شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 16 حديث 18
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا دُبِغ الإهاب فقد طهر ) .
أخرجه مسلم
وعند الأربعة :
( أيما إهاب دبغ )
ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث
في باب الآنية : لأن إيراده له واضح المقصد ، لأن فيما سبق كان الحديث عن الماء ، فذكر رحمه الله الأواني المحرمة التي تستخدم في الماء وهي :
” أواني الذهب والفضة ”
ثم ثنَّى رحمه الله بذكر نوع من أنواع الأواني المباحة وهي الجلود ، فذكر هذا الحديث ، فمن فوائد هذا الحديث :
أن في هذا الحديث دليلا لمن قال من العلماء : إن أي جلد دُبغ من أي حيوان كائنا ما كان ” فإنه يطهر ” .
والروايات كلتاهما تدل على ذلك .
الرواية الأولى ” عند مسلم ” قال :
( إذا دبغ الإهاب )
و( أل ) في أصلها [ تفيد العموم ]
والرواية الثانية ( عند الأربعة ) بذكر اسم الشرط ( أي ) وكما ذكر الأصوليون أن [ أسماء الشرط تفيد العموم ]
ومسألة : ” طهارة الجلود بعد الدبغ “
اختلف العلماء فيها :
القول الأول
أن ” أي جلد من أي حيوان يطهر بالدبغ ”
القول الثاني :
أن ” الجلود كلها لا تطهر بالدبغ ” ويستدلون على ذلك بما عند أحمد وأصحاب السنن من حديث عبد الله بن عكيم ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب )
فكلمة : ( إهاب )
[ نكرة في سياق النهي فتعم ]
إذاً / لا ينتفع به لا قبل الدبغ ولا بعده ، كما هو ظاهر الحديث .
القول الثالث
أن الذي يطهر بعد الدبغ هو ” جلد مأكول اللحم ” لحديث ميمونة الذي سيذكره ابن حجر رحمه الله ، وسنتحدث عنه لاحقا بإذن الله .
القول الرابع
أن جميع الجلود تطهر ما عدا جلد الخنزير ” لأن الله عز وجل قال :
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ }الأنعام145 .
فيقولون : ” عاد الضمير إلى الخنزير “
القول الخامس
أن ” الجلود كلها تطهر بالدباغ ما عدا الخنزير والكلب وما تولد منهما “
والدليل : الآية السابقة إذ إن الكلب مقيس على الخنزير .
القول السادس
أن ” الجلود كلها تطهر بالدبغ ظاهرا لا باطنا ”
فتستعمل في اليابسات دون المائعات .
القول السابع
وهو منسوب إلى الزهري رحمه الله – :
أن ” الجلود كلها طاهرة ولو لم تدبغ “
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الميتة :
( إنما حرم أكلها )
وسنذكر القول الراجح إن شاء الله تعالى إذا أتت معنا الأحاديث الأخرى ، وسنجيب إن شاء الله تعالى عن كل دليل ذكره أصحاب كل قول .
( ومن الفوائد )
أن كلمة ( طهر ) يصح فيها مع ضم الهاء فتحتها ، فيصح قولك ( طَهُر ) أو ( طَهَر ) .
( ومن الفوائد )
إذا كان جواب الشرط أتى بصيغة ( قد ) فيؤتى ( بالفاء ) وجوباً ، تسمى هذه الفاء ( الرابطة بين جواب الشرط وفعله )
وستأتي معنا إن شاء الله تعالى في النحو .
( ومن الفوائد )
أن ( قد ) لها ثلاثة معاني :
المعنى الأول : ( التقليل )
مثل : ” قد ينجح الكسلان “
المعنى الثاني : ( التقريب )
مثل ” قد قامت الصلاة “
المعنى الثالث : ” التحقيق “
وهو المراد هنا ، أي فقد تحققت طهارته
( ومن الفوائد )
أن جلد الحيوان قبل الدبغ يسمى ( إهاباً ) ولا يسمى ( جلدا ) إلا إذا دبغ .
أما إذا لم يدبغ فيبقى على اسم ( إهاب )
( ومن الفوائد )
أن قول ابن حجر رحمه الله ( عند الأربعة ) يراد منهم ( أصحاب السنن )
[ أبو داود – النسائي – الترمذي – ابن ماجه ]
رحمهم الله .
والمسألة لها بقية إن شاء الله تعالى إذا ذكرنا الأحاديث الأخرى في الدروس القادمة بإذن الله تعالى .