شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 26 ) حديث ( 29 ) ( يغسل من بول الجارية .. )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 26 ) حديث ( 29 ) ( يغسل من بول الجارية .. )

مشاهدات: 467

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ــ الدرس 26 حديث 29

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

 أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أبي السَّمح رضي الله عنه قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( يغسل من بول الجارية ، ويرش من بول الغلام )

أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وصححه الحاكم .

( من الفوائد )

أن أبا السَّمح اسمه : إياد ” وقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم .

( ومن الفوائد )

أن سبب هذا الحديث :

( أنه قد أتي بالحسن أو الحسين فبال على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل ألا نغسله ؟ )

فذكر  الحديث .

( ومن الفوائد )

أن : [ الأصل في الأحكام أنه يستوي فيها الذكر والأنثى ]

لظاهر هذا الحديث ، فإنه فرَّق بين الذكر والأنثى ، وهذا التفريق يدل على أن الأصل أن تتساوي الأحكام في حقهما .

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث أتى بصيغة الخبر ” قال :

( يُغسل – يرش ) والمقصود منه الطلب ، أي ” ليغسل من بول الجارية وليرش من بول الغلام “

وهذا يدل على تأكيد هذا الحكم والاهتمام به .

( ومن الفوائد )

أن ( النضح ) الوارد في حق بول الغلام في الأحاديث الأخرى ، بينته هذه الروية وهو ( الرش ) .

( ومن الفوائد )

أن النووي رحمه الله قال – كما في شرح مسلم – قال ”  إن النضح : أن يصب الماء دون أن يكون هناك جريان ، بينما الغسل يلزم فيه الجريان ولا يلزم فيه الدلك “

يعني : متى ما زالت النجاسة بصب الماء على الشيء النجس .

( ومن الفوائد )

أن كلمة ( الغلام ) تطلق على الزمن الذي يولد فيه الإنسان إلى البلوغ ، فقد أطلق كلمة ( الغلام ) هنا على من لم يفطم بعد .

وقد تطلق كلمة ( الغلام ) على الشيخ الكبير في السن ، لأنه استجمع قواه ، كما أطلق موسى عليه السلام – كما في حديث الإسراء والمعراج – أطلق كلمة     ( الغلام ) على الرسول عليه الصلاة والسلام.

إذاً / لو أُنكر على شخص قال لمولود ” هذا غلام ” فإنكاره ليس في محله .

( ومن الفوائد )

أن الأمر  ( برش بول الغلام ) يدل على أنه نجس ، ولكن نجاسته ” نجاسة مخففة “

يكتفى فيها بالنضح .

والنجاسة ثلاثة أنواع :

أولا : ” نجاسة مغلظة ” وقد مرت معنا ، وهي نجاسة ” الكلب ” فيغسل سبع مرات أولاهن بالتراب .

ثانيا : ” نجاسة مخففة ” بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام “

ثالثا : ” نجاسة متوسطة ” وهي   ” ما عدا هذين النوعين فيكتفى فيها بالغسل ، فمتى ما غسلت وزالت النجاسة زال حكمها .

 ( ومن الفوائد )

أنه جاء عند الترمذي :

( بول الغلام الرضيع ينضح )

فوصفه بأنه ( رضيع ) فهذا الحكم يتعلق به ما دام أنه رضيع ، فإذا استقل عن اللبن بالطعام فإن حكم بوله يكون كحكم بول الجارية يجب فيه الغسل .

لكن لو وُضع الطعام في فِيِه من غير رغبة منه فإنه لا يخرجه عن هذا الحكم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم :

( حنَّك بعض مواليد الصحابة بالتمر )

لكن متى ما وُضع الطعام في فهمه واشرأبت نفسه إليه وصاح إذا رآه ، فإن ينتقل من حكم النضح إلى حكم الغسل .

ويؤيد هذه الفائدة : ما جاء في الصحيحين من حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها :

( أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يأكل الطعام ) فوصف بأنه ( لم يأكل الطعام ) فدل على أن من أكل الطعام يخرج من هذا الحكم  .

( ومن الفوائد )

قال بعض العلماء : إن سبب التفريق بين بول الجارية وبول الغلام غير واضح ” فالأمر تعبدي .

وقال بعضهم : إن الغلام يحمل كثيراً ويفرح به أكثر من الجارية ، فمن باب قاعدة [ المشقة تجلب التيسير ]

خفف في بوله .

وقال بعض العلماء : إن الغلام لديه حرارة قوية أكثر من حرارة الجارية ، فحرارته تلطف الطعام ، ولاسيما وأن هذا الطعام خفيف ، لأنه لبن ، وهذا ثابت في الطب ” من أن لدى الذكر حرارة أكثر من حرارة المرأة في هضم الطعام “

وقال بعض العلماء :

إن الغلام يخرج بوله من ثقب صغير من قضيب ممتد فينتشر ، فمن باب التخفيف اكتفي فيه بالنضح، بينما الجارية إذا بالت يستقر بولها ويجتمع فلا مشقة هنا ، فيجب الغسل .

وعلى كل حال هذه حِكم ، والشرع قد أمرنا بالإتباع ، وهذا هو أهم شيء ، قال تعالى :

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36 .

( ومن الفوائد )

أن ” الجارية ” يغسل بولها أكلت الطعام أو لم تأكل الطعام .

ويصح إطلاق لفظ ( الجارية ) على من ” ولدت ” ولو لم تفطم .

 

( ومن الفوائد )

أن هناك قاعدة أصولية وهي :

[ أن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق ]

قال هنا ( يغسل من بول الجارية )

إذاً / غائطها الذي سكت عنه من باب أولى .

قال تعالى في حق الوالدين :

{ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } هذا المنطوق ، والمسكوت عنه الضرب ، فلو ضربهم من باب أولى .

وهناك أيضا قاعدة أصولية وهي :

[ اعتبار مفهوم المخالفة ]

فلما قال :  ( يرش من بول الغلام )

فهم أن غائطه يغسل .

وكذلك يفهم من هذا الحديث باعتبار مفهوم المخالفة ، يفهم أن ” قيئه يغسل ” بناء على الأصل ، مع أن القيء مختلف في نجاسته من طهارته من الصغير والكبير “

فابن حزم رحمه الله : يرى أنه طاهر  ، لعدم الدليل .

والجمهور  :يرون أنه نجس ، قالوا : لأنه طعام استحال في المعدة فاشبه الغائط .

وقال بعض العلماء : إن قيهما لا يدخلان في باب الغسل ، ولاسيما الغلام ، لماذا ؟

قالوا : لأن القيء أخف من البول ، فإذا كان بول الغلام يرش فقيئه من باب أولى ، فتأتينا قاعدة : [ أن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق ]

لكن قال من قال بأنه نجس : نبني على الأصل وهو النجاسة ، فقيء الغلام يغسل .

( ومن الفوائد )

أن كلمة ( من ) الواردة في هذا الحديث ( للسببية ) يغسل بسبب بول الجارية ، ويرش بسبب بول الغلام .

( ومن الفوائد )

بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من ملاطفة الصغار  واحتضانهم ، ولاسيما إذا كانوا أقرباء منه ، كما فعل بالحسن أو الحسين

( ومن الفوائد )

أن فيه بيان أن الأصل في كلمة ( النضح ) هو الرش ، وليس الغسل ، لأنه مر معنا في سنن النسائي قوله صلى الله عليه وسلم ( انضح فرجك ) قلنا إنه ( الغسل ) فقد يطلق النضح ويراد منه الغسل ، لكن الأصل أن النضح هو الرش ، لأن كلمة ( النضح ) أتت في رواية أخرى ، فبينت أن كلمة النضح في الأحاديث الأخرى أنه يراد منها ( الرش )

وكذلك هذا الحديث بيَّن لأنه جمع بينهما فقال : ( يغسل من بول الجارية ، وينضح من بول الغلام ) وفي الرواية التي معنا ( يرش )

ولتعلموا أن المسألة ليست مسألة وفاق ، فهناك من العلماء من يرى أنهما يشتركان في الحكم وهو ( النضح )

ومنهم من قال : إنهما يشتركان في الغسل

ومنهم من فرَّق – وهو الصواب – ويدل عليه الأحاديث التي ذكرت .

والقول الأول والثاني : يرد عليهم بهذا الحديث ، لأنه لا قياس مع النص .

فأصحاب القول الأول:  قاسوا بول الجارية على بول الغلام .

وأصحاب القول الثاني : قاسوا بول الغلام على بول الجارية ، مع أن الأصل في النجاسة أنها تغسل .