مختصر فقه العبادات
[ 6 ]
كتاب الطهارة
( باب الغُسْلِ )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين :
[ باب الغُسل ]
الغسل لمن به حدث أكبر .
( مُوجبات الغسل )
[ أولا : خروج المني دفقاً بلذة من مخرجه ولو دماً ، وإن كان من غير مخرجه فلا غسل ، وحكمه حكم البول ، وكذا على الصحيح لو انتقل المني ولم يخرج ، وكذا لو خرج من مخرجه من غير لذة من يقظان فهذا ودي حكمه حكم البول ، أما خروجه من النائم فيوجب الغسل ]
( الشرح )
من موجبات الغسل : ” أن يخرج المني دفقاً بلذة “
وخروجه دفقاً بلذة يعني بقذف لقوله عليه الصلاة والسلام كما في المسند :
( إذا حذفت الماء فاغتسل ) وعند أبي داود ( إذا فضخت الماء )
هذا إذا كان من يقظان .
أما النائم : فمتى ما رأى المني سواء خرج بشهوة أو بغيرها فيجب الغسل ، لقوله عليه الصلاة والسلام لأم سليم لما قالت : ( هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : نعم إذا هي رأت الماء )
فالنائم إذا رأى المني فيجب الغسل .
أما إذا لم ير فلا يجب ، ولذا لو أنه رأى أنه يجامع امرأته في منامه ثم استيقظ فلم يجد منياَ فلا شيء عليه ، ففي النوم الحكم معلق برؤية الماء ، أما في اليقظة فلا بد أن يخرج المني دفقاً بلذة .
فإن خرج من غير لذة من يقظان فهذا ما يسمى ( بالودي ) حكمه : كحكم البول ، لا يلزم فيه غسل ، ويجب أن يغسل منه الذكر حتى لو كان الخارج دما ، لأن البعض قد يكثر من الجماع فيكون في آخر ما يخرجه دماً ، لكنه بلذة فهو يأخذ حكم المني في وجوب الغسل .
وكذلك ” لو خرج المني من غير مخرجه “
لو أن شخصاً انكسر صلبه فخرج منه مني ، فهذا لا غسل عليه لأنه خرج من غير مخرجه .
وكذلك لو أنه أحس بانتقاله لكنه ما خرج فكذلك لا غسل عليه .
[ ثانيا : من موجبات الغسل : تغييب حشفة أصلية أو قدرها في فرج أو دبر أصليين ، ولو من بهيمة أو ميت أو صغير، أو زائل العقل ، وإن لم ينزل ، فلا عبرة بغير الأصلي، ولا لإيلاج بعض الحشفة ، ووجوب الغسل لمن بلغ عشر سنين أو بنت تسع ، و المدخول ذكره مثله في الحكم إلا من دون عشر سنين من الذكور ، ودون التسع سنين من الإناث ، وكذا الميت ،وإن ادخله بحائل فالصحيح الغسل ]
( الشرح )
الحشفة : هي موضع القلفة من الختان “
فإذا أدخل الحشفة ، فإن الغسل يجب ، ولو لم ينزل ، لقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين :
( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ) زاد مسلم ( وإن لم ينزل ) .
وقال عليه الصلاة والسلام :
( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )
فإذا أدخل الحشفة في دبر أوفي فرج أصليين فيجب الغسل .
فإن كانت الحشفة مقطوعة فبقدر هذه الحشفة فإن أدخل بمقدار هذه الحشفة فإنه يجب الغسل .
واختلف العلماء فيمن أدخل حشفته في بهيمة أو ميت ؟
فإن أدخلها في ميت فيجب الغسل ، وإن أدخلها في بهيمة فالذي يظهر كذلك أنه يجب، حتى لو أن المرأة أدخلت حشفة طفل صغير فيجب عليها الغسل ، أو أدخلت حشفة مجنون فيجب عليها الغسل ، أما إذا أدخلت بعض الحشفة فلا غسل .
ومتى يجب الغسل ؟
يجب إذا بلغ الذكر عشر سنين ، والمرأة تسع سنين ، ولذا لو أن ابن تسع سنين من الذكور ادخل حشفته في دبر أو فرج فلا غسل عليه ، وكذلك البنت لو أدخلت الحشفة في فرجها فلا غسل عليها لأنها لم تبلغ تسع سنين ، والذكر لم يبلغ عشر سنين .
” والمدخول ذكره مثله “
كما مثلنا / لو أن نائما أدخل ذكره أو حشفته في فرج امرأة وهي قد بلغت وهو قد بلغ فيجب عليهما الغسل .
وكذلك من جومع في دبره لو أن شخصا – نسأل الله العافية – لاط بشخص يعني فعل فيه اللواط ، فالمفعول به يجب عليه الغسل .
أو أنه أتى زوجته من دبرها وادخل الحشفة فيجب عليها الغسل مع أن هذا الفعل محرم .
لو قال قائل : لو أنه أدخل الحشفة وقد وضع كيسا يحول يبنه وبين فرجها ، هو أدخل الحشفة لكن الحشفة قد وضع عليها كيس حتى لو كان رقيقاً سواء كان رقيقاً أو غليظاً فالصحيح أنه يجب الغُسل .
[ ثالثا : من موجبات الغسل : موت المسلم حتى السقط إذا تم عليه أربعة أشهر ]
( الشرح )
إذا مات المسلم يجب أن يغسل : لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين فيمن وقصته دابته قال ( اغسلوه بماء وسدر )
وهذا الحكم شامل حتى للأجنة بشرط أن يكون هذا الجنين قد نفخت فيه الروح .
متى تنفخ فيه الروح؟
إذا مرت عليه أربعة أشهر ، بمعنى أنه أنهى الشهر الرابع ودخل في الشهر الخامس ، أما لو أن المرأة أسقطت ما في بطنها وهو في الشهر الرابع فلا يغسل هذا السقط ، ولا حكم له ، فهو بمثابة الجماد ، لكن إن أنهى الشهر الرابع ودخل في الشهر الخامس فهو إنسان قد نفخت فيه الروح فيجب أن يغسل .
[ رابعا : موجبات الغسل : ” إسلام الكافر ، ويسن في غسله السدر ، وأن يحلق شعره ]
( الشرح )
من موجبات الغسل على القول الصحيح : ” إسلام الكافر ” فإذا أسلم الكافر فيجب عليه أن يغتسل ( لأمره عليه الصلاة والسلام لقيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل ) كما عند أبي داود
ويسن أن يجعل في غسله السدر لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك .
والسنة أن يحلق شعر رأسه لقوله عليه الصلاة والسلام ( ألق عنك شعر الكفر واختتن )
فهذا الشعر نبت في الكفر فالأحسن والأفضل أن يحلقه .
[ خامسا : من موجبات الغسل : ” انقطاع دم الحيض ”
( الشرح )
من موجبات الغسل : ” انقطاع دم الحيض” فالمرأة إذا انقطع عنها دم الحيض يجب عليها أن تغتسل .
[ سادسا : من موجبات الغسل : ” انقطاع دم النفاس ، ومن هنا فإن كانت الولادة بدون دم فلا يجب الغسل ، وكذا إن وضعت مالا يتبين فيه خلق الإنسان ]
( الشرح )
من موجبات الغسل : ” انقطاع دم النفاس “
لو قال قائل : ما هو ضابط النفاس ؟
نقول ضابطه : ” أن تضع المرأة جنينا قد تبين فيه خلق الإنسان ” مثل / رأس أو يد أو رجل ، فإذا وضعت المرأة ما تبين به خلق إنسان من رأس أو يد أو رجل فهو نفاس ، فيجب عليها أن تغتسل ، و أما إذا وضعت قطعة لحم لم يتبين فيها شيء فليس بدم نفاس ولا يجب عليها الغسل وعليها أن تصلي وأن تصوم لأنها ليست نفساء .
والغالب إنه إذا كان للحمل ( تسعون يوماً ) الغالب أنه يتبن فيه خلق الإنسان ولتعلم أن ما دون ( واحد وثمانين يوماً ) لا يمكن أن يتبن فيه خلق الإنسان .
فما تبين فيه خلق الإنسان إذا وضعته المرأة فهو دم نفاس وإلا فهو دم فساد .
ولو قال قائل : لو أن المرأة وضعت جنيناً كامل الخلقة لكن من غير دم – وهذا نادر – لكن لو حصل مثل هذا ؟
فنقول : إنه لا يجب عليها الغسل لأنه لا دم هنا ولا نفاس هنا .
( مسألة )
[ يجوز للجنب المكث في المسجد بوضوء ، أما الحائض والنفساء فلا ]
( الشرح )
الجنب إذا أراد أن يبقى في المسجد يجوز له، فإن اغتسل فهذا شئ واضح ، لكن إن لم يغتسل يقال له توضأ ، لما جاء في مصنف ابن أبي شيبة ( أن الصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا جنباً وأرادوا المكث في المسجد توضؤا ) .
وأما الحائض والنفساء : فلا تقاس على الجنب كما قال أبن قدامة رحمه الله “
ولذ ا لو أن المرأة الحائض أو النفساء أرادت أن تأتي إلى المسجد لتستمع محاضرة فلا يقال لها توضئي ، لأن الوضوء لا ينفعها أما الجنب فله أن يمكث بشرط أن يتوضأ .
( مسألة )
[ السنة للجنب قبل النوم الوضوء ]
( الشرح )
للجنب أن ينام قبل أن يغتسل لكن يسن له أن يتوضأ ، لأنه عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين ( لما سُئل أينام الجنب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام نعم إذا توضأ ) وفي رواية قال :
( إذا شاء )
فدل على أن الحكم للاستحباب ، وليس للوجوب ، ومثله كما جاءت بذلك الأحاديث إذا أراد أن يأكل وهو جنب يسن له أن يتوضأ
( مسألة )
[ يستحب الغسل لمن غسل ميتا ، ولمن أفاق من جنون أو إغماء من غير احتلام وإلا وجب ]
( الشرح )
الغسل يكون مستحباً في أمور من بينها :
” إذا غسل ميتاً “
ومر معنا قوله عليه الصلاة والسلام :
( من غسل ميتاً فليغتسل )
وليس بواجب ، لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كان هذا الأمر مفعول به عندهم في حق الجميع .
ومما يستحب له الغسل ” إذا فاق الإنسان من إغماء أو غيبوبة ” لما ثبت في الصحيحين :
( أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته لما أغمي عليه فأفاق أمر أن يُحضر له ماء فاغتسل )
لكن لو أنه احتلم في غيبوبته أوفي إغمائه فالغسل هنا ليس بمستحب وإنما هو واجب.
( مسألة )
[ للجنب أن يعبر المسجد ولو بدون وضوء ]
( الشرح )
يجوز لمن كان جنباً أن يعبر عبوراً دون أن يبقى في المسجد لقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ }النساء43
فيجوز أن يعبر ولو من غير حاجة على القول الصحيح ، لأن بعض العلماء يقول :
لا يعبر إلا من له حاجة ” لكن كون الإنسان الجنب يجعل المسجد طريقاً له دائماً فهذا مما لا ينبغي وجاء عند الطبراني :
( لا تتخدوا مساجد الله طرقاً )
( مسألة )
[ صفة الغسل الكامل معروفة ولكن يراعى ما يلي : أن يروي أصول شعره بما يغلب على ظنه ، مبتدئاً بشقه الأيمن ، ويتعاهد مغابنه كالسرة مثلا ، وأن يغسل دبره ، والسنة عدم التثليث ، وعدم الوضوء بعده ، والأولى خروجاً من الخلاف أن يغسل أعضاء الوضوء مرة أخرى ، والسنة التقليل من الماء ]
( الشرح )
الثابت في الصحيحين في غسله عليه الصلاة والسلام ( أنه كان يغسل كفيه ثم يغسل فرجه ) أي الذكر والدبر ( ثم يتوضأ ، ثم يغسل رأسه مبتدئا بالشق الأيمن ، ويروي أصوله )
ويكفي في ذلك غلبة الظن دفعاً للحرج والمشقة ، ثم ( يغسل شقه الأيمن ، ثم شقه الأيسر )
لكن أثناء الغسل يتعاهد المغابن ، مثل ” الآباط ، مثل السرة ، مثل غضاريف أذنيه “
لكن لا يبالغ حتى لا يفضي به هذا الأمر إلى الوسوسة .
والسنة : ” ألا يثلث ” ليس كالوضوء ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يثلث في غسله .
وهل يغسل أعضاء الوضوء مرة أخرى ؟
بمعنى أنه لما بدأ الغسل غسل وجه ويديه وقدميه فهل إذا أكمل غسله يغسل الوجه مرة أخرى ويغسل اليدين مرة أخرى ويغسل القدمين مرة أخرى ؟
خلاف بين العلماء : والأحوط أن يعيد غسل أعضاء الوضوء لرواية البخاري :
( ثم غسل جلده كله )
والسنة : أن يقلل في الماء ” لما جاء في الصحيحين :
( كان عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )
فالسنة التقليل في الماء – وهذا الغسل الكامل إذا فعله لا يسن له بعد الغسل أن يتوضأ ، إلا إذا أحدث لما جاء عند الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
( كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يتوضأ بعد الغسل ) فالوضوء الأول كافي .
( مسألة )
[ صفة الغسل المجزئ : أن يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق ]
( الشرح )
هذه هي صفة الغسل المجزئ : وذلك أن يعمم جسمه بالماء ، فنقول يجزئ هذا الغسل لكن لا ينس أن يغسل في أول غسله الدبر والذكر وأن يتعاهد ما سبق إيضاحه من مغابنه .
والصحيح أنه يتمضمض ويستنشق خلافاً لمن أسقط المضمضة والاستنشاق في الغسل .
( مسألة )
[ لا يجب على المرأة أن تنقض شعرها إذا بلغ الماء أصول شعرها، وإلا يجب ، والصحيح أنه يجب غسل ما استرسل من شعرها ، ويستحب في غسل الحائض السدر وأن تطيب فرجها ]
( الشرح )
المرأة إذا بلغ الماء أصول شعرها فيكفي ولو لم تنقضه وإلا فيجب -والمسألة خلافية بين العلماء – هل يجب أن تنقضه في غسل الجنابة، وفي غسل الحيض ؟
ولكن عليها أن توصل الماء إلى أصول شعرها ، فإذا حصل هذا فلا تلزم بنقض شعرها
وما استرسل من الشعر يجب غسله ، لما جاء عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام :
( اغمزي قرونك )
ويستحب للحائض : ” أن تضع مع الماء سدراً “لأمره عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم لأمره أسماء وعائشة بذلك ، والسنة أن تطيب فرجها حتى تزول رائحة الدم لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك .
( مسألة )
[ لا يجب الدلك إنما يستحب ]
( الشرح)
لا يجب أن يدلك أعضاءه أثناء الغسل ، لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث أم سلمة ( إنما يكفيك أن تفيضي عليك الماء ) والإفاضة لا يلزم منها الدلك ،فالإفاضة هي السيلان ، لكن الدلك مسنون لقوله عز وجل :
{ وإن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } بصيغة التشديد.
( مسألة )
[ السنة في الغُسل الموالاة ]
( الشرح )
السنة في الغسل : ” الموالاة ” مر معنا الموالاة على القول الراجح في الوضوء فرض ، أما في الغسل فسنة ، ولذا لو أنه غسل نصف جسمه ثم بعد ساعة غسل النصف الأخر فغسله صحيح ، فلا تشترط الموالاة في الغسل.
( مسألة )
[ لو نوى بغسله الحدثين أو ما لا يباح إلا بالوضوء كالصلاة ارتفع الحدثان ، وإن نوى ما يباح للغسل فقط لم يرتفع إلا الأكبر ]
( الشرح )
إذا أتى الإنسان ليغتسل وهو جنب بنية أن يرتفع الحدث الأصغر والأكبر فيرتفع الحدثان ، والمراد من الغسل هنا ” الغسل المجزئ ” بمعنى لو أن إنساناً أتى وعمم جسمه بالماء وهو يريد أن يرتفع عنه الحدث الأصغر والأكبر فيرتفع عنه الحدثان ، وله أن يصلي وله أن يقرأ القرآن ، وله أن يمس المصحف ، وهكذا سائر العبادات .
كذلك لو أتى لا ليرفع الحدث وإنما نيته بهذا الغسل أن يصلي ، هو جنب فأراد أن يغتسل ليصلي فغُسله يجيز له أن يصلي ، وأن يفعل ما شاء من العبادات .
وأما إذا جاء لأمر يخص الغسل فقط مثل اغتسل وأراد بغسله أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب فهنا لا يرتفع إلا الأكبر .
وإن نوى رفع الأكبر فقط هل يرتفع معه الحدث الأصغر ؟
قولان ، ويرى شيخ الإسلام رحمه الله ارتفاع الحدث الأصغر مع الحدث الأكبر لقوله تعالى :
{ وإن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ }
فأمر بالتطهر ، وهذا شامل للحدثين .
( مسألة )
[ الغسل الذي يكفي عن الوضوء هو غسل الجنابة ، أما الاغتسال المستحبة فلا ، لأنها ليست عن حدث ]
( الشرح )
إذا عمم بدنه بالماء ، فإن له أن يصلي بهذا الغسل – هذا إذا كان جنبا – أما إذا كان الغسل مستحبا وعمم جسمه بالماء فلا ينفع أن يصلي .
مثال ذلك / لو أن إنساناً اغتسل ليوم الجمعة ، عمم جسمه بالماء – وهذا يخطئ فيه كثير من الناس – يصب على جسمه الماء ثم يأتي ويصلي فصلاته غير صحيحة ، وذلك لأن هذا الغسل ليس عن حدث .
ومن باب أولى / إذا كان هذا الغسل للتنظف ، فبعض الناس يظن أنه إذا أسكب الماء على جسمه للتنظف أو للتبرد أنه يصلي بهذا الغسل وهذا ليس بصحيح .
فلا يكون الغسل كافياً عن الوضوء إلا إذا كان هذا الغسل عن حدث .
( مسألة )
[ السنة لمن أراد الجماع مرة أخرى أن يتوضأ، وإن اغتسل فهو أطيب ]
( الشرح)
السنة لمن أراد الجماع مرة أخرى : ” أن يتوضأ “يعني يجعل بين الجماعيين وضوءا ( لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك )
كما في صحيح مسلم ، وإن اغتسل بين الجماعيين فهو أحسن لفعله عليه الصلاة والسلام ( فقد دار ذات ليلة على نسائه كلهن ، فكان يغتسل بين كل جماع ، ولما سئل عليه الصلاة والسلام ؟ قال هذا أزكى وأطيب ).
( الاغسال المستحبة )
[ الأول من الأغسال المستحبة ” الغسل لصلاة الجمعة لمن حضرها ” ]
( الشرح )
” غسل يوم الجمعة ” مختلف فيه هل هو واجب أم سنة ؟
الراجح أنه سنة ، لأحاديث من بينها قوله عليه الصلاة والسلام : ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل )
وبعض العلماء يوجبه .
ويكون هذا الاغتسال لمن حضرها لقوله عليه الصلاة والسلام ( من أتى الجمعة فليغتسل ) فالنساء لا يسن لهن أن يغتسلن ، وذلك لأنهن لا يحضرن لصلاة الجمعة .
لكن لو أن المرأة أرادت أن تحضر فيسن لها ، وكذلك المريض الذي لا يستطيع الحضور لا يسن له أن يغتسل فالسنة في غسل يوم الجمعة إنما يكون لمن حضرها.
[ ثانيا: من الأغسال المستحبة : ” غسل الميت ” ]
( الشرح )
لما مر قوله عليه الصلاة والسلام ( من غسل ميتاً فليغتسل )
[ ثالثا : من الأغسال المستحبة : ” غسله لصلاة العيد ” ]
( الشرح )
لما ورد من حديثين ضعيفين يقويهما آثار عن الصحابة.
[ رابعا : من الأغسال المستحبة : ” الغسل لمن أفاق من جنون أو إغماء” )
( الشرح )
لفعله عليه الصلاة والسلام كما مر معنا في مرض موته.
[ خامسا: من الأغسال المستحبة :” الغسل للمستحاضة عند دخول كل وقت ” )
( الشرح)
المستحاضة يسيل معها الدم باستمرار ، وقلنا إنها تتوضأ عند دخول الوقت ، لكنها لو اغتسلت فهو أحسن لفعل بعض الصحابيات اللواتي كن يستحضن.
[ سادسا: من الأغسال المستحبة :” الغُسل عند الإحرام ” )
( الشرح )
لفعله عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي .
[ سابعا: من الأغسال المستحبة : ” عند دخول مكة ” )
( الشرح )
لفعله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين فمن أراد أن يدخل مكة ولم يرد لا حجا ولا عمرة فالسنة له أن يغتسل .
( مسألة )
[ من لزمه الغسل حرم عليه الصلاة، والطواف ، ومس المصحف ، وكذا على الصحيح قراءة القرآن ، إلا أن كانت الآية دعاء وبقصد الدعاء وله أن يتفكر فيه ]
( الشرح)
من لزمه الغسل يحرم عليه أن يصلي ، فإن صلى كما مر معنا فأبو حنيفة رحمه الله يرى كفره ، وكذلك يحرم عليه الطواف لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها لما حاضت:
( لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )
ومس المصحف : مر معنا قول علي رضي الله عنه ( كان لا يحجزه عليه الصلاة والسلام شيء عن القرآن إلا الجنابة )
ومثله على الصحيح : ” قراءة القرآن عن ظهر قلب ”
إلا إذا كانت الآية دعا مثل :
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }آل عمران8.
فللجنب أن يدعو بها بقصد الدعاء ، فإن قصد التلاوة حرم عليه ، لكن إن قصد بهذه الآيات المتضمنة الدعاء وأراد الدعاء فيجوز له.
وهل يمنع من التفكر فيه ؟
لا يمنع ، لأن التفكر والتأمل في الآية من غير أن يحرك شفتيه ولسانه ليست بقراءة .
ولذلك لو أن الإنسان الجنب جلس صامتا ويستذكر بقلبه الآيات فلا جناح عليه.
( مسألة )
[ الصحيح انه إذا رجي إسلام الكافر لم يمنع من قراءة القرآن ]
( الشرح )
الكافر إذا رجي إسلامه ،ظهرت لنا علامات ودلائل على أن هذا الكافر يرغب في الإسلام فلا مانع أن يمكن من قراءة القرآن رجاء إسلامه .
وبعض العلماء يحرم ذلك ، لكن الذي يظهر الجواز ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( أرسل إلى هرقل كتابا وضمنه بعض الآيات )
( مسألة )
[ الإسباغ هو تعميم العضو بالماء بحيث يسيل أما المسح فلا ]
( الشرح )
النبي عليه الصلاة والسلام أمر ( بإسباغ الوضوء )
والإسباغ : هو أن يسيل الماء ” أما ابتلال العضو فلا يعد غسلا له ، فلو أن إنسانا أخذ ثلجاً ودلكه على يده ولم يحصل سيلان ، فليس هذا بغسل فلابد أن يكون هناك سيلان للماء .
( مسألة )
[ إن استيقظ ولا يدري أهذا مني أو مذي ؟ فيعمل بالقرائن ، فإن لم تكن هناك قرائن فالأحوط أن يغتسل ]
( الشرح )
إنسان استيقظ من نومه فوجد بللاً ، ما يدري هل هو مني يوجب الغسل ؟ أم هو مذي لا يوجب الغسل ؟
فنقول له : إن كانت هناك قرائن فاعمل بها ، فلو أنك رأيت في منامك جماعا “فنقول هذا مني .
وإن كنت قبل النوم فكرت في بالجماع فهذه قرينة على أنه مذي .
لكن إن لم تكن هناك قرينة ؟
فقد اختلف العلماء ، قال بعض العلماء : يجب عليه الغسل .
وقال بعض العلماء : لا يجب .
والصحيح أنه يجب ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ( سُئل عن البلل يراه النائم ؟ فأمره أن يغتسل ) .
( مسألة )
[ يجوز دخول الحمام مع أمن الوقوع في المحرم ، ولا يجوز للمرأة إلا عند الضرورة ]
( الشرح )
الحمام المراد منه ” ما كان في العصر القديم وهي الحمامات التي ينزل إليها وتنبعث منها حرارة لتصفية الجسم أو لاستخدام الماء الحار في شدة البرودة “
فهذه الحمامات يكثر فيها كشف العورات ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( اتقوا بيتاً يقال له الحمام ، قالوا يا رسول الله إنه ينفع وينقي ، فقال عليه الصلاة والسلام فمن دخله فليستتر ) .
فإذا أراد الرجل أن يدخل الحمام فيجب عليه أن يستر عورته ، وألا ينظر إلى عورات غيره .
وأما المرأة : فلا يجوز لها الدخول إلا إذا اضطرت، لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود ( أيما امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ما بينها وبين الله من ستر )