شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 74 ) حديث 86 (كان رسول الله إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 74 ) حديث 86 (كان رسول الله إذا دخل الخلاء وضع خاتمه)

مشاهدات: 435

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )

أخرجه : الأربعة وهو معلوم  .

( من الفوائد )

هذا الحديث به علة تمنع صحته ، وبالتالي فإن أصل اتخاذ الخاتم ثابت ، فقد ثبت في الصحيحين :

 

( أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما )

لكن العلة هنا هل هو عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يدخل الخلاء وضع خاتمه خارج بيت الخلاء أم لا ؟

لأن خاتمه منقوش عليه ( محمد رسول الله )

( وضع خاتمه عليه الصلاة والسلام قبل أن يدخل إلى الخلاء ) لا يثبت .

ولذا كان يدخل به صلى الله عليه وسلم بيت الخلاء .

والخاتَم  / بفتح التاء وكسرها ، تقول ( الخاتَم – الخاتِم ) يصح الوجهان .

والخاتم له في اللغة العربية أسماء .

هل اتخاذ ا لخاتم سنة أم لا ؟ أم أنه سنة للزعماء ؟ أم أنه سنة للجميع ؟ أم أنه مباح ؟

أقوال لأهل العلم ، وليس هذا المقام مقام ذكر لهذا .

لكن الأقرب من أقوال العلماء / :

أن اتخاذ الخاتم ليس بسنة ،

والدليل :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( لم يتخذ الخاتم أول أمره ، وإنما لما قيل له إن الملوك لا تقبل كتابا إلا بختم اتخذه صلى الله عليه وسلم )

حتى انتقل هذا الخاتم إلى أبي بكر ثم إلى عمر ثم إلى عثمان رضي الله عنهم ، حتى سقط من ” معيقيب ” الذي كان يتولى شأن هذا الخاتم سقط في بئر بالمدينة .

ولعل سقوط هذا الخاتم في عهد عثمان يدل على نزع الخلافة من عثمان رضي الله عنه .

 

لو قال قائل /:

أيجوز أن يُدخل بشيء فيه ذكر لله عز وجل أو أن يدخل بالمصحف إلى بيت الخلاء ؟

الله جل وعلا يقول : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ }الحج30 ، ويقول : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32

فذكر العلماء أن دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله مكروه ، ولعلهم اقتصروا على الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صح عنه أن كان يضع خاتمه إذا دخل الخلاء .

ولذا ابتلي الناس بالأوراق النقدية المكتوب عليها ” لا إله إلا الله ” وهذه ليست سنة عند ملوك هذا العصر – كلا – بعض الخلفاء فيما مضى كانوا يكتبون التهليلة ، ولذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا بأس أن يدخل بالنقود المكتوب عليها ” لا إله إلا الله ” إلى بيت الخلاء .

لكن إن كان مصحفاً  فحرموا ذلك ، لم ؟

لأن الأصل عدم الدخول لا بالأذكار وبالمصحف إلى بيت الخلاء ، فالأصل هو التحريم ، لكن لماذا خفف الحكم في الأذكار ؟ لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا دخل بيت الخلاء أنه يضع خاتمه المكتوب عليه:

( محمد رسول الله )

وبالتالي فإن ما يفعله البعض من الناس من إهانة أسماء الله عز وجل أو الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية من غير عمد ، إما عن جهل وإما عن تهاون ، يضعون الصحف المجود فيها أسماء الله أو آيات أو أحاديث يضعونها سفرة للطعام ، أو أنهم يضعونها في براميل النفايات ، كما نرى ونشاهد ، فإن هذا من الأمور العظام  ، ولذا ينبه الناس إلى هذا الأمر ، بعض الناس ولاسيما الصحف يضعونها سفرا للطعام ، ويتهاونون بذلك ، وهذا لا يجوز ، ولا تقاس على الدخول بها بيت الخلاء ، ففرق بين دخولها وبين امتهانها .

( ومن الفوائد )

النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل الشيء من باب بيان أنه مباح وليس بمحرم ، ثم إن فعله صلى الله عليه وسلم للحاجة ، لأن نزل الخاتم فيه مشقة ، فاقتضت الحاجة أن يدعه ، والقاعدة الفقهية تقول : [ المكروه تبيحه الحاجة ]

ثم جملة ( محمد رسول الله ) ليست مقصودة للذكر ، وإنما للتسمية ، كما لو أخبرت عن شخص بشيء ، بدليل أنه لو كان منها الذكر فقط ، لكانت كلمة ( الله ) في الأعلى ،ولذلك يقول ابن حجر رحمه الله “ الصحيح أن ( محمد ) سطر ( رسول ) سطر ( الله ) سطر ، لكن أيهما الأعلى في الكتابة ؟

( محمد ) ثم ( رسول ) ثم  ( الله )

فلو كان المقصود الذكر لكانت كلمة الله في الأعلى .

( ومن الفوائد )

أن المصحف إذا كان في جوال ولم يظهر في نفس الشاشة فلا إشكال في ذلك ، لأنه ملف داخل ضمن الجهاز ولا يؤثر ، لأنه ليس أمامك في الحقيقة قرآن ، فلما يفتح ينزل منزلة القرآن ، لكن لما يكون هذا القرآن في ضمن ملفات فلا يؤثر

( ومن الفوائد )

أن العلماء الذين حرموا دخول بيت الخلاء بالمصحف قالوا ” ما لم توجد ضرورة ” فلو خشي على المصحف لو تركه في الخارج أن يسرق أو أن يمتهن فإنه في مثل هذه الحال يدخل فيه ، ولو وضعه في جراب فلا يجوز الدخول به .

( ومن الفوائد )

وضع الآيات القرآنية نغمة للجوال لا يليق بالقرآن من وجوه :

الوجه الأول :

أن القرآن ما أُنزل لوضعه نغمات ، وإنما أنزل لقراءته لتقريب القلوب إلى الله عز وجل .

الوجه الثاني :

أنه إذا وضع نغمة للجواب كآية فإن هذه الآية التي وضعت كنغمة قد يفتح صاحب الجواب المكالمة فيكون الوقف وقفا قبيحا لا يليق بالله ، يمكن أن يكون الوقف على مثلا { إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ }آل عمران ، 181{ إِنَّ اللَّهَ لاَ }البقرة26، إلى غير ذلك من الوقفات التي لا تليق بالقرآن كمعنى .

الوجه الثالث : أنه قد يتصل به شخص وهو في مقام لا يتناسب مع القرآن كأن يكون في بيت الخلاء لقضاء الحاجة ، ولذلك لا يوضع القرآن نغمات للجوال .

لو قال قائل / نحن نفعل ذلك لكي ندفع ما قد يفعله بعض الناس من باب نغمات أغاني أو موسيقى .

فيقال /

إن المذموم لا يعالج بمذموم ، والخطأ لا يعالج بخطأ ، فهؤلاء يُنبهون وهم يعلمون في حقيقة الأمر حرمة الموسيقى وحرمة الغناء ، فإن فعلوا فشأنهم ، لكن بالنسبة إلى كتاب الله عز وجل فيجب أن يعظم حق التعظيم .

 

( ومن الفوائد )

تشغيل القرآن عند النوم لا بأس به ولا إشكال في ذلك ، بل هو خير ، ولو نام الإنسان والقرآن مستمر فلا إشكال .

( ومن الفوائد )

أن هذه الجوالات أصابت بعض الناس بالجنون ، فالبعض قد يكتب رسالة وهو في بيت الخلاء وبها آية ، وهذا من الإدمان لهذه الأجهزة ، وهذه الأجهزة التصقت بالقلوب أكثر من الأيدي ، ولذا من حين ما يستيقظ يأخذ الجوال ، في أثناء الأكل ، حتى وهو يمشي بسيارته يمكن أن يكتب رسالة .

فعلى المسلم أن يتعاهد نفسه ، كيف ؟

بتعاهد وقته ، فيستفيد من هذه الجوالات بالقدر المحدود .

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر )

فكيف بكتابة الآيات وهو في بيت الخلاء ؟! وما بقي من العلم إلا أن يكتبه في هذا المكان ؟!

وانظروا إلى ملايين التغريدات هل فيها ذكر لله ؟ هل فيها حث على فائدة ؟

وهذه الوسائل مفيدة جدا لو أن الناس استفادوا منها ، واستغلوها في نشر العلم الصحيح والخير بين الناس ، الصغير والكبير .