( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عَنْ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ; أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ -وَهِيَ اِمْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ- قَالَتْ:
{ يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنَّ اَللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ اَلْحَقِّ, فَهَلْ عَلَى
اَلْمَرْأَةِ اَلْغُسْلُ إِذَا اِحْتَلَمَتْ? قَالَ: “نَعَمْ. إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ” } اَلْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] رضي الله عنه قَالَ:
{ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم -فِي اَلْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى اَلرَّجُلُ- قَالَ: “تَغْتَسِلُ” }
مُتَّفَقٌ عَلَيْه
( من الفوائد )
أن التعريف بالشخص لزيادة التعريف به مطلب – كما هنا – فإن أم سليم لا يعرفها كل أحد ، وبما يظن أن أم سليم ليست أم سليم المعهودة في الذهن ، فلما قال : ( امرأة أبي طلحة ) أكَّد أن هذه المرأة هي أم سليم وهي أم أنس رضي الله عنه
( ومن الفوائد )
أن الاحتلام وهو رؤية الجماع في المنام لا عيب فيه على دين الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة ، ولو كان به عيب لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم وأمرها أن تتدافع هذا الأمر بقدر ما تستطيع .
( ومن الفوائد )
أنه في بعض الروايات ( أنكرت عائشة رضي الله عنها على أم سليم ) فتكون عائشة قد حضرت فقالت ( أوتحتلم المرأة ؟ ) وفي رواية : ( فضحت النساء )
فيه إشارة – والعلم عند الله – على أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لا يرين في منامهن احتلاما ، تعظيما لشأنه صلى الله عليه وسلم ، وإلا لو كان معهودا لما أنكرت عائشة رضي الله عنها ، ومعلوم أن الأنبياء لا يحتلمون .
وما ورد :
( من أن يأجوج ومأجوج هم ذرية آدم وحده وليس يأجوج ومأجوج من آدم وحواء معا وإنما آدم احتلم فاختلط منيه بالأرض فنشأ منه يأجوج ومأجوج )
فإنه لا أصل له ولا يصح ، فيأجوج ومأجوج من آدم وحواء عليهما السلام .
( ومن الفوائد )
بيان فضل نساء الأنصار فإنهن يحرصن على السؤال عن أمور دينهن ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم :
( نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمور دينهن )
( ومن الفوائد )
أن ما يستقبح ذكره وقد يحط من قدر الإنسان ولكن السؤال له أهمية فعليه أن يأتي بمقدمة تلطف ما يريد أن يسأل عنه مما يستقبح كما صنعت أم سليم ، قالت :
( يا رسول الله إني الله لا يستحيي من الحق )
ثم أتى السؤال : ( فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ )
( ومن الفوائد )
أن هذه المقدمة من أم سليم تدل على أن ذكر النساء في مجالس الرجال ليس بمحمود ، ولذلك نقل شيخ الإسلام رحمه الله عن السلف أنهما كانوا يقولون :
” جنبوا مجالسنا ذكر النساء “
لأن هناك بعضا من الناس إذا جلس في مجلس تحدث عن النساء ، فأصبح معظم حديث المجلس عن النساء ، سأتزوج وسأفعل ، فتكون مجالسهم على هذا النحو ، مما قد يهيج الشهوة ولا يقضي الوطر ويفضي بالإنسان إلى أن يقع في فتنة الشهوة .
( ومن الفوائد )
إثبات صفة الحياء لله عز وجل ، وليس هذا النص هو الوحيد بل جاء النص الصريح في السنن قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله حيي سِتِّير يحب السِّتر والحياء )
والحياء : هو خلق يدعو الإنسان إلى فعل الحسن وترك القبيح “
وهو يختلف عن الخجل ، فما أورث الإنسان خورا وضعفا ومهانا عن فعل الخير وترك الشر فإنه في الحقيقة لا يسمى حياء وإنما يسمى خجلا ، لأن الحياء كما جاءت بذلك الأحاديث :
( الحياء خير كله )
( الحياء لا يأتي إلا بخير )
وليعلم أن إثبات أي صفة من صفاته عز وجل يجب أن يتوقى فيها أمران : [ التكييف – والتمثيل ]
فلا تكيف أي صفة لله عز وجل بكيفية معينة ، هي لها كيفية لكن لا نعلم بها ، إنما يعلمها الله عز وجل ، ولذلك الصفات من حيث الكيفية هي من المتشابه الحقيقي كما قال عز وجل :
{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }
لأن إدراك ما تؤول إليه كيفية صفات الله عز وجل مجهولة ، ولذا الإمام مالك لما سئل عن الاستواء ؟
قال ” الاستواء معلوم ” من حيث اللغة العربية وهو ” الصعود والعلو والارتفاع “
قال ” والكيف مجهول ” فهو موجود لكنه مجهول
” والسؤال عنه بدعة “
فتتوقى التكييف والتمثيل ، فكما يلزمك ألا تكيف أي صفة لله يلزمك ألا تمثلها بصفات المخلوق ، فلله عز وجل سمع وللمخلوق سمع ، ولكن لكل منهم ما يلائمه ويناسبه ويليق به
، ولذلك قال بعض السلف ( يسمع لا كسمعنا ، يبصر لا كبصرنا ) والقاعدة في إثبات صفات الله عز وجل :
” أنه متى ما أتاك نص من القرآن أو من السنة فأثبتها ولا تتردد ، لأنك لست بأعلم من الله من نفسه ، ولا بأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه ، فمتى ما أتاك دليل ينص على صفة من صفات الله فأثبتها ولا تترد ولكن يلزمك أن تتوقى التكييف والتمثيل “
قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى، 11 ، وقال تعالى : {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4، وقال تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }مريم 65
( ومن الفوائد )
أن” اللام “” في كلمة ” الغسل ” هنا عهدية .
واللام العهدية ثلاثة أنوع :
عهدية مذكورة في السياق .
عهدية حضورية .
عهدية ذهنية .
هنا ما هو هذا الغسل ؟
هو الغسل المعهود في الشرع ، وهو ما سيأتي بيانه إن شاء الله من صفة الغسل .
ولذلك في رواية : ( هل على المرأة من غسل ) وفي رواية ( هل على المرأة غسل )
( ومن الفوائد )
أن جواب المفتي يكون على حسب ما يقتضيه الحال والمقال ، فإن كان المقام يقتضي أن يزيد في الجواب فليزد وإلا فلا ، فعلى حسب المصلحة ، ولذلك هنا قالت :
( هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال نعم ) ولم يقتصر وإنما زاد ( إذا رأت الماء )
وهذا ما يسمى عن البلاغيين بالاحتراز ، لأنه لو قال ( نعم ) يعني يجب عليها الغسل إذا اغتسلت سواء نزل منها مني أو لم ينزل منها مني ، لكن لما قال ( إذا رأت الماء ) دل على أن الغسل واجب عليها إذا رأت الماء الذي هو المني .
وإذا اقتضى المقام للاختصار اختصر ، ولذلك في حديث المرأة الخثعمية في الصحيحين ، قالت :
( إن فريضة الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم )
( ومن الفوائد )
أن حرف ( نعم ) حرف جواب ، له فائدة ؟
لو قال شخص لك ” هل رأيت زيدا ؟ فقلت : نعم “
هذا حرف جواب ، ما فائدته ؟
الاختصار ، فهو يدل على شيء محذوف ، بدل ما تقول ” نعم رأيت زيدا ” تقول ” نعم “
هنا في الحديث :
( هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال نعم )
بدل أن يقول ” نعم إذا احتلمت ” فدل حرف ” نعم ” على الاختصار ، وتضمن هذا الحرف كلاما محذوفا .
( ومن الفوائد )
أن قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا رأت الماء )
الماء : هنا ” أل ” عهدية ذهنية ” ما هو هذا الماء ؟
” المني “
ومر معنا في حديث أبي سعيد ( الماء من الماء ) الماء المعروف الذي يُصب على البدن من الماء الذي هو المني ، يعني سبب الاغتسال هو نزول المني .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث أخذ منه بعض العلماء توضيحا أكثر لحديث أبي سعيد المتقدم ( الماء من الماء ) كيف ؟
قال : حديث أبي سعيد ( الماء من الماء ) لا يعارض حديث أبي هريرة : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل )
فحديث أبي سعيد ( الماء من الماء ) يوضحه هذا الحديث الذي معنا ، كيف ؟
( الماء من الماء ) هذا في حق النائم ، أما حديث أبي هريرة في اليقظة .
( ومن الفوائد )
أن جملة ( إذا رأت الماء ) فيه رد على من قال إن مني المرأة لا يظهر حينما تنزله .
ولذلك في سنن ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا أنزلت كما ينزل الرجل )
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( إذا رأت الماء )
يفهم منه أنها إذا لم تر الماء فلا غسل ، وبالفعل لو أن المرأة رأت جماعا كاملا في منامها ثم استيقظت ولم تجد ماء ، ما الحكم ؟ لا غسل عليها .
وهذا ما يسمى عند الأصوليين بـ [ مفهوم المخالفة ]
فجملة ( إذا رأت الماء ) يفهم منها أنها إذا لم تر الماء فلا غسل ، ما المنطوق ؟ إذا رأت الماء اغتسلت .
وهناك ما يسمى عند الأصوليين بـ [ مفهوم الموافقة ]
وهو أن المفهوم مثل حكم المنطوق لا يخالفه ، قال عز وجل:
{ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا }الإسراء23 ، لو أنه تكلم عليهما بكلام قبيح أو ضربهما ، مفهوم الموافقة أن هذا محرم .
ومعرفة طالب العلم بالقواعد والأصول الشرعية تجعل عنده أساساً قوياً .
( ومن الفوائد )
لو أن الرجل رأى في منامه أنه يجامع زوجته أو يجامع امرأة فاستيقظ ولم ينزل منيا ، فالحكم واحد .
قاعدة شرعية :
[ ما ثبت في حق النساء يثبت في حق الرجال ، وما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء إلا بدليل يخرج أحد الجنسين ]
النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن النامصة ) لو أن رجلا أتى ونمص شعر حاجبيه ، فالحكم هو هو لا يختلف .
( ومن الفوائد )
لو أن المرأة رأت في المنام الجماع ورأت أثناء الجماع أن المني ينزل منها نزولا عظيما فلما استيقظت لم تر منيا ، فما الحكم ؟
لا غسل عليها ، فالرؤية في هذا الحديث رؤية بصرية ، فليست رؤية منامية وليست رؤية قلبية .
كما لو قلت أرى أن هذا الحكم جائز ، فهذه رؤية قلبية .
لو قلت ” رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فهذه رؤية منامية
( ومن الفوائد )
أن إحدى طرق اليقين الرؤية “
لو أن المرأة استيقظت فوجدت بللا ، لكن لا تدري أهو مني أم أنه مذي ؟
الحديث ينص هنا على ” الماء ” الذي هو المني .
قال بعض العلماء : يجب الغسل .
وقال بعض العلماء : لا يجب الغسل ، لم ؟
قال : لأنه لم يتيقن ، والأصل براءة الذمة .
وقال بعض العلماء بالتفصيل :
إن كان قبل أن ينام تذكر الجماع أو داعب زوجته فوجد البلل ، فهذا فيه دلالة على أنه مذي ، لكن إن لم يحصل منه تفكير ولا مداعبة فإنه مني ويجب عليه الغسل .
والصواب /
إن وجدت قرائن تدل على أنه مذي فنحكم بأنه مذي ، وإن كانت قرائن تدل على أنه مني فنحكم بأنه مني، وإن لم يوجد فيجب عليه الغسل على الصحيح ، لم ؟
جاء عند أبي داود :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يرى البلَّة فقال عليه الغسل )
فدل على أن الحكم منوط بوجود البلل ، فإن وجددت قرينة تدل على أنه مذي فبها ، وإلا فيجب عليه الغسل .
( ومن الفوائد )
لو أن المرأة استيقظت من نومها فوجدت المني ولم تر في منامها جماعاً ؟
فيجب عليها الغسل .
( ومن الفوائد )
لو أن المرأة رأت الجماع ثم استيقظت قبل أن ينزل منها شيء في المنام ، فلما استيقظت وجدت المني ؟
فيجب عليها أن تغتسل .
( ومن الفوائد )
لو أن المرأة رأت الجماع بالليل وقبل أن تنزل استيقظت فلما استيقظت وبعد حين إذا بالمني ينزل منها ؟
نقول : إن خرج منها هذا المني بلذة فهو مني فيجب منه الغسل ، وإما إذا خرج من غير لذة فإنه ليس بمني وإنما ودي فحكمه كحكم البول يغسل ولا يجب منه الغسل .
( ومن الفوائد )
لو أن المرأة رأت الجماع وتلذذت به وأنزلت في منامها ، فلما استيقظت لم تجد المني ، لكن لاتصالها بما رأته نزل منها المني ؟
نفس التفصيل السابق .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث لا يستغنى فيها عن ذكر حديث آخر في المسند وسنن أبي داود :
( إذا فضخت الماء فاغتسل )
وفي رواية ( إذا حذفت الماء )
يعني أن الماء صار متدفقا وهذه علامة اللذة فيجب فيه الغسل من يقظان .
لكن لو أن الإنسان فكَّر فنزل منه سائل من غير لذة فلا غسل عليه.
فإن كانت صفاته صفات المني فهو ودي ، وإن كانت صفاته صفات المذي فهو مذي ، وغالب ما يخرج الودي مع البول ، وأحيانا قبل البول بدون لذة .
( ومن الفوائد )
لو أن الإنسان – نسأل الله العافية – انكسر صلبه فخرج منه مني ، فحكمه كحكم الودي .
فخلاصة القول أن المعول عليه في الغسل من حديث النوم إذا رأى المني بعد الاستيقاظ رأى جماعا في منامه أو لم ير ، المهم إذا استيقظ من نومه أنه يرى المني .
أما في حالة اليقظة فلا يجب الغسل من المني إلا إذا خرج دفقا بلذة .
بعض الناس عاب على المحدثين لما ذكر حديث :
( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ )
هذا طفل معه طائر يلعب به ، فعاب البعض على أهل الحديث .
فقال ابن حجر رحمه الله ” إليكم ستين فائدة “
( ومن الفوائد )
أن أي مصنف يقول ( الحديث أو الآية ) فإنه يريد من ذلك ” أكمل الحديث أو أكمل الآية ، أو كأنه يشير إلى ما ذكره إنما ذكر ما يتناسب مع المقام ، وإلا فإن للحديث تكملة .
فعبارة ( الحديث ) يعني إلى آخر الحديث .
( ومن الفوائد )
أن إنكار أم سلمة رضي الله عنها كان في ثناياه إنكار من عائشة رضي الله عنها ، وإنكار عائشة كإنكار أم سلمة ، ولذا في الرواية الأخرى ( فضحت النساء ) يعني لم يعهد أن النساء يرين ما يراه الرجال في المنام ، فهل كانت عائشة حاضرة أثناء مجيء أم سليم وتكلم أم سلمة ؟ أم أنهما واقعتان منفصلتان ؟
الذي يظهر أن عائشة رضي الله عنها كانت حاضرة ذلك المجلس الذي سألت فيه أم سليم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الإنكار من كلتيهما من عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، وهذا يقرر ما قررناه سابقا من أن العادة لم تجر لنساء النبي صلى الله عليه وسلم أنهن يرين في المنام الجماع ، فإن كان كذلك فهو تشريف لهن بشرف النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أن قوله صلى الله عليه وسلم :
( فمن أين يكون الشبه )
الاستفهام هنا / استفهام إنكاري أو إقراري ، فهو يحمل معنيين
( فمن أين يكون الشبه ) إنكار على أم سلمة ، وإقرار لما قالته أم سليم .
لأن المرأة إذا لم تنزل المني فمن أين يكون الجنين الذي يشبه إما الأم أو الأب .
( ومن الفوائد )
أن قوله صلى الله عليه وسلم :
( فمن أين يكون الشَّبَه ؟ )
بفتح الشين المشددة وفتح الباء .
ويصح : كسر الشين مع تسكين الباء ( الشِّبْه )
فيصح النطق بهذا وبهذا .
( ومن الفوائد )
أن قوله صلى الله عليه وسلم :
( فمن أين يكون الشَّبَه ؟ )
أن هذا الجنين لا يخرج عن كونه شبيها إما بأمه وإما بأبيه وإما بأخواله من جهة أمه وإما بأعمامه من جهة أبيه .
ولذا قال عز وجل :
{ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{19}
تدل هذه الآية مع هذا الحديث على أن الصفات الوراثية تحملها النطفة المكونة من جنسين من الرجل ومن المرأة ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :
( إن ماء الرجل ماء غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فإذا غلب أو سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة أشبه الولد أعمامه ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أشبه الرجل أخواله )
ولذا قال عز وجل مبينا أن الجنين يكون من نطفة الجنسين الرجل والمرأة كما في أول سورة الإنسان :
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ }
{ أَمْشَاجٍ } يعني مختلطة ما بين نطفة الرجل وما بين نطفة المرأة .
لكن أحيانا يأتي الولد لا يشبه أمه ولا يشبه أباه ولا يشبه أخواله ولا يشبه أعمامه .
فيقال كما قال الأطباء في هذا العصر – وهذا مقرر في الشريعة قبل أن يأتي الأطباء به – يقولون :
إن الصفات الوراثية إما أن تكون صفات سائدة أو صفات متنحية ، ما هي الصفات الوراثية السائدة ؟
قالوا : لابد أن تكون في كلٍ من الرجل والمرأة ، ولا يشترط أن تكون في كليهما ، فتخرج هذه الصفات في نصف الذرية .
وهذا ما يقرره الحديث :
( إذا سبق ما الرجل ماء المرأة )
وأما المتنحية : فهي التي لابد أن تكون في كليهما لكن لا تظهر عليهما أبداً ، وتقع في ربع الذرية .
ولما أتى ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ، زوجته بيضاء وهو أبيض فأته غلام أسود ، فظن أن زوجته خانته ، فقال صلى الله عليه وسلم :
( هل في جِمالك من أورق ؟ قال نعم ، قال وأنَّى له ؟
قال : لعله نزعه عرق، فقال صلى الله عليه وسلم فلعله نزعه عرق )
يمكن هذا الطفل نزعه عرق .
ومعنى قوله في الحديث ( غلب ) وفي رواية ( سبق )
إما أن يكون بالأكثرية وإما أن يكون بالأسبقية .
( من الفوائد )
المرأة لا تمنع من أن تحدث الرجال ، ولذا قال عز وجل :
{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }الأحزاب32
وإنما نهيت عن أن تخضع بالقول الذي تميل معه القلوب ، وبالتالي فإن على المرأة المستفتية أن تتقي الله عز وجل وأن يكون سؤالها بقدر الحاجة ، يمكن أن تخطئ بعض النساء في هذا العصر ،لكن أ ين توجيه هذا المفتي حيال هذه المرأة ، فلا يجوز له أن يسترسل ، بل يجب عليه أن ينبهها وأن الواجب أن تسأل بقدر الحاجة ، ولذا فإن المرأة حذَّر الشرع من الافتتان بها :
( اتقوا الدنيا واتقوا النساء )
وما فتحت في هذا العصر عن طريق الغرب بما يسمى بالدردشة النصية أو الصوتية بل حتى المرئية بين الجنسين ، والمجتمع مغزو وللأسف ، يعني بعض البرامج الحديثة التي استحدثت يسمى ( بالكيك ) وما عرف إلا قبل شهر أو شهرين وفيه صوت وصورة ، يمكن أن تسجل نفسك في أي مكان لا يتجاوز أربعين ثانية ، ثم إذا بك تنشر ما صورته من نفسك ،وترسل المرأة صورة لنفسها ، وللأسف أطلعني بعض الإخوان عليه و90% ممن يدخله من السعودية ، ومعظم من يدخله نساء ، ومن يدخله من الشباب من يتميع ، جاء زمن ظهور الفاحشة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل هذه وسائل ، والمجتمع ما أدري هل هو من النعمة ، تهدر الأوقات فيما لا طائل من ورائه ، فكيف بأوقات تهدر بما هو ضرر على دين الإنسان ؟! ولذلك إذا لم يحذر من مثل هذه الأشياء – فهي واقعية – لكن يجب أن تحارب وأن تصارع بالحق ، وإلا فالوضع جِدُّ خطير ، والله لو قيل لي قبل ثلاث سنوات أن المجتمع سيكون حاله هكذا لما صدقت ، بل إني في إحدى الخطب قبل ست سنوات تحدثت عن ” البلوتوث ” وما يكو ن فيه من نقل مقاطع خليعة وجدت في المدارس بين الطلاب ، وجدت بين الشباب ، قلت ربما يأتي يوم من الأيام أن الإنسان يحدث نفسه عن طريق الكاميرا فيراه ويرى صاحبه ، ولا ندري ما هو آتي ، وهي وسائل لو استخدمت في الخير نفع الله بها ، تصوروا لو أن هذه الأشياء استخدمت في الخير ، من كان يجيد اللغة الإنجليزية ويضع مقطعا يسيرا يبين عقيدة المسلمين ويبين عظم القرآن، ويوصل هذا الخير إلى الكفار ، سيسلم كثير منهم ، لو أن المجتمع كلٌ بما يقدره الله عز وجل وضَّح وبين ما يفيد الإنسان في دينه لنفع الله بها ، لكن استخدامنا لها وللأسف استخدام سيئ – نسأل الله السلامة والعافية – وعلى ولي الأمر في البيت أن ينبه وأن يتنبه ، مثل هذه البرامج يعلم بها الأبناء والبنات أكثر من الأب ، والناس يقولون قصرت بنا النفقة ، وكثر الفقر ، لا شك أن عندنا فقرا ، وقصص الفقر موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عصر عمر ، لكن نحن عندنا فقر في المدنية ، فقر في الكماليات ، فلا نلوم غيرنا ، تصرفاتنا فيها ما فيها ، لأن الإنسان إذا لم يصرف المال في وجهه الحقيقي :
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67
لو أعطيته عشرين ألف شهريا لم تبق عنده آخر الشهر ، لم ؟
لأن النفس لا تقف عند حدٍّ معين ، يريد ويريد ويريد ، انظروا لمن يعيشون بيننا من الوافدين – هم الذين استفادوا – إنما نحن استهلاكيون ، وهذه صفة ليست بطيبة ، بعض الإخوان يأتي من بلدته ومعه زوجته ويمكن ما يحصله في الشهر أربعة آلاف ، ومع ذلك يسكن ويأكل ويشرب ويرسل لأهله ، لكن عندنا سوء تصرف ، وهذا كله من الفراغ ، والله لو أن الإنسان مشتغل بطلب معيشته اليومية من حين ما يصبح إلى أن تغرب عليه الشمس كأجدادنا ما يجد الوقت ، فبما أن الله عز وجل أنعم علينا بنعمة الرخاء فلنشغل أنفسنا في طاعة الله عز وجل ، انظروا إلى حلقات التحفيظ ، قبل خمس سنوات مثل الآن ، كان الشباب مستقيمين { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }البقرة57 .
فإذا رأيت في بيتك خللا فاعلم أنه من تصرفاتك ، ولا تحمل أخطاءك على الآخرين ، والدنيا لا يشبع منها أحد ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( ستكون بعدي أثرة ) يعني أن الأمراء يستأثرون بالأموال ( أفلا ننابذهم بالسيف يا رسول الله ؟ قال لا ) وفي رواية ( أدُّوا الحق الذي عليكم وسلوا الله الحق الذي لكم )
سيأتي يوم يجازى فيه الرئيس والمرؤوس ، الصغير والكبير ، قال ( اصبروا حتى تلقوني على الحوض ) يعني خير لكم مما أخذ منكم ، ربما تقصر بك حسناتك فتأخذ من حسناتهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من بات آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )