شرح كتاب ( بلوغ المرام )ـ الدرس 56 حديث 64
( باب المسح على الخفين )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عمر موقوفا ، وعن أنس مرفوعا :
( إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه ، فليمسح عليهما ، وليصل فيهما ، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة )
أخرجه : الدارقطني والحاكم وصححه .
( من الفوائد )
أن هذا الحديث يخالف مع ما مر معنا من توقيت المسح على الخفين
” للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن “
وهذا الحديث صُحح من قِبل بعض العلماء ، كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله هنا ، وقد روي موقوفا وروي مرفوعا .
والمرفوع : ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ” مرفوع حقيقة “
القسم الثاني : ” مرفوع حكماً ”
وكلاهما يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمرفوع حقيقة أعلى من المرفوع حكما “
مثال المرفوع حقيقة : أن يقول الصحابي ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “
ومثال المرفوع حكما : أن يقول الصحابي ” كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أو أن يقول ” من السنة كذا وكذا “
فهذا ليس فيه تصريح من أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وإنما منسوب على عهده أو إلى سنته ، وبالتالي فإنه يكون في حكم الحديث المرفوع حكما .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو افترض أنه لم يعلم ما يجري في عهده ، فإن الله عز وجل مطلع على ذلك ، ولو لم يكن هذا الفعل من الشرع لبين الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن هذا خطأ ، فلما سكت عنه الله عز وجل دل على أنه من الشرع .
أما الموقوف فهو ” ما نُسب إلى الصحابي “
أي أنه من قول الصحابي .
وأما ” المقطوع ” فهو ” ما نسب إلى التابعي ومن بعده ”
فإذا قال التابعي أو تابعي التابعي قولا فإنه يقال هذا أثرٌ ” مقطوع ” .
والمقطوع بخلاف المنقطع ، فالمنقطع ” منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ” لكن في سنده انقطاع ، يعني لم يسمع بعض الرواة من بعض ، فيكون السند منقطعا ، سواء كان السند سقط منه راوي أو راويان أو ثلاثة ، وسواء كان من أوله أو من آخره أو من أوساطه ، يكون منقطعا .
لكن إذا سقط من السند راويان فأكثر على التوالي يسمى ” معضلا “
( ومن الفوائد )
استدل بهذا الحديث بعض العلماء : على أنه يمسح دون توقيت إلا إذا حصلت جنابة للمسلم ، فكما مر معنا في حديث صفوان أنه لا يمسح في الجنابة .
ودليلهم هذا الحديث ، وما يأتي بعده من أدلة .
وهذا الحديث ” شاذ “
والشاذ / هو ” ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه “
والشاذ من أقسام الحديث الضعيف ، فإذا حكم العلماء على حديث بأنه شاذ فإنه يكون ضعيفا .
وهو أهون من المنكر ، وهو ” ما خالف فيه الضعيف الثقة “
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث قد يكون دليلا لشيخ الإسلام رحمه الله الذي اختار أن المسح على الخفين مؤقت ومحدد ، كما مر معنا في حديث علي رضي الله عنه ، وكذا في حديث صفوان رضي الله عنه ، لكنه استثنى ” من به ضرورة أو حاجة مستمرة يشق معها النزع “
مثال للضرورة / لو أنه خلع خفيه أصابته أوجاع وآلام لا يطيقها ، فعلى رأي شيخ الإسلام له أن يلبس الخف على طهارة وله أن يمسح بلا مدة ، حتى تزول ضرورته .
ولكن على رأي الجمهور أنه مؤقت بتوقيت ” للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ” إذا وقع مثل هذا :
شخص لو خلع الخفين تألم وتوجع ، على هذا القول ماذا يصنع ؟
الجواب / عليه أن يمسح على الخف كله من كل الجوانب ، ويكون في حكم الجبيرة .
والجبيرة : ما وضع للضرورة .
فيمسح جميع الخف الباطن والظاهر ، والجوانب والعقب ، لم ؟
لأنها حالة ضرورة ، فتكون كالجبيرة .
ومثال للحاجة المستمرة لو نزع لشق عليه النزع /
” يقول رحمه الله ” مثل البريد ” والبريد نصف يوم .
وكانوا فيما مضى إذا أرادوا أن يرسلوا رسالة عاجلة ، هذا يسمى بالبريد ، وعندنا الآن ” بريد “فهذا مشتق من السابق ، وهو لفظ عربي .
فالبريد فيما مضى / كانوا يرسلون شخصا على خيل سريع فيصل إلى مكان في نصف يوم ، فيوقف هذا الخيل ، ويركب خيلا آخر ، أو يركب شخص آخر هذا الخيل لإيصال هذه الرسالة إلى من يراد وصولها إليه .
وهو ” نصف يوم ” لأنه لو سار على الخيل يومه كله أو يومين لهلك .
فيقول شيخ الإسلام رحمه الله : مثل هذا لو أنه نزل ، وربما يكون السفر في حقه سبعة أيام ، فهو بحاجة إلى الوقت .
( ومن الفوائد )
[ أن الاستثناء معيار العموم ]
وهي قاعدة أصولية تدل عليها أدلة كثيرة ، قال :
( إلا من جنابة ) يعني أن الأصل في حقه المسح على وجه العموم دون تقييد إلا إذا وجدت الجنابة .
أمثلة على هذه القاعدة لأنها قاعدة مهمة :
قوله تعالى :
{ والْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2}
هذا عام ، فكل إنسان في خسر ، فهذا لفظ عام ، ما الذي دل على هذا العموم ؟
” الاستثناء ” { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}
إذاً كل إنسان في خسر إلا من تحققت فيه الأوصاف المذكورة في سورة العصر .
مثال آخر : قول ( لا إله إلا الله )
( لا إله ) نفي لجميع الآلهة .
( إلا الله ) اثبات
فهذا ما يسمى عند الأصوليين :
[ الاستثناء معيار العموم ]
يعني من علامات النص العام أن يكون فيه استثناء ، تقول :
” جاء القوم إلا زيدا “
فجميع القوم أتوا ” عام ” .
” إلا زيدا ” لم يأت
( ومن الفوائد )
أن ” الجنابة ” معنى يقوم بالبدن ، هذا المعنى لا يزول من البدن إلا بالغسل .
ومن نزل منه المني يقال ” هو جنب ”
أولا : لأنه يجتنب بعض العبادات كالصلاة وقراءة القرآن ونحو ذلك .
ثانيا : لأن الماء الذي كان في ظهره جانب موقعه .