البلاغة
علم المعاني 1
أولا : المسند إليه
أحكام تتعلق بالمسند إليه
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا : إن أضرب البلاغة فما سلف ثلاثة أنواع :
علم المعاني
وعلم البيان
وعلم البديع
ومازال الحديث متواصلا مستمرا في الضرب الأول :
وهو علم المعاني :
قلنا :
إن علم المعاني يتركب من أمرين :
مسند
ومسند إليه
المسند : هو المحكوم به
والمسند إليه : هو المحكوم عليه :
قلت :
زيدٌ قائم
حكمنا على زيد بالقيام ومن ثم يكو ن زيد هو المسند إليه
وتكون كلمة قائم المسند
المسند إليه والمسند أهل البلاغة يستفيضون في التعليق على هذين الأصلين لأنهما أصلا علم المعاني
الآن سنحصر الأذهان في المسند إليه :
هذا المسند لنخرجه من الذهن
ليكن محط أفهامنا وأذهاننا وتفكيرنا في المسند إليه الذي هو المحكوم عليه
فإذاً :
محل حديثنا عن المسند إليه وهو المحكوم عليه
مما يذكر هنا :
أن المسند إليه لابد من ذكره وجوبا إذا لم تدل قرينة على حذفه
لو قلت مثلا :
قائم
الكلام واضح أو مبهم ؟
مبهم
إذاً أين المسند إليه ؟
محذوف
وحذفه هنا غير سديد
لم ؟
لعدم وجود القرينة الدالة عليه عند حذفه
إذاً لابد أن نقول :
زيد قائم
إذا وجدت قرينة جاز حذفه
ما نريد أن نصل إليه : أن المسند إليه يذكر ويتعمد المتحدث ان يذكره مع وجود القرينة التي تدل عليه
لو حذف حذف لأغراض :
إذاً :
لماذا لم يحذف مع وجود القرينة الدالة عليه ؟
هنا أغراض :
من بين هذه الأغراض :
زيادة التوضيح :
الله جل وعلا لما ذكر في مطلع سورة البقرة صفات المتقين ماذا قال ؟
{أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
{أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ))
أين المسند إليه ؟
أولئك
ولابد أن يذكر هنا لعدم وجود القرينة
لكن في الجملة التي تليها كرر المسند إليه : {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ – ماذا – وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
سبحان الله!
يذكر مرة أخرى مع أن القرينة ظاهرة ؟
لم ؟
للتأكيد والتوضيح على فضل هؤلاء
ومن أغراض ذكره مع جواز حذفه عند القرينة :
التلذذ
لو قلت :
الله ربي وحسبي وملاذي ألا يصح؟
بلى
لكن قد تقول :
الله ربي
الله حسبي
الله ملاذي
إذاً أين المسند إليه ؟
الله
وكرر
لم ؟
تلذذا بذكره .
مثل ما قال بعض السلف :
” مساكين أهل الغفلة خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها “
قيل : وما أطيب ما فيها ؟
قال : ذكر الله والأنس به
ومن الأغراض أيضا :
الرد على المخاطب :
لو أتى نصراني وقال : الله ثالث ثلاثة
لو رددت عليه وقلت : بل واحد لاستقام المعنى
لكن إذا ذكرت المسند إليه وقلت : الله واحد هذا من باب [ تأكيد الرد على المخاطب ]
ومن الأغراض :
التعريض بقلة فهم السامع وغباوته :
لو سأل سائل غبي :
ماذا قال الشيخ ؟
فتجيبه : الشيخ قال كذا
فأين المسند إليه :الشيخ
من الأغراض :
التعظيم :
كما لو قلت سائلا :
هل حضر الأمير ؟
فتجاب :مثلا : حضر سيف الدولة
ومن الأغراض:
الإهانة :
مثل : كأن يسأل سائل : هل حضر الغبي ؟
الجواب : الغبي حضر
ومنها :
التعجب :
كأن يقال : هل يفهم زيد المسألة ؟
الجواب : زيد فهم المسألة
إذاُ : التعجب من هذا السؤال الغريب
إذاً هذه إحدى المسائل المتعلقة بالمسند إليه :
ما هي ؟
أن المسند إليه لابد من ذكره عند عدم وجود القرينة الدالة عليه وإلا كان الكلام مبهما
إذا وجدت القرينة فيحذف المسند إليه
وقد توجد القرينة ولا يحذف المسند إليه لأغراض كما ذكر
فيما ذكر المسند إليه مذكور
المسألة التي تليها هي:
مسألة حذفه عند وجود القرينة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثاله :
((فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ))
أين المسند إليه ؟
محذوف
((فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ))
وقالت أنا عجوز عقيم
فالمسند إليه ” أنا “ حذف لوجود القرينة الواضحة في السياق
ومن دواعي حذفه أيضا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخفاء الأمر عن غير المخاطب
كأن تريد أن تخبر زيدا بأمر وهو مع جماعة فتقول : أقبلْ
يعني : أقبل تريد هذا الشخص
أين المسند إليه ؟
زيد
ومن دواعي حذف المسند إليه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تخشى فوات فرصة سانحة :
كان تقول منبها زميلك الحريص على العلم :
مسألة
أين المسند إليه ؟
محذوف تقديره : هذه مسألة
مثال أوضح :
كأن تقول : للصائد : غزال
أي : هذا غزال
من واعي الحذف :
أن تفحص أو أن تختبر فهم السامع
كما لو قلت :
نوره مستفاد من الشمس
تريد أن تختبر فهم صاحبك
ما هو ؟
القمر نوره مستفاد من الشمس
كان يقول شخص لك لكي يقف على مدى فهمك : يقول : نوره مستفاد من الشمس
إن كنت فاهما تقول : القمر
وإن لم تفهم ستبقى في حيرة
ومن دواعي حذف المسند إليه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدم الرغبة في إطالة الكلام بسبب التضجر
كقول الشاعر :
قال لي كيف أنت قلت عليلٌ
سهر دائمٌ وحزن طويلُ
أين المسند إليه ؟
محذوف
تقديره : قلت : أنا ” عليل “
ومن دواعي حذف المسند إليه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محافظة الشاعر على القافية :
كقول الشاعر:
وما المال والأهلون إلا ودائعُ
ولابد يوما ان ترد الودائعُ
ولم يقل : يرد الناس الودائعَ
من دواعي الحذف :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كون هذا المسند إليه معلوما
كما لو قلت : ((عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ))
أصل الكلام : الله عالم الغيب والشهادة
ومن دواعي الحذف :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجاراة الاستعمال الوارد على الألسنة في ترك المسند إليه
مثل : أصاب ناصر في الإجابة
فقال عبد الرحيم : رمية من غير رامي
أين المسند إليه ؟
هذه رمية من غير رامي
فهنا المسند إليه حذف
لم ؟
لأنه قد جرى على الألسنة ذكر هذه العبارة محذوفة المسند إليه
ومن دواعي الحذف :
الخوف من المسند إليه أو الخوف عليه :
ضُرب زيدٌ
لم يذكر الفاعل هنا
الذي هو المسند إليه
إما خوفا منه لكونه متسلطا لو أخبرت عنه لآذاك
أو لكون هذا الفاعل ضعيفا لو علم بشأنه لخيف عليه من قتل او من ضرب
ومن دواعي الحذف : ” حذف المسند إليه “
تعيينه بالعهدية تعيين المسند إليه بالعهدية :
قال تعالى :
((وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ))
أين المسند إليه ؟
السفينة محذوفة
لأنها معهودة من السياق
هذه مسألة تتعلق بالمسند إليه
من المسائل أيضا :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن المسند إليه حقه أن يكون معرفة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أردت أن تحكم على شخص ألا يلزم ان يكون هذا الشخص معرفة
لماذا من حقه أن يكون معرفة ؟
لأن المسند إليه محكوم عليه
والمحكوم عليه يكون معلوما
إن كنتم تذكرون كلام ابن آجروم في التعريف والتنكير
وأن المعرفة أقسام ما هي ؟
الضمائر
الأعلام
والمعرف بال
والمعرف بالإضافة
اسم الإشارة
اسم الموصول
المعرفة بالضمير :
نريد ان نعرف المسند إليه بالضمير :
لماذا نعرفه بالضمير ؟
لأغراض :
ــــــــــــــــــ
منها :
أن يكون الحديث في مقام التكلم :
كقوله عليه الصلاة والسلام : (( أنا النبي لا كذب ))
أين المسند إليه ؟
أنا
ثانيا من الأغراض :
أن يكون الحديث في مقام الخطاب /:
أنت كريم
ثالثا من الأغراض :
أن يكون الحديث في مقام الغيبة :/
مثل : هو الكريم
نذهب من هذا إلى مسألة جزئية :
حينما تخاطب شخصا ماذا يلزم حتى يكو ن الخطاب خطابا صحيحا ؟
يلزم :
ان يكون الخطاب موجها لمشاهَد معين في الخطاب ان يكون موجها لمن ؟
لمن اتصف يصفتين أو في حالتين :
أن يكون مشاهدا
وأن يكو ن معينا بذاته
كما لو قلت : يا عبد الرحيم
ولناصر : أنت زميلي
لو قلتها في غيبة ناصر : لا يصح
ولو قلتها لمن تشاهد دون تعيين : لا يصح
لكن قد يخاطب غير المشاهد لقوة استحضاره في القلب
قول يونس :
((لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ ))
يخاطب من ؟
الله جل وعلا
هل هو مشاهد ؟
لا
لكن لقوة استحضار المخاطب في قلب يونس قال :
((لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))
وأيضا قد يخاطب غير المعين إن قصدت تعميم الخطاب
كقول الشاعر :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
هو لا يريد أن يخاطب شخصا بعينه
مسألة فرعية تتفرع عن الضمائر :
وهي : وضع الضمير في موضع الإظهار:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأغراض :
من بينها :
ــــــــــــــ
أن نقرر ما يذكر بعد الضمير في نفس السامع :
قوله تعالى : ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ))
فإن القصة لا تعمى الأبصار
ولكن حذف الظاهر ووضع الضمير لكي نقرر ما بعد الضمير في نفس السامع لتشوقه إليه
فإنه إذا قيل : ((فَإِنَّهَا )) سيشتاق السامع
وإذا اشتاق وعرف تمكن هذا الشيء في قلبه
فيه العكس :
ـــــــــــــــــــــــ
ما هو العكس ؟
أن يوضع الظاهر في موضع المضمر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأغراض :
ـــــــــــــــــ
من بينها :
إلقاء المهابة :
ـــــــــــــــــــــــ
كأن يقول الملك : الملك أمر بكذا
يمكن ان يقول : أمرت بكذا
فعدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر من أجل أن يشيع الهيبة والوقار في نفس السامع
ومن الأغراض :
ـــــــــــــــــــــــــــ
تمكين وتقرير المعنى في نفس المخاطب :
كقوله تعالى :
{لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }
أين الضمير الذي عدل عنه إلى الظاهر ؟
(( لكن هو الله ربي ولا أشرك به ))
لكن في هذه الآية اتى بالظاهر :
{لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }
من الأغراض :
التلذذ :
ــــــــــــ
ما يريد أن يذكر الضمائر يريد أن يتلذذ كلما مر على لسانه وعلى سمعه هذه الكلمة تلذذ بها :
كقول الشاعر :
سقى الله نجدا والسلام على نجد
ويا حبذا نجد على القرب والبعدِ
يمكن أن يقول :
سقى الله نجدا والسلام عليها ويا حبذاها
فهنا عدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر من أجل أن يتلذذ بهذا الاسم الظاهر
ومن الأغراض :
الاستعطاف :
ـــــــــــــــــ
كأن يدعو ربه فيقول : اللهم عبدك يسألك الرحمة
يمكن أن يقول : اللهم أسألك الرحمة