( فقه المعاملات )
(62)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب القضاء )
( 1 )
[ باب آداب القاضي – باب طريق الحكم وصفته ]
مسألة :
هو قربة وهو فرض كفاية ويجب إذا لم يوجد غيره .
الشرح :
كتاب القضاء وهو آخر كتاب يذكره فقهاء الحنابلة في الفقه وهو قربة لمن نوى ذلك وهو فرض كفاية لا بد أن يكون هناك قضاةٌ للناس
فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وقد فعله عليه الصلاة والسلام
ويجب على المسلم أن يقبله إذا لم يوجد غيره إذا لم يوجد كفؤٌ ،
فيجب أن يقبله ، بل له أن يطلبه كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام :
{ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم }
وأما إذا كان هنا من يسد مكانه
فإن الأولى له أن يبتعد ولذا قال r :
( من وَلِيَ القضاء فقد ذُبِحَ بغير سكينٍ ) كما عند ابن ماجة . والأحاديث في الوعيد الشديد على القضاة الذين يحكمون بغير علمٍ أو يحكمون بعلمٍ لكنه بجَوْرٍ.
مسألة :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تجب الإمارة في السفر
الشرح :
لقوله r كما عند أبي داوُد :
( إذا كانوا ثلاثة في سفرٍ فليُأمِّرُوا أحدَهم )
فلا بد أن يُأمِّروا بالسفر وهذا واجب فلا يجوز أن تخرج الجماعة من ثلاثة فأكثر ولا يُأمِّروا أحدًا وإذا أمَّروه يجب عليهم أن يُطيعوه في منشطهم ومكرههم وعسرهم ويسرهم ، ليس أميرًا صوريًا إلا إن أمر بغير معروف فلا طاعة بغير المعروف .
مسألة :
يجب تعيين القضاة .
الشرح :
كما كان يصنع رسول الله r .
مسألة :
يجب أن يكون عدلاً .
الشرح :
يجب أن يكون عدلاً . قال النبيr : ( القضاة ثلاثة : اثنان في النار ، وَ واحدٌ في الجنة )
مسألة :
لا يلزمه ما يعجز عنه .
الشرح :
ما يعجز عنه القضاء لا يلزمه . قال تعالى :
{ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ) .
مسألة :
صلاحيته ترجع إلى العُرْف .
الشرح : ترجع إلى عرف الناس أو ما يخططه أو يأمر به ولي أمر المسلمين .
مسألة :
يجوز تبعيض القضاء كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
الشرح : يجوز التبعيض وهو موجودٌ عندنا الآن أناسٌ في المواريث وأناسٌ في الدماء فيجوز
مسألة :
قال شيخ الإسلام رحمه الله يشترط في القاضي شروط حسب الإمكان أن يكون مكلفًا ذكرًا حُرًّا
الشرح :
أن يكون مكلفًا فالمجنون والصبي لا يصح منهما قضاء وأن يكون ذَكَرًا ، لأن النبيr قال كما عند البخاري : ( لا يفلح قومٌ ولَّوْا أمرَهُم امْرَأة ) .
مسألة :
يكون حُرًّا مسلمًا عدْلاً .
الشرح :
لا بد أن يكون حرًا ( يُخْرِجُ ) العبدَ ، لأنه مشغول بمصالح سيده ، وأن يكون مسلمًا لأن الكافر ليس بعدلٍ وكذلك لا بد أن يكون عدلاً فإن الفاسق ليس أهلاً لأنْ الفاسق لا يقبل خبره فكيف بقضائه.
مسألة :
وأن يكون سميعًا متكلِّمًا ولو مجتهدًا ولو مقلّدًا لمذهبه .
الشرح :
وأن يكون سميعًا حتى يسمع الدعوى والخصومة وأن يكون متكلمًا حتى يفصح عما حكم به وقضى به وأن يكون مجتهدًا ولو في مذهبه لا يلزم أن يكون مطلعًا على المذاهب فإن كان مذهبه في المالكية أو الشافعية فلا بد أن يكون مجتهدًا فيهما . لِمَ ؟
لأن المذهب يكون فيه خلاف في رواياته وفي أقوال إمامه ، فلا بد أن يكون مجتهدًا فيه .
مسألة :
وقال شيخ الإسلام رحمه الله يولى الأنفع من الفاسقين والأعدل من المقلدين .
الشرح :
يُولَّى الأنفع من الفاسقين أحيانًا تكون البلاد خالية من العدول الذين نص العلماء عليهم ، فيُولَّى . يقول شيخ الإسلام رحمه الله : يُوَلَّى أعدل الفاسقين حتى لا يترك هذا الواجب ، كذلك يولَّى أعدل المقلِّدين .
مسألة :
قال ابن القيم رحمه الله :
المجتهد هو العالم بالكتاب والسنة ولا ينافي اجتهاده أن يُقلِّد غيره أحيانًا .
الشرح :
فرقٌ بين المجتهد والمقلد ،
فالمجتهد:
الذي يبني أحكامَه على الأدلة الشرعية .
وأما المقلِّد:
فهو الذي يأخذ آراء العلماء فقط من حيث هي من غير أن ينظر إلى الأدلة .
والتقليد لا يمكن أن يسلم منه أحدٌ لأن الله عز وجل ما أعطى البشر من العلم إلا قليلاً ولذا قد يحتاج كما قال ابن القيم رحمه الله : قد يحتاج المجتهد العالم بالكتاب والسنة إلى أن يُقلِّد من سبقه من العلماء .
مسألة :
ينبغي أن يكون قويًّا من غير عُنْفٍ ، وليِّنًا من غير ضعفٍ . ذا أناةٍ وفطنةٍ ، عفيفًا عالمًا بأحكام من قبله من القضاة , ومجلسه في وسط البلد .
الشرح :
ينبغي أن يكون القاضي قويًّا من غير عُنْفٍ وذلك حتى لا يطمع فيه الظالم .
ليِّنًا من غير ضعفٍ وذلك حتى لا يهابه صاحب الحق وأن يكون ذا أناةٍ وحِلْمٍ وفِطْنَةٍ .
ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله :
( العلم زين ، وزينة العِلم الحِلم )
وأن يكون عفيفًا لأن غير المتعفِّفِ قد يقع فيما حرم الله عز وجل من أخذ أموال الناس
( وأن يكون عالمًا بأحكام من قبله من القضاة ،
فالإنسان يستفيد ممن سبقه ، فهو ضعيفٌ إذا حصر علمه واجتهد مع نفسه ،
فلا بد أن يكتسب من القضاة السابقين . وأن يكون مجلسه في وسط البلد حتى يتسنَّى للجميع أن يصل إليه بِيُسْرٍ وسهولةٍ .
مسألة :
لا بأس بالقضاء في المسجد .
الشرح :
لا بأس أن يُقضى في المسجد ، ولذا النبيr لما طالب كعب بن مالك t ابن أبى حدرد بدين له عليه وارتفعت أصواتهما في المسجد . قال النبيr : ( ضع عنه يا كعب ) فوضع عنه الشطر ، فأمر النبيُّr ابن أبى حدرد أن يقوم فيقضيَ له دينه .
مسألة :
يجب أن يعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه ودخولهما عليه ولا يتنكر لهما .
الشرح :
يجب أن يعدل بين الخصمين في لَحْظِهِ ، يعني في حركاته وفي لفظه يعني في ألفاظه . فلا يتحرك بحركةٍ أو يفعل فعلاً يميل به إلى أحدهما وألا يتلفَّظ بلفظٍ يميل به إلى أحدهما كأن يرحب بأحدهما دون الآخر
وأن يكون عادلاً في مجلسه بحيث يُجْلِسُهُما أمامه وفي مكانٍ واحدٍ
فلا يجعل أحدهما في مكان أبرز من الآخر وفي دخولهما عليه ولا يتنكَّر لهما ، وذلك حتى يَعْرِضا ما لديهما من خصومة .
مسألة :
يحرم أن يعلمه كيف يدَّعي إلا أن يترك ما يلزمه في الدعوى .
الشرح :
يحرُمُ على القاضي أن يُعَلِّمَ المدَّعي كيف يدَّعي اللهم إلا إذا كان المُدَّعي عاجزًا عن معرفة طريقة الدعوى ، فله أن يبيّن له كيف يدَّعي في حدودٍ ضيِّقَةٍ دون أن يكون في ذلك ظُلمٌ على خصمه .
مسألة :
يحرم القضاء وهو غضبانٌ غضبًا شديدًا ويُقاس عليه كل ما يُشوِّشُ الفِكرَ ، فإن خالف صحَّ إن أصاب الحق
الشرح :
يحرم عليه أن يحكم وهو غضبانٌ لقوله r :
( لا يقضِ القاضي بين اثنين وهو غضبانٌ )
وذلك لأنَّ الغضب الشديد يشوِّشُ على ذهن القاضي فلا يتمكن معه من أن يستحضر الحكم الصحيح ، وكذلك يُقاس عليه كلُّ ما يشوِّش العقل من جوعٍ مُفْرِطٍ أو من نعاسٍ مزعجٍ أو من بردٍ مؤلمٍ ،
فكلُّ ما يُشغل الذهن لا يجوز للقاضي في مثل هذه الحال أن يحكم فيها . وأما إذا كان الغضب يسيرًا فقد حكم النبيr في أمرٍ قد غضب فيه غضبًا يسيرًا وذلك أنه r قال للزبير :
( اسقِ يا زبير ثم أرسل الماء إلى من تحتك )
فقال مَنْ تحته : أن كان ابن عمتك – لأنه ابن عمة النبيr – فغضب النبيr فقال :
( اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر ثم أرسل الماء ) فحكم النبيr في هذه الحال .
ولو أنه غضب غضبًا شديدًا فأصاب الحقَّ قُبِلَ ، لكن إن لم يُصِب الحق فلا يُقبل .
مسألة :
يحرم أن يحكم بالجهل فإن خالف لم يصح ولو أصاب .
الشرح :
فإذا حكم القاضي وهو جاهلٌ فأصاب في الحكم فإنه لا يُنَفّذ هذا الحكم . لِمَ ؟
حتى لا يكون مدعاةً إلى أن يتجرأ على الحكم من غير علمٍ .
مسألة :
يحرم عليه قبول هديةٍ إلا إن جرت العادة قبل ولايته ما لم تكن له قضية .
الشرح :
يحرم عليه أن يقبل الهدية وذلك لأن الهدية كما قال بعض السلف ( تفقأ عين القاضي ) . فإذا أهدِيَ إله هدية فإنه سيميل إلى من أهدى إليه ، وقد جُبِلت القلوب على حُبِّ من أحسن إليها ،
ولذا قال r :
( هدايا العُمَّال غُلول )
يعني لا يجوز لرئيسٍ أن يقبل من عامله هدية .
لِمَ ؟
لأنه سيحابيه على حساب العمل إلا إن جرت عادة سابقة كأن يكون هذا الرجل يُهدى له فيجوز أن يقبلها بشرط أن لا يكون هذا المُهدي الذي جرت عادته أن يُهدي إلى هذا الرجل بشرط أن لا تكون له قضية عند هذا القاضي فلا يجوز أن يقبلها .
مسألة :
يكره أن يتعاطى البيعَ والشراءَ إلا بوكيل .
الشرح :
يُكره وذلك لأنه إذا تعاطى البيعَ والشراءَ فإنه سيحابى وإذا حُوبِيَ ربما يميل إلى من حاباه ، فيؤمر بأن يجعل له وكيلاً يبيع ويشتري له .
مسألة :
لا يحكم لنفسه ولا لمن لا تُقبل شهادتهم له ولا على عدوِّهِ .
الشرح :
فالقاضي إذا كانت له خصومة مع شخص فلا يحكم لنفسه ، لأنه لن يحابي على حساب نفسه أو لن يحكم ضد نفسه
وكذلك لمن لا تُقبل شهادتهم له مثل الوالدين والأبناء والزوجة ،
فلا يجوز أن يحكم في قضيةٍ أحد طرفيها ممن لا تقبل شهادتهم له
وكذلك إذا كان صاحب القضية أو أحد الخصمين عدوًا للقاضي فلا يجوز أن يحكم فيها بل يحيلها إلى قاضٍ آخر .
مسألة :
يستحب أن يقدم القضايا المستعجلة كقضايا المساجين والقُصَّر .
الشرح :
يستحب له أن يُقدِّمَ الأولويات التي تحتاج إلى تنفيذٍ في حكم عاجلٍ مثل قضايا المساجين والقُصَّر من اليتامى ونحوهم .
مسألة :
لا يُنْقَضُ حكمه إلا إن خالف نصًا أو إجماعًا قطعيًّا .
الشرح :
إذا حكم القاضي فإنَّ حكمه ثابتٌ ولا ينقض حكمه من قاضٍ آخر إلا إذا كان هذا القاضي قد خالف نصًا أو خالف إجماعًا قطعيًّا أجمع عليه علماء الأمة .
مسألة :
إن أقرَّ المُدَّعَى عليه حُكِمَ عليه وإن أنكر طُلِبَت البيِّنَة من المُدَّعي ، فإن لم توجد فيحلف المُدَّعَى عليه إذا طلب المُدَّعي وكانت على صفة جوابه فإن حَلف خُلِّيَ سبيله وإن نكل قُضِيَ عليه
، وقال شيخ الإسلام رحمه الله : بل تُرد اليمين على المُدَّعي لأنه ترجِّحُ جانبه فإن أحضر المُدَّعي بينةً ولم يسبق له نفيها فتسمع وكذا لو قال لا أعلم لي بينة ًثم وجدها فتقبل .
الشرح :
إذا أتى شخصان أحدهما يدَّعِي على الآخر فيقول القاضي للمُدَّعي لِتُحْضِرِ البيِّنةَ فإن كان المُدَّعَى عليه من الأصل
قال : أقرّ بأن عليَّ لفلانٍ هذا الشيء فإنه يحكم على المُدّعَى عليه بإقراره
لأن الإقرار أعظم وسيلة لإثبات الحُكم ،
ولكن إن أنكر المُدَّعى عليه
فيُقال للمدعي : لتُحضر البيِّنَة .
ما هي البيِّنة ؟
الشهود . فإن قال : لا بيِّنَة فإنه يُطلب من المُدَّعَى عليه أن يحلف فإذا حلف فإنه يُخَلَّى سبيله .
لكن شيخ الإسلام رحمه الله يقول :
إن ردَّ اليمين له أصلٌ .فيُقال للمُدَّعي لمَّا نَكَلَ المُدَّعَى عليه عن اليمين يقال للمُدَّعِي : احلف بأنك تُطالبه بهذا الشيء فإن أحضر المُدَّعِي بينةً فيما بعد ولم يسبق له نفْيُهَا ، فتُقْبَل وذلك لو أنه لما قيل له : لتحضر البيِّنَة .
قال : ليس عندي بينة وأتى ببينة فيما بعد لا تُقبل منه .
لِمَ ؟
لأنه نفاها لكن من قال : لا أعلم لي بينةً ثم فيما بعد أحضر البيِّنَةَ فإنها تُقبل منه
. لِمَ ؟
لأنه لم يسبق له نَفْيُهَا .
مسألة :
اليمين مزيلةٌ للخصومة لا للحق .
الشرح :
لقوله r:
( إنما أقضِ على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فإنما اقتطع له جمرًا من نار )
بمعنى أن المُدَّعَى عليه إذا حلف فإنه يُخَلَّى سبيله . هذا في أمر الدنيا من حيث لا يُطالب بهذه الخصومة لكنها ليست مزيلة للحق ، فإنْ كان المُدَّعَى عليه يعلم بأنه قد أخذ من المُدَّعِي فإن هذه اليمين تُعَدُّ يمينًا غموسًا لا تبرأ ذمته عند رب العالمين .
مسألة :
لا يحكم القاضي بعلمه ويجوز أن يعتمد على سماعه بالاستفاضة .
الشرح :
سبق مثل هذا
ولذا قالr : ( إنما أقضِ على نحو ما أسمع .. )
ولذا لو كان القاضي يعلم بأن الحق مع فلان ، لكنَّ فلانًا ليست عنده بيِّنةٌ ،
فإنه لا يحكم له مع أنه يعلم بأن الحق معه وذلك حتى لا يُفْضيَ به الأمر إلى أن يحكم في المستقبل بظلمٍ وجورٍ فَتُسَدُّ الأبواب .
لكن يجوز للقاضي أن يعتمد على ما يسمعه من الاستفاضة فلو استفاض الخبر عند الناس أنَّ فلانًا قد أخذ حق فلانٍ ، فهذه الاستفاضة كافية في الحكم على الظالم .
مسألة :
لا تصحُّ الدعوى إلا مُحَرَّرَة بذكر المعلومات التي تتضح بها الدعوى .
الشرح :
لا بد أن تكون الدعوى من المُدَّعِي محررة إذا جاء المُدَّعِي فقال له القاضي : حَرِّر دعواك . تطالبه بماذا ؟ إذا كان عقد إيجار فتبين شروط الإجارة وما حصل بينهما إن كان عقد بيعٍ فيُبَيِّنُ ما جرى في هذا البيع فلا بد أن يُحَرِّرَ المُدَّعِي دعواه وإلا لم تَصِحْ .
مسألة :
لا تصحُّ إلا معلومة المُدَّعى به إلا أن تكون الدعوى بما يصحُّ مجهولاً كالوصيَّة .
الشرح :
لو قال : أدَّعِي عليه بشي فلا يصحُّ لا بد أن يُبَيِّنَهُ . ما هذا المُدَّعَى به على فلان ؟
إلا في الوصايا ، لأنه مرَّ معنا أنه يجوز أن يوصيَ بشيءٍ مجهول فلو أن المُوصَى له ادَّعَى على الورثة وقال : إن مورثهم قد أوصى لي بكذا فإنها تصحُّ الدعوى ويُقال له : أنت ادعيت على الورثة فَلْتُحْضِر البيِّنَة فإن أحضرها فإنه يحكم له بهذه الوصية المجهولة .
مسألة :
لا بد أن يُصَرِّحَ بمطالبته بالحق وأن يكون المُدَّعَى به حالاً .
الشرح :
لا بد أن يُصَرِّحَ بمطالبته بالحق أما إذا أتى وعرض عرضًا فقط دون أن يطلب المُدَّعِي حقه ، فإنها لا تقبل وأن يكون المُدَّعَى به حالاً ، فلو ادَّعَى أنَّ عليه مالاً مؤجلاً سيقبض منه بعد سنة فإنها لا تقبل إلا في المُدَّعَى به الحالّ ، أما المؤجل فلا حقَّ له إذا جاء وقته .
مسألة :
يشترط لصحة الدعوى انفكاكها عما يُكَذِّبُها كما لو ادَّعى بيعًا أو عقدَ سلمٍ فإنه يبين شروط هذا العقد
الشرح
ولا بد أن تكون الدعوى منفكةً عما يكذبها وإلا لم تصح ،
فلو قال : إنَّ فلانًا من الناس أطالبه منذ عشرين سنةً بمبلغ من المال وإذا بعُمْرِ هذا المُدَّعَى عليه ثمانية عشر عامًا ، فلا تُقْبَلُ الدَّعْوى لأنَّ كَذِبَهَا واضحٌ صريح .
مسألة :
تعتبر لصحتها تعيين المُدَّعَى به إن كان حاضرًا وإن كان غائبًا فيصفه بما يصحُّ به السَّلَم .
الشرح :
لو قال المُدَّعِي مُدَّعِيًا بشيءٍ معينٍ ، فإن كان هذا المُدَّعَى به موجودًا في حال الخصومة ، فيقول : أدَّعي عليه هذه الساعة التي في يده هي لي ، يُعَيِّنُهَا أو هذا القلم قد يكون معه عدة أقلام فيقول : هذا القلم الأزرق لي .
فلا بد أن يُعَيِّنَ إذا كان حاضرًا أما إن كان المُدَّعَى به مجهولاً فلا بد من أنْ يصف المُدَّعَى به وصفًا واضحًا .
كما يصحُّ الوصف في السَّلَمِ الذي مرَّ معنا . فيقول : أدَّعِي عليه بسيارةٍ وصْفُهَا كذا وصناعتها كذا وموديلها كذا ولونها كذا .
مسألة :
الراجح اعتبار العدالة ظاهرًا لا باطنًا في البيِّنة ويحكم بها ما لم يعلم خلافها فإن جَهِلَ عدالتها سأل عنها وإن تعارض جرحُهُم وتعديلُهُم قُدِّمَ الجرْحُ . وإن عدَّلها الخصم كفى وإن عَلِمَ القاضي عدالتها حكم بها وإن عَلِمَ عدم عدالتها لم يحكم بها وإن ارتاب في الشهود سأل أين وكيف تحملوها ؟
الشرح :
الراجح أنَّ العدالة تعتبر في الشاهد ظاهرًا ، أما باطنًا فالعلم عند الله عز وجل فيُقْبَل من الشهود من كان عدْلاً ظاهرًا ، أما باطنًا فالصحيح أنه لا يُشْترط ويحكم القاضي بها ما لم يعلم خلافها . لِمَ ؟ لأنَّ الأصل في المسلم الصدق والعدالة لكنه إن جَهِلَ عدالتها سأل عنها وإن سأل عنها فجَرَحَهَا أناسٌ يعني جرح هؤلاء الشهود أناسٌ وعَدَّلَهُم أُناسٌ فإنه يأخذ بالجرح .
لِمَ ؟
لأنَّ مع الجارحين زيادة علمٍ ، وإن قال الخصم هذه البينة التي ادَّعَى بها علىّ فلان هي بينة عدل فإنه يُأْخَذُ بقول الخصم .
لِمَ ؟
لأنه أقرَّ على نفسه ، وإن كان القاضي يعلم أنَّ هذه البيِّنَة بيِّنَةُ عدلٍ فإنه يحكم بها وإن جهِلَ عدالتها فإنه لا يحكم بها وإن ارتاب أو شكَّ في الشهود فليسألهم أين تحملتم الشهادة .
كيف تحملتم الشهادة ؟
وليأخذ كل شاهدٍ على حدة حتى يتيقَّنَ بأنهم قد أثبتوا الشهادة وأنهم صادقون فيها .
مسألة :
إن جَهِلَ القاضي حالَهُم طلب من المُدَّعِي تزْكِيَتَهم . وهل يكفي شاهدان أو شاهد واحد ؟ قولان .
الشرح :
إن جهل القاضي حالَ البيِّنَة فيقول القاضي للمُدَّعِي : هذه بَيِّنَتُك لتزكيها . فعليه أن يأتيَ بمن يزكيها . هل يكفي في التزكية رجلٌ واحدٌ أو رجلان ؟ خلافٌ بين العلماء
مسألة :
إن جَرَحَ الخصمُ الشهودَ . كُلِّفَ إقامة َ البينة بالجرح فيُنْظَرُ ثلاثة أيامٍ ، فإن لم يأتِ بها حُكِمَ عليه .
الشرح :
لو قال المُدَّعى عليه : هذه البيِّنَة ليست بعدلٍ . فيُقال له : لتأْتِ بشهودٍ على جَرحِكَ ويعطيه القاضي ثلاثة أيام ، لأنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة أيامٍ فإن أتى ببيِّنَةٍ تجرح بيِّنَةَ المُدَّعي قُبِلَت وإلا حُكِمَ عليه .
مسألة :
يحكم على الغائب إن كان مسافرًا إذا ثبت عليه الحق ومتى ما حضر فهو على حُجَّتِهِ ، أما لو كان غائبًا في محل ولايته ولا حاكم فيه كتب القاضي إلى من يصلح للقضاء بالحكمِ بينهما فإن تعذَّرَ فإلى من يُصْلِحُ بينهما فإن تعذَّر قيل للمُدَّعِي : حقِّق دعواك . فإن فعل أُحْضِرَ خصمه وإن بَعُدَتِ المسافة .
الشرح :
يحكم على الغائب وذلك لأنَّ النبيr قال لهندٍ لمَّا قالت : إنَّ أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ لا يعطيني ما يكفيني و ولدى .
فقال r :
( خذي ما يكفيكِ وَ ولدك بالمعروف )
فإذا ثبت عليه الحق فإنه يقضِ عليه ثم إذا حضر تُسْمَعُ دعواه ويُسمع كلامه فإن كان غير محق حُكِمَ عليه بالحكم الأول وإن كان مُحِقًّا فإنه يُنْقَضُ الحكم السابق ، فإن كان غائبًا في محل ولايته ولا حاكم فيها فيكتب إلى رجل ممن في تلك البلدة إلى رجلٍ يصلح للقضاء بأن يحكم بينهما فإن تعذَّرَ أن يكون هناك من يصلح للقضاء فإنه يكتب إلى من يُصْلِحُ بينهما فإن تعذَّر ذلك فيُقال للمُدَّعِي : حقِّق دعواكَ . فإذا حقَّقَ دعواه وأثبتها فإنه يُأْتَ بالمُدَّعَى عليه ولو بَعُدَت المسافة .
مسألة :
تُسْمَعُ الدَّعوى على غير مُكلَّفٍ ويُحْكَمُ بها ، فإن كلَّف فهو على حُجَّتِه .
الشرح :
لو أنه ادَّعَى على مجنونٍ أو ادَّعَى على صبيٍّ وثبتت هذه الدعوى بالبيِّنَةِ فإنه يُقْضَ عليه ، ثم إذا كُلِّفَ بحيث يَعْقِلُ المجنون أو يبلغ الصغير فهو على حُجَّتِهِ إن كان مُحِقًّا نُقِضَ الحُكم الأول وإن كان غير محقٍ قُضِيَ عليه .