فهذه العقيدة التي نحن بصدد قراءتها ، هي عقيدة كتبها شيخ الإسلام رحمه الله لما أتته رسالة من مدينة واسط يُطلب فيها بيان معتقد أهل السنة والجماعة ، فكتب رحمه الله هذه الرسالة جوابا على هذا السؤال ، وكانت رسالة نافعة تضمنت أصول أهل السنة والجماعة ، وهذه العقيدة سبق وأن شرحتها أكثر من مرة ، وقدَّر الله عز وجل وقربتها ، فاستخلصت منها الأصول والفوائد التي ذكرها رحمه الله لتكون منطلقا لطالب العلم لقراءة شروحها ثم تكون تمهيدا لما سيقرأ إن شاء الله تعالى في تقريب العقيدة الطحاوية ، فهي بمثابة المقدمة شأنها كشأن القواعد الأربع مع كشف الشبهات ، ونحن أردنا بهذا الدرس أن نتابع ما قرأناه من متون وتقريبات مرت معنا تتعلق بالعقيدة ، بدأنا بالقواعد الأربع ثم ثنينا الأصول الثلاثة ثم تقريب كشف الشبهات ثم فرغنا ولله الحمد من الفوائد المختصرة على كتاب التوحيد ، ومعظم العقيدة الواسطية يتعلق بالأسماء والصفات .
فمن الفوائد :
أن هذه المتن هو اعتقاد الفِرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة .
قلت :
وهذا مضمون ما جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم مَنْ خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) وهم أهل السنة والجماعة .
قلت :
سموا أهل السنة لانتسابهم إليها ، بخلاف أهل البدع فقد يُنسبون إلى بدعتهم كالقدرية ، أو إلى إمامهم كالجهمية ، أو إلى أفعالهم القبيحة كالرافضة ، قال ابن مسعود رضي الله عنه في تعريف الجماعة ( هي ما وافق الحق وإن كنت واحدا ) .
ومن الفوائد :
أن اعتقاد الفرقة الناجية هو الإيمان بالأصول الستة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره .
ومن الفوائد :
أن الإيمان بالأصل الأول هو الإيمان بالله ومنه الإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
قلت :
والتحريف إما في المعنى كقولهم إن معنى الغضب هو الانتقام ، وإما تحريف اللفظ كقولهم استوى أي استولى .
أو زيادة كلمة كما قالوا ( وجاء أمر ربك )
أو تغيير حركة كما نصبوا لفظ الجلالة في قوله تعالى{ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }النساء164 ، وهو مرفوع ، فقرءوه ( وكلم اللهَ موسى ) ليكون المتكلم هو موسى عليه السلام .
والتحريف نفي المعنى الصحيح واستبداله بمعنى غير صحيح ، بخلاف التعطيل فهو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال له كفعل المفوضة كما أبطلوا معنى الرحمة .
ومن الفوائد :
أن معتقد أهل السنة والجماعة أنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } الشورى11، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم من مواضعه ولا يلحدون في أسمائه ولا يكيفون صفاته ولا يمثلونها بصفات الخلق .
ومن الفوائد :
أن سبب ضلال هذه الفرق أنهم قاسوا الله بخلقه ، ومن هنا فالرد عليهم بما يلي :
أولا : أنه لا يقاس بخلقه .
ثانيا : أنكم لستم أعلم من الله عز وجل بنفسه ، ولستم أصدق من الله قولا ، فما عليكم إلا أن تثبتوا ما ذكر عن نفسه .
ثالثا : هل أنتم أعلم بالله عز وجل من رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن قالوا نعم ( كفروا ) وإن قالوا لا ، فيقال أثبتوا ما ذكره من صفات لله عز وجل لأنه تلقى ذلك بوحي من عند الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن الله عز وجل في قوله { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }الصافات180 ، نزه نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل ثم سلَّم على المرسلين بسلامة ما قالوه من النقص .
ومن الفوائد :
أن الله عز وجل جمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات ، وهذه طريقة الرسل وطريقة من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، والجمع بين النفي والإثبات موجود كما في سورة الإخلاص ، وفي آية الكرسي ، ولهذا عدلت سورة الإخلاص ثلث القرآن ، وآية الكرسي من قرآها في ليلة حُفظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح .
ومن الفوائد :
جمع الله عز وجل بين علوه وقربه وأزليته وأبديته قال تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ }الحديد3 .
قلت :
قال ابن القيم رحمه الله ” الأول : أي أوليته قبل كل شيء ، والآخر : أي بقاؤه بعد كل شيء ، والظاهر علوه على كل شيء ، والباطن إحاطته بكل شيء بحيث يكون قريبا )
ومن الفوائد :
في قوله تعالى { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }الفرقان58
إثبات الحياة الكاملة وفي الموت عنه ، وهذه جمعت بين النفي والإثبات .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إحاطة علمه بجميع مخلوقاته قوله تعالى { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59 .
ومن الفوائد :
أن من بين الأدلة المثبتة للسمع والبصر لله سبحانه قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات المشيئة والإرادة له سبحانه قوله تعالى{ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }البقرة253 .
ومن الفوائد :
إثبات محبة الله ومودته ، قال تعالى { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }البقرة195 ، وقوله { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ }البروج14 ، وقوله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }المائدة54 .
قلت :
وفيه إثبات المحبة من العبد ومن الرب ، خلافا للجهمية والمعتزلة الذين قالوا إنه لا يُحِب ولا يُحَب ، فمحبة العبد محبته لعبادته ومحبته لهم إحسانه إليهم ، هكذا زعموا وهذا تحريف .
ومن الفوائد :
إثبات صفة الرحمة لله عز وجل ، قال تعالى{ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يونس107، وقوله تعالى { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }النمل30 ، وفيه الرد على الجهمية والمعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات .
ومن الفوائد :
من الأدلة على أن الله عز وجل يرضى قوله تعالى { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ }المائدة119 .
ومن الأدلة على أنه يغضب قوله تعالى { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }الفتح6 .
ومن الأدلة على أنه يسخط قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ }محمد28 .
ومن الأدلة على أنه يكره قوله تعالى { كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ }التوبة46 .
ومن الفوائد :
من الأدلة على مجيء الله عز وجل لفصل القضاء لفصل القضاء بين عباده قوله تعالى { وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً }الفجر22 .
قلت :
وأنه يأتي بذاته جل وعلا كما يليق به وهو من الصفات الفعلية ، خلافا من قال مجيء أمره ، قال تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }الأنعام158.
قال ابن القيم رحمه الله ” الإتيان والمجيء المضافة إليه سبحانه تعالى على نوعين :
النوع الأول : مقيد ، فإذا كان المراد مجيء رحمته قُيِّد كقوله تعالى {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف52
النوع الثاني : مطلق ، ولا يكون إلا مجيئه سبحانه وتعالى بذاته .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات الوجه له عز وجل قوله تعالى { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }الرحمن27، خلافا لمن قال المراد بالوجه الذات.
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات اليدين له جل وعلا قوله تعالى { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75.
قلت :
وفيه الرد على من أوّله بالنعمة والقدرة .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات العينين له سبحانه وتعالى قوله تعالى {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }الطور48 .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات السمع والبصر له سبحانه وتعالى قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11.
وجاء إثبات السمع بلفظ الماضي في قوله { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }
وجاء إثبات السمع بلفظ المضارع في قوله { وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا }
وجاء باسم الفاعل في قوله { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }المجادلة1
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات المكر والكيد لله عز وجل قوله تعالى {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }آل عمران54 .
وقوله تعالى { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً{15} وَأَكِيدُ كَيْداً{16} .
قلت :
ولم يوصف بهما مطلقا وإنما على وجه المقابلة والجزاء .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات صفة العفو والمغفرة والرحمة قوله تعالى { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور22 ، وقوله { فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }النساء149
ومن الفوائد :
إثبات صفة العزة لله عز وجل ، قال تعالى{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين }المنافقون8 .
وإثبات القدرة في قوله تعالى { فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً }النساء149.
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات الاسم لله عز وجل ونفي المثيل عنه قوله تعالى { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }الرحمن78 .
وعلى نفي المثل قوله تعالى {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4.
ومن الفوائد :
من الأدلة على نفي الشريك عن الله عز وجل قوله تعالى {وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ }الإسراء111.
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات استواء الله عز وجل على عرشه قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5 .
قلت :
وردت في سبع آيات من كتاب الله تعالى ، ولها في لغة العرب أربعة معاني تدور عليها تفاسير السلف للاستواء :
أولا : علا .
ثانيا : ارتفع .
ثالثا : صعد .
رابعا : استقر .
خلافا لمن حرفها بالاستيلاء .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات علو الله عز وجل على مخلوقاته قوله تعالى { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ }فاطر10.
قلت :
كل نصف ورد فيه النزول أو الصعود فهو من أدلة العلو ، وإنما ذكر المؤلف العلو بعد الاستواء ليبين أن العلو من الصفات الذاتية ، والاستواء من الصفات الفعلية ، ولذلك قال تعالى { ثُمَّ اسْتَوَى } وكان ذلك بعد خلق السماوات والأرض .
ومن الفوائد :
من الأدلة على إثبات معية الله عز وجل لخلقه قوله { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }الحديد4 ، وقوله تعالى { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }التوبة40.
قلت :
وفي الآية الأولى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }الحديد4 معية عامة تقتضي الإحاطة والعلم ، والآية الثانية { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }التوبة40 ، المعية الخاصة بالمؤمنين ، وتقتضي النصرة والتأييد ، ومعيته سبحانه لا تنافي علوه على خلقه ولا استوائه على عرشه ولا يقاس سبحانه بالخلق ، فهو قريب في علوه علي في دنوه .