شرح القواعد الأربع
شرح قول المؤلف :
(( وأن يجعلك مباركاً أينما كنت وأن يجعلك ممن إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا أذنب استغفر فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة . ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المؤلف رحمه الله :
[[ وأن يجعلك مباركا أينما كنت ]]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعوة مباركة فمن نعم الله عز وجل على العبد أن يكون مباركا أينما كان بمثابة المطر أينما وقع نفع ، وهذا البركة لا يحظى بها الإنسان إلا إذا كان في محيط التقوى فكلما ازداد العبد لله تقى وكلما ازداد العبد من الله قربى كلما كان مباركا
إن سكت فسكوته سكوت نظر وتفكر وتأمل
وإن نطق نطق بالخير أي بالدعوة إلى الله جل وعلا
ولذا قال أسيد بن حضير كما جاء عند البخاري :
في شأن أسرة أبي بكر لما ضاع عقد عائشة والتمسه الصحابة فلم يجدوه وشرع بسبب هذا العقد شرع التيمم فقال مقولته الشهيرة : [ ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ]
وأبو بكر من مزاياه ومن مناقبه التي يذكرها العلماء :
أن أولاده كلهم أسلموا وكذلك أبواه قالوا ولم يحصل هذا الأمر لأحد من الصحابة ، فعُدَّ من مناقبه وفضائله رضي الله عنه
وقيل إن هذه الآية نزلت فيه قال تعالى :{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}
فيقول أسيد بن حضير لما ضاع عقد عائشة رضي الله عنها والتمسه الصحابة فلم يجدوه وشرع بسبب ضياع هذا العقد التيمم
فقال مقولة الشهيرة : [ ما هي بأول بركتكم يا آل أبى بكر ]
فهذه العائلة وهذه الأسرة مباركة
وإنما كانت مباركة :
لأنها من أحرص الناس على الخير ولذا قال عز وجل لما بشرت امرأة إبراهيم عليه الصلاة والسلام :
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } هود72
فماذا قالت لها الملائكة ؟
{ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}
الله عز وجل ماذا قال عن إبراهيم وعن ابنه إسحاق ؟
قال تعالى : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}
ماذا قال عيسى شاكرا لله عز وجل على هذه النعمة التي أسداها الله إليه ؟ قال :{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ}
فإذا أردت أن تكون مباركا نافعا في أي مكان تكون فيه فعليك أن تتقرب لله جل وعلا
وما أسعد الإنسان في تلك اللحظات حينما تمضي منه الأنفاس وحينما تمر عليه الساعات والدقائق وكلها تنصب في حسناته :
لأنه إن صمت ، صمت لله وإن تكلم ، تكلم لله ، وإن أعطى ، أعطى لله وإن منع ، منع من أجل الله .
ولا يقل أحد إن الأمر عسير ، لا ، تقرَّبْ إلى الله جل وعلا تجد الخير
قال عز وجل من الرجل الذي كان من أهل العلم ولكن نسأل الله العافية قد أزيغ قلبه بهوى وفتنة ماذا قال جل وعلا عنه ؟
مما يؤكد على أن القرب من الله عز وجل يجعل الإنسان نافعا .
بعض الناس مبارك من حين ما يرى ينتفع به
ولذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن ( أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ) هذه هي البركة بسمته ، بحسن أخلاقه يذكر الله به
فقال الله عز وجل عن ذلك الرجل العالم :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }الأعراف175
سبحان الله !
انظروا إلى هذا التعبير من حين ما يبتعد العبد عن الله إذا بالشيطان له بالمرصاد حينما يفتر ولو فتورا يسيرا عن عبادة الله عز وجل فإذا بالشيطان ،
قال :{ فَانسَلَخَ مِنْهَا } قال :{ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ } الفاء المسماة عند أهل اللغة فاء الترتيب والتعقيب ، أي مباشرة من حين ما انسلخ إذا بالشيطان دون أن يكون هناك وقت للشيطان للتمهل قال :{ فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ }
ما النتيجة ؟
{ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }
ثم قال وهذا هو الشاهد :{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أعطي آيات أعطي خيرا
ولكن ما الذي جرى قال : { وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فوصف بهذا الوصف الدنيء :{ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } سواء دعوته أو لم تدعوه
وهكذا الإنسان إذا لم يتعاهد نفسه ولم يحاسبها قد يزيغ من حيث لا يشعر وأمر المحاسبة موجود أصل أصيل في كتاب الله عز وجل
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } لابد أن تراجع حساباتك بين الفينة والأخرى
إيمانك يزيد أم ينقص هل أنت في علو أم في سفل في ازدياد أم في نقصان
لأن الإنسان إذا لم يتعاهد نفسه إذا به يخرج من هذا الدين من حيث لا يشعر
نرى كثيرا ممن هداهم الله واستقاموا وإذا بهم من أحسن الناس عبادة لله عز وجل لكن سرعان ما يزيغ ويضل
لم؟
لأسباب شتى لكن من بينها:
ليست هناك معاهدة
يظن الإنسان أنه على سبيل الخير يظن الإنسان انه على طريق حسن وإذا به يتعثر الخطأ من حيث لا يشعر
لذا قال جل وعلا:
(( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث))
هذا الكلب لو وضعه في فيء في ظل ظليل إذا به يلهث وإن طردته إذا به يلهث ، فكذلك هذا الرجل الذي أضله الله نسأل الله العافية دعوته أو لم تدعوه طمس الله على بصره وقلبه
فالخير كل الخير أن يكون الإنسان متقربا إلى الله جل وعلا متى يكون مباركا ينفع نفسه وينفع غيره
ولذا قال الإمام أحمد رحمه الله :
لما سئل عن أفضل الأعمال والعبادات ؟
قال: (( العلم إذا صحت النية ))
قالوا : يا إمام من أين تصح النية ولاسيما في العلم ؟
فقال هذه العبارة الموجزة
قال : (( يتعلم ليرفع الجهل عن نفسه ))
إذاً بدأ بمن ؟ بنفسه ،أي يرفع الجهل عن نفسه ثم عن غيره
وذكر الشيخ رحمه الله في الأصول الثلاثة أربع مسائل لابد منها
العلم :
تتعلم ، بعد هذا العلم
العمل :
تبدأ بنفسك بعد ذلك
الدعوة إلى هذا الخير :
إلى هذه اللذة إلى هذه السعادة التي منحتها من الله جل وعلا ، لا تستأثر بها لنفسك قدم هذا الخير لغيرك
الصبر على الدعوة لله جل وعلا :
وتحمل الأذى وهذا مجموع في سورة العصر
ومن ثم أتت تلك العبارة من الإمام الشافعي رحمه الله
قائلا : [ لو لم تنزل على العباد إلا هذه السورة لكفتهم ]
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم مباركين .