد هذا يهودي
الشاهد من هذا :
أن عمر أراد أن يقتله فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن يكنهُ فلن تُسلَّطَ عليه ))
وفي رواية : (( فلنْ تقدرَ عليه ))
(( وإن لم يكنهُ فلا خيرَ لك في قتله ))
((إن يكنهُ فلنْ تُسلطَ عليه ))
لأنك لن تقتله لو كان هو المسيح الدجال الأكبر فلن تسلط عليه ولن تقدر عليه لأن القاتل له من ؟
عيسى بن مريم عليه السلام (( وإن لم يكنهُ فلا خيرَ لك في قتله ))
لا فائدة من قتله
قال هنا : (( إن يكنْهُ )) :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن : أداة شرط
يكنه : فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون
لم تحذف النون ؟
لم ؟
لأنه أتى بعد النون ضمير متصل متحرك وهو الهاء فلا يصح أن تقول : إن يكه فلن تسلط عليه وإن لم يكه فلا خير لك في قتله
لا يصح أن تحذف النون هنا
وقد جاءت رواية عند البخاري :
قوله عليه الصلاة والسلام (( إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله ))
المثال ينطبق على الرواية الأولى ليس على هذه
قال : (( إن يكن هو ))
هو : ضمير منفصل لو شاء الإنسان أن يحذفه حذفه لكن في غير الحديث الحديث يبقى على ما هو عليه
فيصح في غير حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن تقول : إن يكُ هو فلن تُسلطَ عليه وإن لم يكُ هو فلا خيرَ لك في قتله
لماذا تفرق الحكمان ؟
لأن الأولى : الضمير متصل متحرك
والرواية الثانية : ضمير منفصل
وبهذا ينتهي الحديث عما تحدث فيه ابن مالك في هذه الألفية عن كان وأخواتها
ــــــــــــــــــــــــــــ