شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 91 ) حديث 108 (الماء من الماء )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 91 ) حديث 108 (الماء من الماء )

مشاهدات: 470

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )ـ حديث 108

( باب الغسل وحكم الجنب )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد :

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ r

 

{ اَلْمَاءُ مِنْ اَلْمَاءِ }

رَوَاهُ مُسْلِم وأصله في البخاري

 

 

 

( من الفوائد )

الغسل يكون بضم الغين وبفتحها إذا كان المقصود المصدر الذي هو الفعل ، فالفعل الذي هو صب الماء يصح أن تقول في اللغة ” غُسل وغَسل  ”

لكن إن أردت الماء ولم ترد الفعل فتضم الغين ” الغُسل  “

ولذلك جاءت أحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم :

( أحُضر له غُسله )

والمقصود من ” الغُسل ” هنا الماء ،

وإذا كسرت الغين فالمقصود ما يكون مع الماء في التطهير كالصابون والشامبوهات وسائر المنظفات .

فنخلص من هذا إلى أن الغين في الغسل إذا كان المقصود الفعل الذي هو المصدر فيجوز فتح الغين وضمها

 

وإذا كان المقصود الماء فيكون الضم ، ويكون التفريق بينه وبين المصدر الذي هو الفعل يكون حسب السياق .

وإذا كسرت الغين فالمقصود منه المادة التي تكون مطهِرة .

( ومن الفوائد )

أن ( الغسل )   تعريفه من حيث الاصطلاح هو :

” التقرب والتعبد إلى الله عز وجل بصب الماء على البدن على وجه مخصوص  “

وسيأتي بيان صفة الغسل بإذن الله تعالى في الأحاديث القادمة .

( ومن الفوائد )

أن”  الجنب ”   فإنه من حيث اللغة كلمة ” الجنب ” تدل على البعد ، ولذلك قال  صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين :

 

 (  اجتنبوا السبع الموبقات )  يعني ابتعدوا عن ( السبع الموبقات )

 وسمي الجنب بهذا الاسم :

إما لأن الماء يُجنبُ عن محله يعني يبتعد عن محله،  فإن محله ” الصلب والترائب ” فإذا نزل من القُبل باعد محلَه .

أو لأن الجنب مأمور بالابتعاد عن مواطن العبادة أو عن بعض العبادات .

والسببان متداخلان ومقبولان .

( ومن الفوائد )

ولو قال قائل :

لماذا شرع الغُسلُ للجنب مع أن مخرج المني هو مخرج البول وكلاهما سائل ؟ فلماذا البول لا يكون منه الغسل بينما المني يلزم منه الغسل ؟

فالجواب عن هذا /

أن البول هو فضلة المطعوم والمشروب ، بينما المني فضلة تخرج من جميع أجزاء البدن ، ولذا إذا خرج منه هذا المني أصابه الكسل والخمول ،  ما لا يصيبه حال خروج البول ، بل إنه  بعد خروج البول يكون أريح لنفسه وبدنه ، فناسب أن يؤمر من هو جنب أن يؤمر بغسل البدن كله حتى يعود إليه نشاطه .

ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما عند مسلم :

( أمر من أراد أن يجامع زوجته مرة أخرى بالوضوء )

والوضوء أقل من الغسل فاعلية ولذلك في مستدرك الحاكم

(  فإنه أنشط لِلْعَوْد )

فإذا اغتسل فمن باب أولى

ولذا في المسند صلى الله عليه وسلم :

( طاف على نسائه كلهن فإذا جامع اغتسل ، ثم طاف على الأخرى ثم اغتسل ، وهكذا فلما سئُل  صلى الله عليه وسلم قال ”  هذا أزكى وأطيب وأطهر ” ) 

وقد أورد المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( الماء من الماء )

قال رواه مسلم وأصله عند البخاري

 

من فوائد هذا الحديث

أن المذكور عند البخاري القصة التي بسببها ذكر هذا الحديث ، ولم يذكر عند البخاري هذا الحديث وإنما ذكرت القصة ، وهي :

( أن النبي صلى الله عليه  وسلم طرق على عِتبان بن مالك فخرج عِتبان رضي الله عنه وكان قد فرغ من جماع زوجته ، فقال صلى الله عليه وسلم (  إذا أُعجِلت أو أُقحِطت فعليك بالوضوء )

يعني إذا جامعت زوجتك و أعجلت عنها بسبب كسببنا ولم تنزل المني فعليك بالوضوء .

ولذلك عند البخاري :

( لما سُئل عثمان رضي الله عنه عن رجل جامع زوجته ولم ينزل المني قال ”  عليه الوضوء ويغسل ذكره ) 

فهذا الحديث وهو حديث الباب مع ما ذكر من فُتيا عثمان رضي الله عنه يدلان كما قال بعض العلماء:

يدلان على أن الزوج إذا جامع زوجته وأدخل ذكره في فرجها ثم نزعه ولم يُنزل منياً فإنه لا يجب عليه الغسل ، وإنّما يجب عليه الوضوء ودلالته من قول عثمان واضحة .

أما دلالته من حديث الباب فهو قوله صلى الله عليه  وسلم :

( الماءُ من الماء )

 (  الماء ) وهي الكلمة الأولى هو الماء المعروف

( الماء  ) وهي الكلمة الثانية هو المني  .

فالمني يُطلق عليه ماء كما جاء في هذا الحديث

وكما ذكره عز وجل في سورة الطارق :

{  خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق }

 

فتكون من هنا  ( الماء من الماء )

 ( من ) هنا سببية

لأن معنى ( من ) متنوعة تأتي زائدة ، وتأتي سببية ،  تأتي تبعيضية ، لها معاني متعددة تعرف من خلال السياق

( الماء من الماء )

 

يعني ( الماء ) الذي هو صب الماء على البدن سببه خروج

( الماء ) الذي هو المني ففهم من ذلك أنه إذا لم يخرج الماء فلا يلزم بالماء الأول الذي هو الغسل .

بل حصرت هذه الجملة بالتعريف ، أخذنا في البلاغة المسند والمسند إليه ،  ما هو المسند ؟

المحكوم به

المسند إليه : المحكوم عليه .

 

فنقول : ( قام زيد  )

زيد  : مسند إليه ،  لأنه محكوم عليه

قام  : مسند ، يعني حكمنا على زيد بالقيام

تعريف المسند إليه هنا يدل على الحصر ، أين المسند إليه ؟

( الماء )الأول ، ولذا يؤكد هذا ما جاء في رواية مسلم

( إنما الماء من الماء )

” إنّما  “ أداة حصر ، وفائدتها في اللغة العربية أنها تثبت الحكم لما بعدها وتنفيه عما سواه

( إنما الماء من الماء )

بمعنى أنّ الماء الذي هو صبه على البدن لا يكون لازماً إلا بالماء الذي هو المني .

وإلى هذا القول ذهب بعض الصحابة كعثمان رضي الله عنه

لكن أهذا هو القول الوحيد ؟ لا ، هناك قول آخر في المسألة

بدليل الحديث الآتي ،  ما هو الحديث الآتي ؟

حديث أبي هريرة رضي الله عنه :

( إذا جلس بين شُعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل )

فكيف نوفق بين الحديثين ؟

إذا وصلنا إلى حديث أبي هريرة إن شاء الله .

فهذا الحديث وهو ( الماء من الماء )

 أفاد ماذا ؟

أنه لا يجب الغسل إذا أدخلَ الزوج ذكره في فرج زوجتهِ إلا إذا أنزل ، أما إذا لم ينزل فلا يلزمه غسل هذا قول مرجوح

والصواب كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

أنه إذا أدخل ذكره في فرجها ، والمقصود من الذكر الحَشَفَة ، لا يلزم الذكر كله لو أدخل الحشفة وهي المقدمة مقدمة الذكر المحاطة بخيط من اللحم إذا أدخل هذه الحشفة فبمجرد أن يدخل الحشفة يجب الغسل وإن لم ينزل ، هذا هو المقرر في هذه المسألة  .

( ومن الفوائد )

”  أن في هذا الحديث جناساً تاماً “

الجناس:  هذا علم من علوم البلاغة ، لأن علم البلاغة مرتكز على ثلاثة أشياء :

[ علم المعاني –  علم البيان – علم البديع ]

الجناس من علم البديع ، لأنه يعنى بالمحسنات اللفظية ،  فعلم البديع نوعان : يعنى بالمحسنات اللفظية ويعنى بالمحسنات المعنوية  .

على كل حال : هنا جناس تام ، لأن هناك أنواعا للجناس

 

الجناس التام : هو ما توافقت فيه حروف الكلمتين من حيث الهيئة ، من حيث النوع ، من حيث عدد الحروف ، من حيث ترتيب الحروف

هنا : ( الماء من الماء )

(  الماء ) الأول نفس الكلمة هي هي الكلمة الثانية من حيث هيئة الحروف ونوع وعدد وترتيب الحروف .

قال تعالى :

{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ } الروم 55

 كلمة : ( ساعة ) هنا جناس