( فقه المعاملات )
(35)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب النكاح )
[ 6 ]
( باب عشرة النساء – باب حقوق الزوج )
( باب عشرة النساء )
ينبغي للزوج أن يمسك الزوجة مع كراهته لها . ويحرم مماطلة أحدهما بحق الآخر .
الشرح :
النبي r قال : ( خيركم خيركم لأهله )
وقال : ( استوصوا بالنساء خيراً )
وإذا كره الزوجُ زوجَتَه فالأفضل أن يبقيها عنده لعل الله عز وجل أن يحدث بعد ذلك أمراً . قال تعالى :
{ فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً }
ولا يجوز للزوجين أن يماطل أحدهما بحق الآخر ، فإن لكل واحدٍ منهما من الحقوق ما ليس للآخر ، فيجب عليه أن يقوم به .
مسألة :
إذا تم العقد لزِم تسليم من يوطئ مثلها إذا طُلب . ولا يلزم ابتداءً ولو قال : لا أطأ في تسليم المحرمة والمريضة والحائض ، ويلزم إمهالها لتصلح من شأنها .
الشرح :
إذا حصل العقد . قال : زوّجتكَ . فقال : قبلتُ . وتم العقد
فإنه يلزم الوليّ أن يسلّم موليته إن كان يوطأ مثلها وهي بنت تسع سنين فأكثر إذا طلب الزوج .
أما إذا لم يطلب فلا يلزم ابتداءً تسليمها . وإن كانت محرمة أو كانت حائضاً أو كانت مريضة أو كانت صغيرة لا يوطأ مثلها .
وقال : سلموها إليَّ . وأعدكم بأن لا أطأ ، فإنه لا يلزم الوليّ بذلك .
وإذا عقد عليها فإنه يلزمه أن يعطيها مهلة لكي تصلح من شأنها . وليس المراد أن يجهزها . ففرق بين تجهيزها وبين إصلاح نفسها وأما إمهالها لتجهيز نفسها في كل شيء فهذا مسنون .
مسألة :
له أن يسافر بها سفراً مباحاً .
الشرح :
له أن يسافر بها سفراً مباحاً لأنها تابعة للزوج . أما إن كان سفر معصية ٍ كأن يسافر بها لدول الكفر للفرجة والنزهة فهذا محرم ، فليس له حقٌ في ذلك ، وعلى أوليائها أن يمنعوها من الذهاب معه .
مسألة :
قال شيخ الإسلام رحمه الله : من يطأها في دبرها يعزّر إن طاوعته فُرّق بينهما
الشرح :
لو أن الزوج وطئ امرأته في دبرها فهذا محرم ويُعزَّر تعزيراً يزجره . فإن داوم على ذلك وطاوعته على هذا الفعل فقد انتفى المقصود من النكاح ، ومن ثمّ يُفرّق بينهما . أما ظن البعضِ من أنه إذا وطئ زوجته في دبرها أنها تحرم عليه فهذا ظنٌّ خاطئٌ ، لكنه آثم .
مسألة :
يحرم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها وله أن يجامعها ما لم يشغلها عن فرض أو تتضر ، فإن تنازعا فالحاكم يفرض لهما عدداً .
الشرح :
له أن يعزل لقول جابر رضي الله عنه : (كنا نعزل والقرآن ينزل ). لكن يشترط إن كانت حرةً أن تأذن . لمَ ؟
لأن لها حقاُ في الاستمتاع والجماع . وإما إن كانت أمةً في بدَّ أن يستأذن سيدَها ، لأن لسيدها حقاً في الولد . فأولاد الأمةِ يكونون إماءً لسيدها .
وإن كان به شبقٌ أو به شدة رغبة ٍ فإنه يطؤها جماعٍ ما لم يشغلها عن فريضة وما لم يحصل لها ضررٌ ، إن حصل ضررٌ وحصل نزاعٌ فالحاكم يفرض لهما عدداً ،
لأن البعض قد يصل جماعه في اليوم إلى عشر مراتٍ أو أكثرَ فلا بد أن يَفرِض لهما الحاكم عدداً .
مسألة :
يجبرها على طاعة الله ، وعلى إزالة ما تعافه نفسه من الشعور ونحوها .
والصحيح : أنه يجب أن تخدمه من مثلها لمثله .
الشرح :
يلزمها ويجبرها على طاعة الله عز وجل لقوله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً } وكذلك يلزمها بأن تزيل ما تعافه نفسه من الشعور والأظفار .
والصحيح : أنه يجب أن تخدمه من مثلها لمثله ، وذلك لأن بعض فقهاء الحنابلة يرون : أنه لا يلزمها أن تخدمه ،
لأن العقد الذي جرى بينهما عقدٌ على البضع . يعني : على الفرج و الجماع .
ولذلك لو أنها مرِضت فإنه لا يلزمه أن يعالجها . وكذلك لو طَلَب منها أن تُعِدّ طعاماً فلا يلزمها . ولكن قال شيخ الإسلام رحمه الله : هذا خلاف ما جرى عليه فعل النبي r . والصحابيات في عهده وعهد الصاحبة رضي الله عنهم ، فيلزمها أن تخدمه من مثلها لمثله .
وهذا يختلف فالقروية التي تعيش في القرى ليست خدمتها كخدمة البدوية لزوجها ، لكلٍ منهما خدمة ٌ تناسب وتلائم العرف . فما يلزم البدوية لا يلزم القروية وذلك ، لأن البادية قد يحتاج الرجل فيها إلى أعمالٍ أكثرَ فلا تُلزم القروية بمثل ما على البدوية .
مسألة :
الصحيح أنه يجب وطؤها قدرَ كفايتها ما لم يتضرر أو يشغله عن طلب معيشة
الشرح :
هذا خلاف للمذهب القائلين : بأنه الواجب عليه أن يطأها في السنة ثلاث مراتٍ . ففي كل أربعة أشهرٍ مرةٌ واحدة ، ولا يلزمه أكثرَ من ذلك .
ولكن الصحيح كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : يجب أن يطأها بقدر ما تحتاج إليه ، لأن المراد من الزواج الإعفاف ما لم يتضرر في بدنه أو يتضرر في طلب معيشته
مسألة :
يحرم على كلٍ منهما أن يُفشِي أمور الاستمتاع .
الشرح :
قال النبي r كما في مسلم :
( شرُّ الناس منزلةً عند الله . الرجل يفضي إلى المرأة ، والمرأة تفضي إلى الرجل ، ثم يفشي سرَّها) . وقال : (إنما مثل ذلك كمثل شيطانٍ لقي شيطانةً في الطريق فواقعها ) .
مسألة :
يكره مباشرتها وتقبيلها عند الناس .
الشرح :
يكره للزوج أن يُقبِّل زوجَته بمحضر أناسٍ ، حتى ولو كانوا من محارمه ، أو أن يباشرها .
مسألة :
إن سافر فوق نصف سنة لزمه الرجوع إن طلَبَت ، إلا إن كان مسافراً بحجٍ واجبٍ أو غزوٍ واجبٍ أو لا يقدر على الرجوع لعذرٍ .
الشرح :
لو أنّ الزوجَ سافرَ وطلَبَتِ الزوجة أن يعود لزمه الرجوع إن كان السفرُ أكثر من نصف سنةٍ ، لأن ما زاد على النصف هو الأكثر . فيلزمه الرجوع إلا إن كان في شيءٍ واجبٍ كالحج أو غزوٍ . أو كان رجوعه يترتب عليه ضرر . فإنه لا يلزمه الرجوع .
مسألة :
يجوز أن يجمع بينهما في مسكنٍ واحدٍ ، وفي لحافٍ واحدٍ برضاهنّ .
الشرح :
إذا رضين بأن يجتمعن في فراشٍ واحدٍ ، أو في مسكنٍ واحدٍ فلهما ذلك ، لكن الأصل : أن لكل واحدةٍ مسكناً .
مسألة :
له أن يمنعها من الخروج لغير ضرورة أو حاجة ، ولا تخرج بغير إذنه حتى ولو لزيارة أو عيادة والديها . ولا يمنعهما من زيارة ابنتهم إلا إن خاف ضرراً .
الشرح :
لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها . إلا إن كانت هناك حاجة أو ضرورة تستدعي هذا الخروج . ولو منعها من أن تأتي والديها فيجب عليها أن تلتزم ، حتى ولو كان أبواها مريضين . لكن في المقابل : لا يجوز له أن يمنع والديها من زيارتهما لها . إلا إن خاف ضرراً . لأن الإنسان – عافانا الله وإياكم – قد يبتلى بأهل زوجة خُبَثَاءَ . فيخشى عليها من أن يُلَوِّثوا أفكارها وأن يفسدوها عليه . فله أن يمنع زيارتها لهم . وزيارتهم لها .
مسألة :
له أن يمنعها من الوظيفة إلا إن كان هناك شرط . وكذا إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورة .
الشرح :
له أن يمنعها من الوظيفة إلا إن كان هناك شرطٌ لقوله r : ( إن أحقَّ ما وَفَيْتُم به من الشروط ما استحللتم به الفروج )
ولذا قال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب – t- كما عند البخاري :
( إذاً يُطَلِّقْنَنَا ) قال عمر : ( مقاطع الحقوق عند الشروط ) .
وكذلك له أن يمنعها من إرضاع ولدها من غيره . كأن يكون لها ولدٌ رضيعٌ يحتاج إلى لبنها . فإن له أن يمنعها من إرضاعه إلا إذا كانت هناك ضرورة ، وذلك : أن لا يقبل الرضيعُ غير ثدي أمِّهِ . فيجب والحالة هذه أن يُنْقِذَ هذا الرضيعَ . وليس له الحقُّ في منعِهَا .
مسألة :
لا يلزمها طاعة أبويها في فراقه .
الشرح :
لو أنَّ أمَّهَا أو أباها طلبا منها أن تفارق زوجها فلا طاعة لهما ، ولذا النبي r لما سألته امرأة عن حق زوجها . قال : ( هو جنَّتُكِ أو نارُكِ ) .
باب القسم بين الزوجات :
القسم بين الزوجات …. واجبٌ وعماده الليل ، إلا لمن عمله فيه . ويقسم لحائضٍ ونفساءَ ومريضةٍ . وابتداؤه حسب العادة ، ويقضي لمن فات عليها يومها ،
ويحرم الدخول على إحداهنَّ في ليلة الأخرى إلا في ضرورة أو لحاجةٍ بالنهار . فإن مكثَ أو جامعَ قضى . ويحرم تطليقها في نوبتها فإن عادت قضى .
الشرح :
هذا هو القسم بين الزوجات . إذا كان للإنسان أكثر من زوجةٍ فإنه يقسم بينهُنَّ ويكون القسم بالليل . إلا إن كان عمله بالليل . فإن القسم يكون في حقه بالنهار
ويَقْسِمُ لحائض ونفساء ولمريضة ٍ . لأنَّ المقصود من المبيت هو إدخال السرور و الأنس إلى الزوجة وليس المراد الوطء .
وابتداؤه حسب العرف والعادة . هل يبتدئ من الساعة الفلانية أو الساعة الفلانية من الليل أو النهار ؟ يجعل لهذه ليلتين ولهذه ليلتين و الأخرى ليلتين ؟ أو ليلةً ليلة ؟
على حسب ما جرى به العرف أو على حسب ما يتفقون عليه .
ومن فات يومها لموجب حصل له فإنه يقضي لها هذا اليوم . فإنه حقٌ لا يسقطُ إلا بإسقاطها له . ويحرم أن يدخل على إحداهنَّ في غير يومها . سواءٌ كان بالليل أو بالنهار ،
لكن يجوز في النهار لحاجة . ويجوز في الليل لضرورةٍ .
فلو دخل عليها ومكث أو جامع فإنه إذا جاء ليلة من جامعها في غير نوبتها فإنه يذهب إلى من بُخِسَت في المرة الأولى ، ويقضي لها بقدر ما فاتها .
ولا يجوز له أن يطلِّقَها في نوبتها ، فإذا انتهت نوبتها فله أن يُطَلِّقَهَا ، فإن طلَّقَها في نوبتها ثم عادت إليه – لأن المطلقة الرجعية زوجة – فإنه يقضي لها .
مسألة :
القَسْمُ ليس بواجبٍ في حق النبي r .
الشرح :
القَسْمُ عليه r ليس بواجبٍ على القول الصحيح ، لقوله تعالى :
{ ترجي من تشاء منهُنَّ وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } .
مسألة :
يجب أن يعطي كل واحدةٍ قدر حاجتها في النفقة ، وهل تجوز الزيادة على قدر الحاجة ؟ قولان ، واختار الوجوب شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح :
يجب أن يعطي كل واحدةٍ من النفقة قدر ما تحتاج إليه ، لكن ما زاد عن ذلك . فهل له أن يُفَضِّلَ إحداهُنَّ على الأخرى ؟
قال بعض العلماء :
له أن يُفَضِّل بما أنه أعطى كل واحدةٍ ما تحتاج إليه له أن يُفَضِّلَ بعد الحاجة . ولكن يرى شيخ الإسلام رحمه الله: أنه يجب العدل بين الزوجات في النفقة .