شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 56 ) حديث ( 64 ) ( فليمسح عليهما وليصل فيهما )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 56 ) حديث ( 64 ) ( فليمسح عليهما وليصل فيهما )

مشاهدات: 470

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ الدرس 56 حديث 64

( باب المسح على الخفين )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن عمر موقوفا ، وعن أنس مرفوعا :

( إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه ، فليمسح عليهما ، وليصل فيهما ، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة )

أخرجه : الدارقطني والحاكم وصححه .

 

 ( من الفوائد )

أن هذا الحديث يخالف مع ما مر معنا من توقيت المسح على الخفين

” للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن “

وهذا الحديث صُحح من قِبل بعض العلماء ، كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله هنا ، وقد روي موقوفا وروي مرفوعا .

والمرفوع : ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : ” مرفوع حقيقة “

القسم الثاني : ” مرفوع حكماً ”

وكلاهما يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والمرفوع حقيقة أعلى من المرفوع حكما “

مثال المرفوع حقيقة : أن يقول الصحابي ” سمعت  رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “

ومثال المرفوع حكما : أن يقول الصحابي ” كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أو أن يقول ” من السنة كذا وكذا “

فهذا ليس فيه تصريح من أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وإنما منسوب على عهده  أو إلى سنته ، وبالتالي فإنه يكون في حكم الحديث المرفوع حكما .

لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو افترض أنه لم يعلم ما يجري في عهده ، فإن الله عز وجل مطلع على ذلك ، ولو لم يكن هذا الفعل من الشرع لبين الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن هذا خطأ ، فلما سكت عنه الله عز وجل دل على أنه من الشرع .

أما الموقوف فهو ” ما نُسب إلى الصحابي “

أي أنه من قول الصحابي .

وأما ” المقطوع ” فهو  ” ما نسب إلى التابعي ومن بعده ”

فإذا قال التابعي أو تابعي التابعي قولا فإنه يقال هذا أثرٌ ” مقطوع ” .

والمقطوع بخلاف المنقطع ، فالمنقطع ” منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ” لكن في سنده انقطاع ، يعني لم يسمع بعض الرواة من بعض ، فيكون السند منقطعا ، سواء كان السند سقط منه راوي أو راويان أو ثلاثة ، وسواء كان من أوله أو من آخره أو من أوساطه ، يكون منقطعا .

لكن إذا سقط من السند راويان فأكثر على التوالي يسمى ” معضلا “

( ومن الفوائد )

استدل بهذا الحديث بعض العلماء : على أنه يمسح دون توقيت إلا إذا حصلت جنابة للمسلم ، فكما مر معنا في حديث صفوان أنه لا يمسح في الجنابة .

ودليلهم هذا الحديث ، وما يأتي بعده من أدلة .

وهذا الحديث ” شاذ “

والشاذ /  هو ” ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه “

والشاذ من أقسام الحديث الضعيف ، فإذا حكم العلماء على حديث بأنه شاذ فإنه يكون ضعيفا .

وهو أهون من المنكر  ، وهو ” ما خالف فيه الضعيف الثقة “

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث قد يكون دليلا لشيخ الإسلام رحمه الله الذي اختار أن المسح على الخفين مؤقت ومحدد ، كما مر معنا في حديث علي رضي الله عنه ، وكذا في حديث صفوان رضي الله عنه ، لكنه استثنى ” من به ضرورة أو حاجة مستمرة يشق معها النزع “

مثال للضرورة / لو أنه خلع خفيه أصابته أوجاع وآلام لا يطيقها ، فعلى رأي شيخ الإسلام له أن يلبس الخف على طهارة وله أن يمسح بلا مدة ، حتى تزول ضرورته .

ولكن على رأي الجمهور أنه مؤقت بتوقيت ” للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ” إذا وقع مثل هذا :

شخص لو خلع الخفين تألم وتوجع ، على هذا القول ماذا يصنع ؟

الجواب / عليه أن يمسح على الخف كله من كل الجوانب ، ويكون في حكم الجبيرة .

والجبيرة : ما وضع للضرورة .

فيمسح جميع الخف الباطن والظاهر ، والجوانب والعقب ، لم ؟

لأنها حالة ضرورة ، فتكون كالجبيرة .

ومثال للحاجة المستمرة لو نزع لشق عليه النزع /

” يقول رحمه الله ” مثل البريد ” والبريد نصف يوم .

وكانوا فيما مضى إذا أرادوا أن يرسلوا رسالة عاجلة ، هذا يسمى بالبريد ، وعندنا الآن ” بريد “فهذا مشتق من السابق ، وهو لفظ عربي .

فالبريد فيما مضى / كانوا يرسلون شخصا على خيل سريع فيصل إلى مكان في نصف يوم ، فيوقف هذا الخيل ، ويركب خيلا آخر ، أو يركب شخص آخر هذا الخيل لإيصال هذه الرسالة إلى من يراد وصولها إليه .

وهو ” نصف يوم ” لأنه لو سار على الخيل يومه كله أو يومين لهلك .

فيقول شيخ الإسلام رحمه الله : مثل هذا لو أنه نزل ، وربما يكون السفر في حقه سبعة أيام ، فهو بحاجة إلى الوقت  .

( ومن الفوائد )

[ أن الاستثناء معيار العموم ]

وهي قاعدة أصولية تدل عليها أدلة كثيرة ، قال :

( إلا من جنابة ) يعني أن الأصل في حقه المسح على وجه العموم دون تقييد إلا إذا وجدت الجنابة .

أمثلة على هذه القاعدة لأنها قاعدة مهمة :

قوله تعالى :

{ والْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2}

هذا عام ، فكل إنسان في خسر ، فهذا لفظ عام ، ما الذي دل على هذا العموم ؟

” الاستثناء ” { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}

إذاً كل إنسان في خسر  إلا من تحققت فيه الأوصاف المذكورة في سورة العصر .

مثال آخر : قول ( لا إله إلا الله )

( لا إله ) نفي لجميع الآلهة .

( إلا الله )  اثبات

فهذا ما يسمى عند الأصوليين :

[ الاستثناء معيار العموم ]

يعني من علامات النص العام أن يكون فيه استثناء ، تقول :

” جاء القوم إلا زيدا “

فجميع القوم أتوا  ” عام ” .

” إلا زيدا ” لم يأت

( ومن الفوائد )

أن ” الجنابة ” معنى يقوم بالبدن ، هذا المعنى لا يزول من البدن إلا بالغسل  .

ومن نزل منه المني يقال ” هو جنب ”

أولا : لأنه يجتنب بعض العبادات كالصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك .

ثانيا : لأن الماء الذي كان في ظهره جانب موقعه .